[ 2948 ] مسألة 72 : متى حصل الربح وكان زائداً على مؤونة السنة تعلّق به الخمس (2) وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة ، فليس تمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ (2) ينبغي التكلّم في مقامين :
أحدهما : في زمان تعلّق الخمس وأ نّه حين ظهور الربح ، أم بعد انتهاء السنة .
ثانيهما : في أ نّه بناءً على الأوّل فهل يجوز له التأخير إلى نهاية السنة أو لا ؟
أمّا المقام الأوّل : فالمعروف والمشهور أنّ التعلّق المستتبع لحصول الاشتراك بين المالك ومستحقّ الخمس إنّما هو من أوّل ظهور الربح .
ــ[273]ــ
الحول شرطاً في وجوبه ((1)) ، وإنّما هو إرفاق بالمالك ، لاحتمال تجدّد مؤونة اُخرى زائداً على ما ظنّه ، فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس ، وكذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونسب الخلاف إلى الحلّي في السرائر وأ نّه ذهب إلى أنّ التعلّق في آخر السنة (2) .
وهذا على تقدير صدق النسبة لا نعرف له وجهاً صحيحاً ، فإنّ الآية المباركة ولو بضميمة الروايات الكاشفة عن إرادة الغنيمة بالمعنى الأعمّ ظاهرة في تعلّق الخمس من لدن تحقّق الغنيمة .
كما أنّ الروايات ـ وعمدتها موثّقة سماعة : «ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس» (3) ـ أيضاً ظاهرة في ثبوت الحكم حين صدق الفائدة الذي هو أوّل ظهور الربح .
وليس بإزاء ذلك إلاّ قولهم (عليهم السلام) في عدّة من الأخبار : «إنّ الخمس بعد المؤونة» .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذا جاز له التأخير إلى آخر السنة فكيف لا يكون الوجوب مشروطاً بذلك ؟! والتحقيق أنّ الخمس يتعلّق بالمال من أوّل ظهور الربح مشروطاً بعدم صرفه في المؤونة إلى آخر السنة ، وبما أ نّه يجوز صرفه فيها فلا يجب الأداء قبل تمام الحول ، وبذلك يظهر أ نّه لا يجب الأداء فعلاً وإن علم أ نّه لا يصرفه في مؤونته ، فإنّ عدم الصرف خارجاً لا ينافي جوازه ، والواجب المشروط لا ينقلب إلى المطلق بوجود شرطه .
(2) السرائر 1 : 489 ـ 490 .
(3) الوسائل 9 : 503 / أبواب ما يجب فيه ب 8 ح 6 ، بتفاوت يسير .
ــ[274]ــ
ولكن من الظاهر أنّ المراد بالبَعديّة ليست هي البَعديّة الزمانيّة لتدلّ على أنّ حدوث الخمس متأخّر عن إخراج المؤونة، بل المراد البَعديّة الرتبيّة، نظير قوله تعالى: (مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِي بِهَا أَو دَيْن)(1)، يعني : أنّ مرتبة الخمس متأخّرة عن المؤونة ، كما أنّ مرتبة الإرث متأخّرة عن الوصيّة والدين ، ومرجع ذلك إلى أنّ إخراج الأمرين مقدّم على الصرف في الإرث ، كما أ نّه في المقام يلاحظ الخمس فيما يفضل على المؤونة من الربح من غير نظر إلى الزمان بتاتاً .
فمقتضى الجمع بين هذه الروايات الدالّة على أنّ الخمس بعد المؤونة وما دلّ على تعلّقه من لدن ظهور الربح : أنّ الحكم ثابت من الأوّل لكن مشروطاً بعدم الصرف في المؤونة بنحو الشرط المتأخّر ، فإنّ البعديّة الرتبيّة لا تنافي الثبوت من الأوّل كما في الإرث ، غايته أ نّه من قبيل الواجب المشروط بالشرط المتأخّر، فكلّما صرفه في المؤونة لم يتعلّق به الخمس من الأوّل ، وكلّ ما بقي وفضل ـ كما عبّر به في رواية ابن شجاع (2) ـ وجب خمسه . وهذا هو الظاهر من الجمع بين الأخبار .
وممّا يرشدك إلى إرادة البَعديّة الرتبيّة أنّ لازم إرادة الزمانيّة جواز إتلاف الربح أثناء السنة أو الصرف في غير المؤونة من هبة لا تليق بشأنه ونحوها ، لعدم لزوم حفظ القدرة قبل تعلّق التكليف ، ومرجع هذا إلى سقوط الخمس عنه ، ولعلّ الحلّي أيضاً لا يلتزم بذلك .
هذا ، ولكنّ الإنصاف أنّ ما ذكرناه إنّما يتّجه بالإضافة إلى مؤونة الاسترباح وما يصرف في سبيل تحصيل الربح ، فإنّ ما ورد من أنّ الخمس بعد المؤونة ناظر إلى ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النِّساء 4 : 11 .
(2) الوسائل 9 : 500 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2 .
ــ[275]ــ
وأمّا بالنسبة إلى مؤونة السنة التي هي محلّ الكلام فتعلّق الخمس باق على إطلاقه ، وإنّما المتقيّد بعدم الصرف فيها هو الحكم التكليفي ـ أعني : وجوب الخمس ـ لا تعلّقه ، على ما تشهد به نصوص الباب ، حيث إنّ المعلّق على ما بعد المؤونة في صحيحة ابن مهزيار (1) إنّما هو وجوب الخمس ، كما أنّ المعلّق عليه في صحيحته الاُخرى (2) هو قوله (عليه السلام) : «عليه الخمس» ، الظاهر في الوجوب .
إذن فيكون المشروط بعدم الصرف فيها على سبيل الشرط المتأخّر إنّما هو الوجوب لا أصل التعلّق ، فإنّه باق على إطلاقه .
وكيفما كان ، فما ذكره المشهور من ثبوت الحكم من الأوّل مشروطاً بعدم الصرف في المؤونة هو الصحيح ، بل لا ينبغي التردّد فيه .
وأمّا المقام الثاني : فقد صرّح جماعة ـ بل ادّعي الإجماع عليه في غير واحد من الكلمات ـ بجواز التأخير إلى نهاية السنة ، إرفاقاً واحتياطاً من جهة المؤونة .
لكن قد يستشكل فيه بأ نّه لولا قيام الإجماع بل إرسالهم له إرسال المسلّمات لَما أمكن تتميمه بالدليل، إذ كيف يسوغ التأخير في أداء حتى الغير الثابت بمجرّد ظهور الربح ـ كما هو المفروض ـ مع إطلاق ما دلّ على عدم حلّ مال المسلم بغير إذنه ؟! واحتمال وجود المؤونة منفي بالأصل .
مع أ نّه قد يعلم بعدمها سيّما إذا كان الربح كثيراً جدّاً بحيث يقطع عادةً بعدم صرف الجميع ، فغايته استثناء المقدار المتيقّن صرفه في المؤونة دون المشكوك ، فضلاً عمّا يقطع بالعدم ، بل لا معنى للاحتياط حينئذ كما لا يخفى .
ويندفع بإمكان الاستدلال عليه ـ مع الغضّ عن الإجماع ـ بوجوه :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 500 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3 .
(2) الوسائل 9 : 500 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 4 .
ــ[276]ــ
أحدها : السيرة القطعيّة العمليّة القائمة من المتشرّعة على ذلك ، فإنّهم لا يكادون يرتابون في جواز التأخير إلى نهاية السنة ، ولا يبادرون إلى الإخراج بمجرّد ظهور الربح بالضرورة ، ولو كان ذلك واجباً لكان من الواضحات التي لا تعتريها شائبة الإشكال .
ثانيها : قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مهزيار : «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلخ (1) .
دلّت على أنّ الإخراج إنّما يجب في كلّ عام مرّة لا في كلّ يوم ، ولدى ظهور كلّ فرد فرد من الأرباح . ونتيجته : جواز التأخير إلى نهاية السنة .
ثالثها : صحيحة ابن أبي نصر ، قال : كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : الخمس ، أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب : «بعد المؤونة» (2) .
فإنّ السؤال عن الإخراج الذي هو نقل خارجي لا عن التعلّق ، والمراد بالمؤونة ـ كما مرّ ـ ليس هو مقدارها ، بل نفس الصرف الخارجي ، فقد دلّت على أنّ الإخراج إنّما هو بعد الصرف في المؤونة في آخر السنة وإن كان التعلّق من الأوّل .
لكن ذكرنا سابقاً أنّ هذه الصحيحة يمكن أن تكون ناظرة إلى مؤونة الربح لا مؤونة السنة ، فهي حينئذ أجنبيّة عن محلّ الكلام .
رابعها ـ وهو العمدة في المقام ـ : أنّ المؤونة على قسمين :
أحدهما : المصارف الضروريّة التي لا بدّ منها من المأكل والمسكن والملبس ونحوها ممّا يحتاج إليه الإنسان في إعاشته ، فإنّها غالباً محدودة بحدٍّ معيّن ربّما يعلم الإنسان بمقداره وربّما يشكّ ويكون لها قدر متيقّن .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 501 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5 .
(2) الوسائل 9 : 508 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1 .
ــ[277]ــ
ثانيهما : المصارف غير الضروريّة ممّا يكون باختيار الإنسان له أن يفعل وأن لا يفعل ، كالهبة اللاّئقة بشأنه والحجّ المندوب والزيارات وما يصرف في سبيل الخيرات والمبرّات ، فإنّ هذه أيضاً تعدّ من المؤن . ومن ثمّ جاز الصرف فيها من غير تخميس كما تقدّم ، وليست محدودة بحدّ ، كما أنّ الجواز لم يكن منوطاً بالصرف الخارجي ، فهو ثابت حتى في حقّ من يقطع من نفسه بعدم الصرف في هذه السنة في شيء من ذلك .
وقد تقدّم في المقام الأوّل أنّ الخمس وإن تعلّق من لدن ظهور الربح لكنّه مشروط وضعاً أو تكليفاً بعدم الصرف في المؤونة ـ بقسميها ـ بنحو الشرط المتأخّر على ما استفدناه من قوله (عليه السلام) : «الخمس بعد المؤونة» حسبما تقدّم (1) .
وقد ذكرنا في الاُصول : أنّ الواجب المشروط لا ينقلب إلى الواجب المطلق بحصول شرطه فضلاً من العلم به ، فالحجّ ـ مثلاً ـ مشروط بالاستطاعة دائماً حتى بعد حصولها وتحقّقها خارجاً ، فإنّ موضوع الحكم لا ينقلب عمّا هو عليه بوجه ، ولأجل ذلك كان الواجب المهمّ المشروط بعصيان الأهمّ مشروطاً مطلقاً حتى مع فعليّة العصيان، كما فصّلنا البحث حول ذلك في مبحث الترتّب مشبعاً (2) .
وعليه ، فلو فرضنا القطع بعدم الصرف في المؤونة إلى نهاية السنة بحيث تيقّنّا بحصول الشرط مع ذلك لم يجب الأداء فعلاً وإن كان متعلّقاً للخمس فيجوز التأخير ، وذلك لجواز الصرف في المؤونة من غير إناطة بفعليّة الصرف كما عرفت ، فإذا جاز الصرف المزبور جاز الإبقاء إلى نهاية السنة بطبيعة الحال ، ومن الضروري أنّ جواز الصرف أو الإبقاء لا يجتمع مع وجوب الأداء فعلاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 209 .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 115 ـ 124 .
|