ــ[266]ــ
[ 2947 ] مسألة 71 : أداء الدين من المؤونة إذا كان في عام حصول الربح (1) أو كان سابقاً ولكن لم يتمكّن من أدائه ((1)) إلى عام حصول الربح ، وإذا لم يؤدّ دينه حتى انقضى العام ، فالأحوط إخراج ((2)) الخمس أوّلاً وأداء الدين ممّا بقي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا لو حصلت من أرباح سنين عديدة فلا ينبغي التأمّل في وجوب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة ، لعدم المقتضي للاستثناء ، وأمّا المقدار المتمّم لها الحاصل في السنة الأخيرة فحكمه حكم الاستطاعة بتمامها في عام الربح ، فتجري فيها الوجوه الثلاثة المتقدّمة من التمكّن من المسير وعدمه والعصيان ، فلاحظ .
(1) تفصيل الكلام في المقام : أنّ الدين على أقسام :
فتارةً : يفرض بعد حصول الربح في عامه ، واُخرى قبله في نفس العام ، وثالثةً في العام السابق على عام الربح .
كما أ نّه قد يكون لأجل المؤونة ، واُخرى لغيرها ، إمّا مع بقاء عين ما استدان له ، أو مع تلفها كما في الغرامات ونحوها .
والسيِّد الماتن وإن لم يذكر إلاّ بعض هذه الأقسام لكنّا نذكر جميعها استيعاباً للبحث .
فنقول : يقع الكلام في مقامات ثلاثة :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل مع التمكّن أيضاً ، نعم إذا كان بدل الدين موجوداً وجب تخميس الربح قبل أداء الدين إلاّ فيما إذا كان البدل من مؤونته فعلاً كالدار والفراش ونحوهما .
(2) بل الأظهر ذلك إلاّ فيما إذا كانت الاستدانة للمؤونة وكانت بعد ظهور الربح فإنّه لا يجب التخميس وإن لم يؤدّ الدين .
ــ[267]ــ
المقام الأوّل : في الدين المتأخّر عن حصول الربح في عامه .
وتفصيله : أ نّه إذا ربح أوّلاً ثمّ استدان فقد يستدين لمؤونته ، واُخرى لأمر خارجي غير المؤونة .
فإن كان الأوّل فلا ينبغي الشكّ في جواز أدائه من الربح من غير تخميس ، والظاهر أ نّه لم يستشكل فيه أحد ، إذ كما يجوز أن يشتري ذلك بنفس الربح ، فكذلك يجوز أن يشتريه بالذمّة ويؤدِّي الدين من الربح ، ففي الحقيقة هذا صرف للربح في المؤونة ديناً لا عيناً ، ولا فرق بينهما قطعاً .
كما لا فرق في ذلك بين ما إذا كانت المؤونة المشتراة ديناً تالفة أم أ نّها كانت باقية كالفرش والدار والفرس ونحو ذلك ، فإنّه على التقديرين إذا أدّى الدين من الربح يعدّ ذلك من صرف الربح في المؤونة حسبما عرفت .
بل الظاهر أنّ الأمر كذلك وإن لم يؤدّ الدين إلى أن مضت السنة ، فيجوز الأداء منه بعد ذلك من غير تخميس ، لعدم صدق الربح عند العقلاء بعد أن كان واقعاً في قبال الدين ، فإنّ العبرة عندهم في إطلاق الربح أو الخسران بملاحظة مجموع السنة ، فإن زاد في آخرها على رأس المال شيء لم يصرف في المؤونة فهو الربح ، وإلاّ فلا .
وعليه ، فهم لا يعتبرون الربح ـ الذي بإزائه دين استدانة للمؤونة سواء أكانت مؤونة تحصيل الربح أم مؤونة السنة ـ ربحاً حقيقةً وإن كان كذلك صورةً ، بحيث لو سئل بعد انقضاء السنة هل ربحت في سنتك هذه ؟ لكان الجواب منفيّاً ، إذ لا يرى شيئاً يزيد على رأس ماله بعد اضطراره إلى الصرف في أداء الدين .
ولو فرض صدق الربح بنحو من العناية فلا ينبغي الإشكال في عدم صدق عنوان الفاضل على المؤونة الذي هو الموضوع لوجوب الخمس ، فلا يدخل في قوله (عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلخ .
ــ[268]ــ
وبالجملة : العادة قاضية وسيرة العقلاء جارية على صرف المؤن المحتاج إليها من الأرباح إمّا من عين الربح ، أو من مماثله من دين أو مال مخمّس أو ما لا خمس فيه ، بحيث يتحفّظ على رأس المال ويصرف من الأرباح عيناً أو مثلاً . وعليه ، فلا ربح ، ولو سلّمنا فلا فاضل .
ففي هذه الصورة لا حاجة إلى الأداء الخارجي ، بل مجرّد اشتغال الذمّة بالدين كاف في الاستثناء .
وإن كان الثاني : أعني الدين لغير المؤونة ، كما لو اشترى فرساً ديناً لأن يؤجّره ـ مثلاً ـ فتارةً يكون موجوداً ، واُخرى تالفاً .
أمّا الموجود فيجوز فيه أداء الدين ـ من الربح ، إذ يجوز له الآن أن يشتري الفرس بالربح فكيف بأداء الدين الآتي من قبل شراء الفرس ؟! ـ به ، لكنّه حينئذ يكون الفرس بنفسه ربحاً ، إذ للمالك تبديل الأرباح خلال السنة ولو عدّة مرّات ، كما هو دأب التجّار في معاملاتهم ، فهو في المقام يجد آخر السنة أ نّه ربح الفرس ، فيجب تخميسه بماله من القيمة ، سواء أكان مساوياً لما اشترى به أم أقلّ أم أكثر ، ففي جميع هذه الأحوال العبرة بنفس هذا المال لا الربح الذي أدّى به دينه .
ولو لم يؤدّ دينه إلى أن انقضت السنة يقوّم الفرس أيضاً آخر السنة ويلاحظ الدين الذي عليه من الفرس ، فبمقدار الدين لا ربح وإنّما الربح في الزائد عليه لو كان فيجب تخميسه حينئذ .
فمثلاً : لو اشترى الفرس بخمسين وكانت قيمته آخر السنة مائة فمعناه : أ نّه ربح خمسين فيخمّسه ، أمّا الخمسون الآخر فمدين بإزائه بهذا المقدار . نعم ، لو كانت القيمة بمقدار ما اشترى فضلاً عن الأقلّ لم يكن عليه شيء .
وأمّا لو كان الفرس ـ مثلاً ـ تالفاً فإن أدّى دينه خلال السنة فلا إشكال ،
ــ[269]ــ
فإنّ الخروج عن عهدة أداء الدين الثابت عليه ـ تكليفاً ووضعاً ـ يعدّ من المؤونة، بل لعلّ تفريغ الذمّة عنه بالربح السابق على التكليف من أوضح أنحائها ، فلو أدّاه فقد صدر من أهله في محلّه .
وأمّا لو لم يؤدّ حتى مضت السنة فهل يستثنى كما كان يستثنى الدين للمؤونة؟ فيه كلام وإشكال .
والاستثناء مشكل جدّاً ، نظراً إلى أنّ تلف هذا المال الخارجي الأجنبي عن التجارة لا ينافي صدق الربح في التجارة الذي هو الموضوع لوجوب الخمس ، فقد ربح في تجارته وفضل عن مؤونته وإن كان في عين الحال قد وردت عليه خسارة خارجية أجنبيّة عن تلك التجارة .
فاستثناء هذا الدين كما ثبت في المؤونة بدعوى أ نّه لم يربح أو على تقدير الصدق لا يصدق الفاضل على المؤونة ، غير وجيه في المقام ، لما عرفت من عدم ارتباط الخسارة الخارجيّة بصدق الربح في هذه التجارة ، فإنّها نظير الضمان أو الدية الثابت في حقّه الناشئ من إتلاف مال أحد أو كسر رأسه ونحو ذلك في أ نّه لو أفرغ ذمّته وصرف الربح فيما اشتغلت به الذمّة فهو ، ويعدّ حينئذ من المؤونة ، لاحتياج الإنسان إلى تفريغ ذمّته كاحتياجه إلى المأكل والملبس ونحو ذلك . أمّا لو لم يفعل وبقي عنده الربح حتى مضت السنة بحيث صدق أ نّه ربح وفضل عن المؤونة ـ لأ نّه لم يصرفه في المؤونة ـ وجب عليه الخمس ، لأنّ حاله حينئذ حال التقتير كما لا يخفى .
هذا كلّه فيما إذا كان الدين بعد الربح من هذه السنة .
|