ــ[320]ــ
[ 2963 ] مسألة 3 : مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالاُبوّة ، فإن انتسب إليه بالاُمّ لم يحلّ له الخمس (1) وتحلّ له الزكاة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذ لا قرينة على الأوّل فالمقـتضي ـ أعني : دلالة النصّ على التوزيع والبسط ـ قاصرة ، بل القرينة على خلافه قائمة ، وهي ما عرفت من ندرة وجود ابن السبيل المستلزمة لتعطيل هذا السهم .
وعليه ، فيكفي دفع نصف الخمس إلى صنف واحد من السادة ، لانتفاء الدليل على لزوم البسط والتثليث .
أضف إلى ذلك كلّه أنّ الخطاب في الآية الشريفة لمّا كان متوجّهاً إلى آحاد المكلّفين كلّ بالنسبة إلى ما غنمه فالحكم طبعاً ممّا يبتلى به كثيراً .
وعليه ، فلو وجب البسط لظهر وبان وشاع وذاع، بل أصبح من الواضحات ، فكيف ذهب المشهور إلى عدم الوجوب حسبما عرفت ؟!
هذا كلّه بالنسبة إلى المالك المكلّف بإخراج الخمس .
وأمّا بالنسبة إلى وليّ الأمر الذي تجتمع عنده الأخماس كالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاصّ أو العامّ، فلعلّ الأمر أوضح ، إذ لم يقم أيّ دليل على وجوب البسط بالإضافة إليه ، بل الدليل على خلافه ، وهو صحيحة البزنطي (1) الناطقة بأنّ أمر ذلك إلى النبيّ والإمام وأ نّه إنّما يعطي حسبما يرى ، فله الاختيار في البسط وعدمه طبق ما تقتضيه المصلحة .
(1)المعروف والمشهور بين الأصحاب ـ عدا ما نُسب إلى السيِّد المرتضى (قدس سره) ـ أنّ العبرة في الانتساب إلى هاشم المعتبر في استحقاق الخمس
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 519 / أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1 .
ــ[321]ــ
إنّما هو الانتساب إليه من قبل الأب .
ونُسب إلى السيِّد استحقاق المنتسب إليه من قبل الاُمّ أيضاً (1) ، واختاره في الحدائق (2) ، بل أصرّ عليه ، وذكر أنّ منشأ هذا الخلاف هو أنّ ولد البنت ولد حقيقة أو لا ، فالمرتضى ومن تبعه على الأوّل ، والمشهور على الثاني .
هذا ، ولا يخفى أنّ ما نسب إلى السيِّد (قدس سره) من عموم الاستحقاق للمنتسب إلى هاشم من طرف الاُمّ غير ثابت .
فإنّ الكلام في مقامين :
أحدهما : في صدق الولديّة على ولد البنت وعدمه ، ولا ينبغي الإشكال في الصدق لغةً وعرفاً ، نظراً إلى أنّ جدّه لاُمّه أولده ، إذ قد وقع في سلسلة أجزاء علّة ولادته ، فولادته مستندة إليه بطبيعة الحال ، وهذا يكفي في صدق كونه ولداً له حقيقةً . ولأجله كان أولاد فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) أولاداً لرسـول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حقيقةً ، وجعل عيسى (عليه السلام) من ذرِّيّة إبراهيم (عليه السلام) من قبل اُمّه (عليها السلام) ، وجرت أحكام الأولاد في المناكح والمواريث وغيرهما على أولاد البنات أيضاً . وعن الصادق (عليه السلام) أ نّه قال : «أولدني أبو بكر مرّتين» (3) باعتبار أنّ اُمّه : اُمّ فروة ، وهي منتسبة إلى أبي بكر من وجهين .
ثانيهما : فيمن يستحقّ الخمس من المنتسبين إلى هاشم وأ نّه هل هو كلّ من يصدق عليه أ نّه من أولاد هاشم أو لا ؟
ويظهر من الروايات الواردة في أبواب تحريم الزكاة على بني هاشم وتعويض
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رسائل الشريف المرتضى 4 : 327 ـ 328 .
(2) الحدائق 12 : 394 .
(3) كشف الغمة 2 : 161 .
ــ[322]ــ
الخمس لهم عن الزكاة وجواز زكاة بعضهم على بعض وجواز أخذهم الزكاة مع الضرورة وغيرها : أنّ العنوان المأخوذ في موضوع هذه الأحكام إنّما هو الهاشمي وبنو هاشم .
قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم» (1) .
وقال (عليه السلام) : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة»(2)، ونحوهما غيرهما ممّا هو كثير جدّاً .
ومن الواضح أنّ هذه العناوين تعدّ من العناوين التي يعبّر بها عن الطوائف والقبائل كالتميمي وبني تميم ونحو ذلك ، ولا ينبغي الريب في أنّ العبرة في صدقها عرفاً إنّما هو بالانتساب من طرف الأب خاصّة ، فلا يقال : تميمي ، لمن اُمّه منهم دون الأب ، ولا : عربي ، لمن اُمّه عربيّة وأبوه غير عربي ، وهكذا .
وعليه، فلا يقال: هذا هاشمي، أو : من بني هاشم ، لمن ليس أبوه من أولاده وإن كانت اُمّه كذلك، وإلاّ لصدق على الهاشميّين من أولاد الصادق (عليه السلام) أ نّهم تيميّون باعتبار أنّ جدّتهم اُمّ فروة من تيم .
على أ نّه لولا الاختصاص المزبور لقلّ وجود غير الهاشمي بين الناس ، إذ قلّما يوجد شخص لا تكون إحدى جدّاته هاشميّة ، فلو تزوّجت هاشميّة بغير هاشمي كان نسله كلّه من بني هاشم وجاز له أخذ الخمس . وهذا شيء لا يمكن الالتزام به بوجه .
والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ عنوان الولد وإن صدق على المنتسب إلى هاشم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 268 / أبواب المستحقّين للزكاة ب 29 ح 3 .
(2) الوسائل 9 : 276 / أبواب المستحقّين للزكاة ب 33 ح 1 .
ــ[323]ــ
ولا فرق بين أن يكون علويّاً أو عقيليّاً أو عبّاسيّاً (1) . وينبغي تقديم الأتمّ علقةً بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) على غيره أو توفيره كالفاطميّين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من قبل الاُمّ إلاّ أنّ عنوان الهاشمي لا يكاد يصدق عليه ، والعبرة في المقام بالثاني لا الأوّل ، والظاهر أنّ ما نسب إلى المرتضى (قدس سره) ناظر إلى الأوّل لا الثاني .
ويؤيِّد ما ذكرناه من اختصاص الاستحقاق ما في مرسلة حمّاد : «ومن كانت اُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من الخمس شيء» (1) .
(1) للنصوص الكثيرة الدالّة على أنّ المستحقّ هو مطلق الهاشمي من غير تقييد بالعلوي ، فيعمّ العبّاسي والعقيلي إن وجدت لهم ذرِّيّة في هذا الزمان ، بل قد صرّح في صحيحة ابن سنان (2) بعدم حلِّيّة الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم ، بضميمة ما هو المسلّم ـ نصّاً وفتوىً ـ من بدليّة الخمس عن الزكاة ، وأنّ من حرمت عليه الزكاة حلّ له الخمس .
وأمّا ما يظهر من بعض النصوص من حصر المستحقّ بآل محمّد وأهل بيته (عليهم السلام) فعلى تقدير تماميّتها سنداً فهي محمولة على نوع من التغليب ، باعتبار أ نّهم هم السبب في تشريع الخمس ، فإنّه تكريم لهم أو على غير ذلك من المحامل ، لوضوح دلالة ما عرفت على استحقاق غيرهم أيضاً . هذا مضافاً إلى ضعف إسنادها .
فمنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن بعض
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 513 / أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8 .
(2) الوسائل 9 : 269 / أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3 .
ــ[324]ــ
أصحابنا، رفع الحديث «قال: الخمس على خمسة أشياء ـ إلى أن قال : ـ والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمّد (عليهم السلام) الذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوّضهم الله مكان ذلك بالخمس» (1) .
فإنّها ضعيفة بالإرسال والرفع معاً .
ومنها : ما رواه الكليني في الروضة عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ابن عيسى ، عن إبراهيم بن عثمان ـ وهو أبو أيّوب الخزّاز الثقة الجليل ـ عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ إلى أن قال : ـ «ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً ، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس» (2) .
وهي بظاهرها وإن أوهمت اختصاص حرمة الصدقة بأهل البيت (عليهم السلام) ولكنّه لم يبلغ حدّ الدلالة ، إذ لا منافاة بين تحريم الصدقة عليهم تكريماً منه تعالى لهم (عليهم السلام) وبين تحريمها على غيرهم من سائر بني هاشم أيضاً ، لاقتضاء تكريمهم (عليهم السلام) عموم التحريم لأقربائهم .
هذا ، مضافاً إلى ما في سندها من الخدش ، فإنّ جميع من ذكر فيه وإن كانوا ثقات ـ حتى سليم بن قيس حيث عدّه البرقي من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) ـ إلاّ أنّ إبراهيم بن عثمان لم يدرك سليماً ، فإنّه وإن بقي إلى زمان الباقر (عليه السلام) إلاّ أنّ إبراهيم كان من أصحاب الصادق ولم يدرك الباقر (عليه السلام) . وهو وإن كان كثير الرواية عن الثقات ، وقد روى عن سليم أيضاً ، غير أ نّه روى عنه بواسطة إبراهيم بن عمر اليماني ، وهو يروي عن سليم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 514 / أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9 ، التهذيب 4 : 126 / 364 .
(2) الوسائل 9 : 512 / أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 7 ، الكافي 8 : 58 / 21 .
(3) رجال البرقي : 4 .
|