ــ[303]ــ
[ 2957 ] مسألة 81 : قد مرّ أنّ مصارف الحجّ الواجب إذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير من مؤونة تلك السنة ، وكذا مصارف الحجّ المندوب والزيارات ، والظاهر أنّ المدار ((1)) على وقت إنشاء السفر ، فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤونته (1) ذهاباً وإيّاباً وإن تمّ الحول في أثناء السفر ، فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر إلاّ في الإياب أو مع المقصد وبعض الذهاب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما أفاده (قدس سره) لا يستقيم على إطلاقه ، فإنّ مصروفات الحجّ على أقسام :
منها : ما يعدّ من مؤونة هذه السنة وإن كان من شأنه البقاء إلى السنة الآتية ، كشراء المركوب من دابّة أو سيّارة ونحوهما للسفر إلى الحجّ ، فحالها حال شراء الدار أو الفراش أو الألبسة أو التزويج ونحو ذلك ممّا يحتاج إليه فعلاً ـ وإن بقي بعد الحول أيضاً ـ حيث يستثنى عن أرباح هذه السنة تحت عنوان المؤونة بلا كلام ولا إشكال .
ومنها : ما لا بدّ من صرفه من الآن ولا يمكن الحجّ بدونه وإن وقع مقدار منه بإزاء الإياب ، كالأموال التي تأخذها الحكومات أو الشركات بالعناوين المختلفة ، التي منها اُجور الطائرة ذهاباً وإيّاباً بحيث لا مناص من الإعطاء ولا يمكن الاسترجاع ، فإنّ هذه المصارف تعدّ أيضاً من مؤونة سنة الربح بطبيعة الحال وإن تمّ الحول أثناء السفر كما هو ظاهر .
ومنها : المصارف التدريجيّة التي تدفع شيئاً فشيئاً، كالمأكولات والمشروبات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدار على الصرف في عام الربح على الأظهر .
ــ[304]ــ
[ 2958 ] مسألة 82 : لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أوّلاً ، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مؤونة سنته (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واُجور المساكن في المقصد أو الإياب ، كما لو احتاج في رجوعه إلى التوقّف في الكويت أو البصرة يوماً أو أيّاماً فدفع أموالاً لمسكنه ومصرفه وقد تمّ الحول في الأثناء ، فإنّ احتساب هذه المصارف من مؤونة السنة الماضية مع أ نّها من مصارف هذه السنة يحتاج إلى الدليل ، ولم يقم عليه أيّ دليل .
(1) خلافاً لجماعة ، حيث ذهبوا إلى تعدّد الخمس ، نظراً إلى تعدّد العنوان . غايته أنّ الخمس بعنوان الكسب مشروط بعدم الصرف في المؤونة ، وأمّا بعنوان المعدن ـ مثلاً ـ فلا يستثنى منه إلاّ مؤونة الإخراج والتحصيل .
ولكن ما ذكروه لا يمكن المساعدة عليه بوجه :
أمّا أوّلاً : فلأنّ عنوان الكسب لم يذكر في شيء من الأخبار وإن تداول التعبير بأرباح المكاسب في كلمات جماعة من الفقهاء ، بل الوارد في الأدلّة عنوان الفائدة ـ ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس ـ أو الغنيمة ، بناءً على شمول الآية للمقام . فالموضوع مطلق الفائدة ، والغوص أو المعدن من أحد مصاديقها ، بحيث لو لم يرد فيهما دليل بالخصوص لقلنا فيهما أيضاً بوجوب الخمس من أجل كونهما من أحد مصاديق الفائدة كما عرفت ، غايته أنّ الأدلّة الخاصّة دلّتنا على أنّ الوجوب فيهما فوري كما هو مقتضى الإطلاق أيضاً في مثل قوله (عليه السلام) : «ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس» (1) وإن خرجنا عنه بالأدلّة الخارجيّة وقيّدنا الوجوب بعدم الصرف في مؤونة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 503 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6 .
ــ[305]ــ
السنة بنحو الشرط المتأخّر .
وبالجملة : لا يجب الخمس في هذه الموارد بأجمعها إلاّ بعنوان واحد وإن اختلفت في الأحكام من حيث استثناء المؤونة وعدمها ، فلا تكرّر في العنوان ليحتاج إلى التعدّد .
وثانياً : لا يمكن الالتزام بوجوب خُمسَين حتى لو سلّمنا تعدّد العنوانين ـ عنوان الكسب وعنوان الغوص مثلاً ـ فإنّ النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه لجواز عدم الاكتساب بالغوص كجواز كون الكسب من غير الغوص ، إلاّ أنّ الالتزام بالخُمسَين إنّما يتّجه لو بنينا على مقالة ابن إدريس من تعلّق خمس الربح آخر السنة (1) ، فيلتزم حينئذ بوجوب خمس عند ما غاص وبوجوب خمس آخر في نهاية السنة .
لكن المبنى ساقط ، والصحيح ـ كما مرّ ـ تعلّق الخمس من لدن ظهور الربح ، غايته أنّ وجوبه مشروط بنحو الشرط المتأخّر بعدم الصرف في مؤونة السنة . وعليه ، فمرجع الالتزام بالتعدّد أ نّه حينما غاص وجب عليه خمسان : أحدهما بعنوان الغوص وهو مطلق، والآخر بعنوان الكسب وهو مشروط بعدم الصرف في المؤونة .
وهذا ـ كما ترى ـ مناف لظاهر النصوص الواردة في الغوص والمعدن ونحوهما ، حيث إنّ ظاهرها أنّ ما يستخرج بالغوص يملكه المستخرج بتمامه بعد التخميس بحيث تكون الأربعة أخماس الباقية بتمامها له ، بل قد صرّح بذلك في بعض هذه النصوص ، فلو كان عليه خمس آخر فمعناه أنّ ثلاثة أخماس العين له لا أربعة أخماسها ، وهو خلاف ظواهر الأدلّة كما عرفت .
على أنّ لازم هذا البيان أنّ من يقول بتعلّق الخمس بمطلق الفائدة ـ كما هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السرائر 1 : 489 ـ 490 .
ــ[306]ــ
الحقّ ـ يلزمه الإذعان بالخُمسَين حتى إذا لم يكن الغوص ـ مثلاً ـ مكسباً له ، كما لو غاص ومن باب الاتّفـاق أخرج اللؤلؤة ، وهذا مقطـوع البطلان كما لا يخفى . فإذا لم يكن متعدّداً في غير موارد الكسب لا يكون كذلك في موارد الكسب أيضاً ، لما عرفت من أنّ الكسب لا خصوصيّة له ، بل هو لأجل صدق الفائدة .
والحاصل : أ نّا لو قلنا بالتعدّد في الكسب لا بدّ من القول به في غير الكسب أيضاً ، وهو مقطوع البطلان . إذن فليس في البين إلاّ خمس واحد .
وملخّص الكلام في المقام : أ نّا لو قلنا بأنّ الخمس في أرباح المكاسب لم يكن لخصوصيّة فيها ، وإنّما هو من باب مطلق الفائدة ، فلا فرق إذن فيمن يستخرج المعدن ـ مثلاً ـ بين أن يتّخذه مكسباً ومتجراً له وبين عدمه ، فكما لا خمس في فرض عدم الكسب إلاّ مرّة واحدة بلا خلاف ولا إشكال ، فكذا في فرض الكسب بمناط واحد .
وأمّا لو قلنا بخصوصيّة في الكسب ، فبين العنوانين وإن كان عموم من وجه ولكن من الظاهر أنّ الغالب الشائع فيمن يستخرج المعدن أو الغوص اتّخاذه مكسباً له .
وعليه ، فالقدر المتيقّن من نصوص تخمس المعدن ـ مثلاً ـ وأنّ الباقي له هو المتعارف من استخراج المعدن ، أعني : ما يكون مكسباً له كما عرفت ، فلو كان ثمّة خمس آخر لَما كان تمام الباقي له ، وإنّما له ثلاثة أخماس ، لتعلّق خُمسَين من الأوّل : أحدهما مطلق ، والآخر مشروط ، مع أنّ ظاهر تلك الأخبار أ نّه ليس عليه إلاّ خمس واحد ، وتمام الأربعة أخماس الباقية كلّها للمالك .
فما ذكره في المتن من وحدة الخمس هو الصحيح المطابق لظواهر النصوص حسبما عرفت .
|