ــ[284]ــ
[ 2951 ] مسألة 75 : الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولمزيد التوضيح في وجهه نقول : إنّه يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع والسيرة القطعيّة أ نّك قد عرفت أنّ الخمس وإن كان متعلّقاً بالمال من الأوّل كتاباً وسنّة لكن وجوبه مشروط بعدم الصرف في المؤونة بنحو الشرط المتأخّر ، وعلى هذا بنينا جواز الإبقاء احتياطاً للمؤونة ، بل لم نستبعد الجواز حتى مع القطع بالعدم كما تقدّم . فيكشف الصرف عن عدم الوجوب من الأوّل ، لفقد شرطه ، فله الإبقاء إلى نهاية السنة ، فإنّ صرفه فلا خمس ، وإلاّ خمّسه . ومن ثمّ أوعزنا إلى أنّ الوجوب يثبت آخر السنة وإن كان الحقّ متعلّقاً من الأوّل ، فلا يجب الإخراج أثناء السنة وإن جاز له ذلك . هذا هو المستفاد من مجموع الأخبار .
ولازم ذلك بحسب الفهم العرفي أنّ موضوع الوجوب هو الربح الباقي ، ولا يكفي فيه مجرّد الحدوث . وعليه ، فمع عروض الخسران لا ربح بقاءً ، إذ لا يصدق عرفاً أ نّه ربح في تجارته في هذه السنة ، بل كان له ربح وقد زال وكان مرخّصاً في التأخير لأجل المؤونة حسبما عرفت ، فلا موضوع للخمس ، وكأ نّه لم يربح ولم يتّجر . ومع التنزّل فلا أقلّ من الشكّ ، إذ لا ندري أنّ موضوع الحكم هل هو الربح الحادث أو الباقي ؟ فيرجع إلى أصالة البراءة عن الوجوب.
(1) كما في الزكاة من غير خلاف فيه ، وتقتضيه ظواهر الأدلّة من الكتاب والسنّة ، حيث تضمّنت إسناد الخمس إلى نفس العين بتعابير مختلفة من قوله : «خمسه» أو : «فيه الخمس» أو : «الخمس عليه» أو : «فيه» ونحو ذلك ممّا يظهر منه التعلّق بنفس الموضوعات والأعيان الخارجية دون الذمّة .
ــ[285]ــ
ويتخيّر المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً ((1)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فلا يجب الإخراج من نفس المال ، بل يجوز من مال آخر . ولعلّ هذا هو المتسالم عليه بين الأصحاب وإن لم يذكروا ذلك إلاّ في باب الزكاة ، وكأ نّه لبنائهم على الاشتراك في هذه الأحكام . إنّما الكلام في دليله .
أمّا جواز التصرّف أثناء السنة في ماله والتبديل بمال آخر فلا إشكال فيه ، لعدم كون المالك محجوزاً ومحجوراً عليه قبل تمام السنة بمجرّد ظهور الربح ، بعد وضوح كون الخمس مشروطاً بعدم الصرف في المؤونة ، وهذا خارج عن محلّ الكلام .
بل الكلام فيما بعد حلول الحول واستقرار الخمس وأ نّه هل يجوز الإخراج عندئذ عن مال آخر أو لا ؟
لم يرد في المقام أيّ دليل يدلّ على الجواز حتى من النقود فضلاً عن العروض .
نعم ، يمكن الاستدلال بما تمسّك به الفقهاء لذلك في باب الزكاة بدعوى شموله للمقام أيضاً ، وهي صحيحة البرقي ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : هل يجوز أن اُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلاّ أن يخرج عن كلّ شيء ما فيه ؟ فأجاب (عليه السلام) : «أيّما تيسّر يخرج» (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في جواز الدفع من جنس آخر إشكال بل منع ، نعم يجوز بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله .
(2) الوسائل 9 : 192 / أبواب زكاة الغلاّت ب 9 ح 1 .
ــ[286]ــ
فإنّ ما يجب في الحرث بعد التقييد بالحنطة والشعير وإن كان ظاهراً في الزكاة ، لكن ما يجب في الذهب مطلق يشمل الخمس أيضاً ، كما لو كان هبة أو اُجرة أو ثمناً ، سيّما في تلك الأزمنة التي كان الذهب شائعاً والمعاملة عليه رائجة .
فهذه الصحيحة وإن تمسّك بها الأصحاب في باب الزكاة وذكرها صاحب الوسائل في ذاك الباب ، إلاّ أ نّه يمكن التمسّك بإطلاقها وأنّ العبرة بمطلق ما وجب في الذهب ، سواء أكان زكاة أم خمساً ، وقد حكم (عليه السلام) بكفاية الإخراج بكلّ ما تيسّر وإن كان من خارج العين .
ومع التنازل والغضّ عمّا ذكر فلا ينبغي التأمّل في أنّ نظر السائل لم يكن مقصوراً على خصوص الزكاة ، فإنّ هذا لو كان مذكوراً في كلام الإمام (عليه السلام) لأمكن دعوى الاختصاص وأنّ للزكاة خصوصيّة لا نعرفها ، ولكنّه مذكور في كلام السائل ، ولعلّ من المقطوع به عدم الفرق في نظره بين الخمس والزكاة كما لا يخفى .
فالاستدلال بهذه الصحيحة للمقام وجيه وفي محلّه .
إلاّ أنّ الاشكال في التعدّي إلى أموال اُخر غير النقدين ، فإنّ مثل الدرهم ممّا ينتفع به الفقير في حوائجه بل هو أنفع ، حيث يصرفه فيما يشاء كما عبّر به في النصّ . وأمّا غيره وإن كان بقيمته ـ كدفع كتاب الجواهر لفقير يسكن البادية مثلاً ـ فلا يستفيد منه بوجه .
وبالجملة : فدفع القيمة بما كان من قبيل العروض مشكل جدّاً ، فإن تمّ إجماع ـ ولا يتمّ ـ وإلاّ فالتعدّي في غاية الإشكال .
نعم ، لا ريب في التعدّي إلى سائر النقود وعدم الاختصاص بالدرهم وإن تضمّنه النصّ ، للقطع بعدم الخصوصيّة كما تقدّم في زكاة الفطرة .
|