وأمّا التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها وربح الباقي فالأقوى الجبر ، وكذا في الخسران والربح في عام واحد في وقتين ، سواء تقدّم الربح أو الخسران ((2)) ، فإنّه يجبر الخسران بالربح .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالفاستون ، أو يربح بائع العبي في العباءة الشتويّة ويخسر في الصيفيّة ، وهكذا ، ضرورة أنّ العرف والعادة قد جرت على احتساب الربح والخسارة في مثل ذلك في المجموع لا في واحد واحد ، فيلاحظ المجموع في آخر السنة ويحاسب كمعاملة واحدة قد خسر فيها أو ربح . وهذا لا ينبغي الإشكال فيه كما عرفت ، وقد تعرّض له الماتن في آخر المسألة .
ولكن الذي ينبغي التنبيه عليه هو أنّ خسارة السنة السابقة لا تنجبر بالربح في السنة اللاحقة ولو من جنس واحد كما نصّ عليه الأصحاب ، كالبزّاز الذي يخسر في سنة ويربح في اُخرى، لأنّ كلاًّ منهما موضوع مستقلّ وله حكم خاصّ .
فعلى هذا لا تنجبر الخسارة السابقة بالربح اللاّحق ولو في سنة واحدة ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ مبدأ السنة إنّما هو ظهور الربح لا الشروع في الكسب ، فالخسارة قبل الظهور أيضاً لا تتدارك بالربح اللاّحق ، لأنّ العبرة بصرف الربح في المؤونة ولم يصرف فيها ، وواضح أنّ الخسارة السابقة
ــــــــــــ (2) الجبر في فرض تقدّم الخسران لا يخلو من إشكال بل منع .
ــ[281]ــ
لا توجب عدم صدق الربح في المتأخّر ، فلا تنجبر به حتى في تجارة واحدة ، كما كان كذلك في خسارة السنة السابقة ، ونحوهما ما يصرف في المؤونة قبل ظهور الربح .
وبالجملة: يختصّ الجبر بالربح السابق والخسارة اللاحقة ، إذ حينئذ لا يصدق أ نّه اسـتفاد ، فإنّ الربح المتعقّب بالخسران في حكم العدم ، فما تسالمت عليه كلماتهم من تدارك الخسارة بالربح في التجارة الواحدة فضلاً عن المتعدّدة لا بدّ من تقييده بالخسارة المتأخّرة ، وأمّا المتقدّمة فحالها حال الخسارة في السنة السابقة في عدم انجبارها بالربح اللاّحق .
وملخّص الكلام في المقام : أ نّه لا خلاف بين الأعلام في انجبار الخسارة اللاّحقة بالربح السابق ـ في سنة واحدة ـ لأنّ الربح وإن صدق حدوثاً إلاّ أ نّه لا ربح بقاءً بعد تبدّله بالخسران ، ففي الحقيقة لم يربح وإنّما هو صورة الربح .
وأمّا عكس ذلك ، كما لو خسر في الشهر الأوّل وربح في الشهر الثاني ، فقد حكم الماتن بالجبر فيه أيضاً ، وهو وجيه على مسلكه من جعل مبدأ السنة أوّل الشروع في الكسب .
ولكنّك عرفت فيما سبق عدم الدليل عليه ، إذ لم نجد في الروايات ما يشهد له ، بل الموضوع فيها الغنيمة والإفادة والاستفادة ونحو ذلك ممّا يكشف عن أنّ المبدأ هو ظهور الربح مشروطاً بعدم الصرف في المؤونة .
وأمّا ما تقدّم على الربح من صرف شيء في المؤونة أو الخسارة فلم يدلّ أيّ دليل على انجباره بالربح المتأخّر .
نعم ، لا ريب في الانجبار بالإضافة إلى مؤونة التجارة ، أي ما يصرف في سبيل تحصيل الربح ، فيستثنى ما يبذل لأجل استخراج الكنز أو المعدن أو الاتّجار من ضريبة أو اُجرة حمّال أو مكان أو كتابة أو برقيّة ونحو ذلك ممّا
ــ[282]ــ
يتوقّف عليه الاستنتاج والاسترباح ، لأنّ الخمس بعد المؤونة ، بل لا ربح إلاّ فيما عداها .
بل لا يتقيّد ذلك بالسنة أيضاً وإن كان التقييد يظهر من بعض الكلمات ، فلو اشتغل باستخراج المعدن أو نسج السجّاد سنين وبذل خلالها أموالاً فإنّ ذلك كلّه يستثنى من الربح بلا خلاف ولا إشكال ، إذ التقييد بالسنة إنّما ثبت في مؤونة الشخص وعائلته لا في مؤونة الربح كما لا يخفى .
هذا كلّه في تجارة واحدة .
وأمّا لو فرّق رأس المال في نوعين أو أنواع من التجارة كتجارة القماش وتجارة الطعام فربح في أحدهما وخسر في الآخر ، فهل يلتزم بالجبر حينئذ على الشرط المتقدّم من تقدّم الربح على الخسارة ، وإلاّ ففي صورة العكس الكلام هو الكلام ، فإنّا إذا لم نلتزم بالجبر في نوع واحد ففي نوعين بطريق أولى ؟
ربّما يستشكل في ذلك بأنّ كلاًّ منهما موضوع مستقلّ فلا موجب للجبر ، بل نُسب إلى الجواهر أ نّه قوّى ذلك (1) ، ولكن السيِّد الماتن احتاط فيه ، وأخيراً قوّى الجبر وهو الصحيح .
فإنّ همّ التاجر وغايته الوحيدة إنّما هو الاسترباح وتوفير المال ولا نظر له إلى خصوصيّات الأفراد التي فرّق فيها رأس ماله ، بل العبرة بملاحظة المجموع وإن تشعّبت فروعه وتشتّتت .
بل أنّ هذا هو الغالب في الكسبة العاديّين من أرباب الحوانيت ، حيث يشتمل محلّ تجارتهم على أنواع مختلفة وبضائع متفرّقة من ماش وعدس وأرز ولبن وصابون ونحوها ممّا قد يتجاوز عشرات المواد ، فإنّ ذلك كلّه كسب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 16 : 61 .
ــ[283]ــ
واحد عرفاً وإن تشكّل من أجناس عديدة قد تفرّق فيها رأس المال في سبيل تحصيل الربح ، فلو ربح في البعض وخسر في البعض الآخر فمعناه : أ نّه لم يربح ، لبقاء رأس ماله على حاله من أجل الخسارة الواردة عليه ، فهو في آخر السنة يحاسب المجموع فيتحصّل الانجبار بطبيعة الحال .
ولو تنازلنا وفرضنا الشكّ في صدق الاستفادة في هذه السنة من أجل الشكّ في الجبر كان مقتضى الأصل البراءة عن وجوب الخمس ، للشكّ في تحقّق موضوعه وهو الربح الباقي إلى نهاية السنة ، فمجرّد الشكّ كاف في جريان نتيجة الجبر ، مع أ نّا لا نكاد نشكّ أبداً ، بل الظاهر بحسب الصدق العرفي عدم الفرق بين النوع الواحد والنوعين في تحقّق الجبر بمناط واحد حسبما عرفت .
إنّما الكلام فيما لو كان الشغل مختلفاً ، كما لو كان تاجراً وزارعاً فربح في أحدهما وخسر في الآخر ، فهل يحكم بالجبر حينئذ ؟
أفتى (قدس سره) بالعدم ، نظراً إلى تعدّد العنوان .
ولكن للمناقشة فيه مجال ، إذ العنوان وإن تعدّد إلاّ أنّ شيئاً منها لم يكن ملحوظاً بالذات ، بل الكلّ مقدّمة للاسترباح ولتحصيل المال ، والاختلاف إنّما هو في سبل تحصيله ، فهو في آخر السنة يلاحظ مجموع العائد من كسبه المنشعب إلى قسمين أو أقسام ، فإذا ربح في البعض وخسر في الآخر يجري الكلام المتقدّم حينئذ من أ نّه لم يربح بمقدار خسارته ، ولا أقلّ من الشكّ في صدق الاستفادة وشمول الأدلّة له ، ومقتضى الأصل البراءة عن الوجوب، ولكن الاحتياط في محلّه .
والمتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الأظهر هو الجبر ، سواء أتعدّد العنوان أم اتّحد ، وسواء أتعدّدت الأنواع ـ في العنوان الواحد ـ أم اتّحدت ، مع فرض تقدّم الربح على الخسارة ، دون العكس ، حيث إنّ الربح المتعقّب بالخسارة كأ نّه لا ربح .
|