ــ[329]ــ
[ 2967 ] مسألة 7 : النصف من الخمس الذي للإمام (عليه السلام) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط(1) ، فلا بدّ من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منضمّة إلى الاُولى دفعاً إلى الغني ولو كان الإتِّصاف بالغنى مقارناً لهذا الدفع ، إذ الاعتبار بهذه الحالة لا قبلها حسبما عرفت . والظاهر أنّ المسألة متسالم عليها .
وممّا ذكرنا تعرف أ نّه لو فرضنا أنّ إطلاقات الأدلّة تقتضي الجواز ـ كما قيل ـ لم يكن بدّ من رفع اليد عنها وتقييدها بما عرفت .
(1) الأقوال في تعيين الوظيفة بالإضافة إلى سهم الإمام (عليه السلام) كثيرة وأكثرها واضحة الضعف ، بل غير قابلة للتعرّض ، كالقول بوجوب دفنه إلى أن يظهر الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه) ويستخرجه ، أو القول بوجوب عزله وإيداعه والإيصاء به عند ظهور أمارات الموت ، أو القول بإلقائه في البحر ، ونحو ذلك ممّا يستلزم ضياع المال وإتلافه والتفريط فيه ، ولا سيّما بالنسبة إلى الأوراق النقديّة ممّا ليست بذهب ولا فضّة ، إذ كيف يمكن إيداعها والاحتفاظ عليها ولربّما تبلغ من الكثرة الملايين ؟! إلاّ أن تودع في المصارف الحكوميّة التي هي تحت سيطرة الأيادي الجائرة ، فتكون وقتئذ إلى الضياع أقرب وبالوبال أنسب .
وليس من بين تلك الوجوه والأقوال ـ بعد البناء على عدم السقوط والإباحة ، فإنّ ذلك أمر آخر سيأتي التعرّض له في خاتمة بحوث الخمس إن شاء الله تعالى ـ ما يستأهل البحث إلاّ وجهين :
أحدهما : ما قوّاه في الجواهر من إجراء حكم مجهول المالك عليه (1) ، نظراً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 16 : 177 .
ــ[330]ــ
إلى أنّ المناط في جواز التصدّق بالمال عن مالكه ليس هو الجهل بالمالك ، بل عدم إمكان إيصاله إليه ، سواء أعلم به أم جهل ، كما هو مورد بعض نصوصه ، مثل : ما ورد في الرفيق في طريق مكّة من التصدّق عنه لمجرّد الجهل بمكانه وإن كان عارفاً شخصه بطبيعة الحال ، فيكون التصدّق عنه حينئذ نوعاً من الإيصال إليه ، فإنّه وإن لم يصل إليه عين المال إلاّ أ نّه وصل إليه ثواب التصدّق به . وسهم الإمام (عليه السلام) من هذا القبيل ، حيث إنّه (عليه السلام) وإن كان معلوماً عنواناً ويعرف باسمه ونسبه لكنّه مجهول بشخصه ، فلا يعرفه المكلّف وإن رآه فضلاً عمّا إذا لم يره ، فلا يمكنه إيصال المال إليه .
ثانيهما : أن يصرف في موارد يحرز فيها رضا الإمام (عليه السلام) قطعاً أو اطمئناناً بحيث كان الصرف في تلك الجهة مرضيّاً عنده ، كالمصالح العامّة ، وما فيه تشييد قوائم الدين ودعائم الشرع المبين وبثّ الأحكام ونشر راية الإسلام التي من أبرز مصاديقها في العصر الحاضر إدارة شؤون الحوزات العلميّة ومؤونة طلبة العلوم الدينيّة .
وهذا هو الصحيح ، فإنّ الوجه الأوّل وإن كان وجيهاً في الجملة وأنّ ما لا يمكن فيه الإيصال يتصدّق به فإنّه نوع من الإيصال ، إلاّ أ نّه لا إطلاق لدليله يشمل صورة وجود مصرف يحرز رضا المالك بالصرف فيه ، فإنّ حديث الرفيق في طريق مكّة قضيّة في واقعة ومنصرف عن هذه الصورة بالضرورة .
فلو فرضنا أ نّا أحرزنا أنّ المالك المجهول كان عازماً على صرف هذا المال في مصرف معيّن من عمارة المسجد أو بناية المدرسة أو إقامة التعزية فإنّه لا يسعنا وقتئذ الصرف في التصدّق ، إذ بعد أن كان له مصرف معيّن والمالك يرضى به فالتصدّق بدون إذن منه ولا من وليّه ـ فإنّ وليّه الإمام (عليه السلام)
ــ[331]ــ
ولم يأذن بعدما عرفت من عدم إطلاق في دليل الصدقة يشمل المقام ـ تصرّفٌ في ملك الغير بغير إذنه ، فالمتعيّن إذن ما عرفت .
يبقى الكلام في أنّ المالك هل هو مستقلّ في هذا التصرّف ، أو أ نّه يتوقّف على مراجعة الحاكم الشرعي والاستئذان منه ؟
يتبع هذا ما عليه المالك من الوجدان ولا يصل الأمر إلى البرهان ، فإنّه إن كان قد وجد من نفسه ـ فيما بينه وبين ربّه ـ أ نّه قد أحرز رضا الإمام (عليه السلام) بالمصرف الكذائي بحيث كان قاطعاً أو مطمئنّاً به فلا إشكال ولا حاجة معه إلى المراجعة ، إذ لا مقتضي لها بعد نيل الهدف والوصول إلى المقصد .
وأمّا إذا لم يجد من نفسه هذا الإحراز ، بل انقدح في ذهنه احتمال أن يكون هذا الصرف منوطاً بإذن نائب الإمام في عصر الغيبة كما كان منوطاً بإذن نفسه في عصر الحضور ، ولم يتمكّن من دفع هذا الاحتمال الذي يستطرق لدى كلّ أحد بطبيعة الحال ، بل هو جزمي غير قابل للإنكار ، ولا أقلّ من أجل رعاية المصالح العامّة والتحفّظ على منصب الزعامة الدينيّة . كان اللاّزم عندئذ مراجعة الحاكم الشرعي ، لعدم جواز التصرّف في مال الغير وهو الإمام (عليه السلام) ما لم يحرز رضاه المنوط بالاستئذان من الحاكم حسب الفرض .
ومنه تعرف أ نّه لا حاجة إلى إثبات الولاية العامّة للحاكم الشرعي في كافّة الشؤون، وأنّ جميع ما كان راجعاً إلى الإمام حال حضوره راجع إلى نائبه العام حال غيبته ، بل مجرّد الشكّ في جواز التصرّف بدون إذنه كاف في استقلال العقل بلزوم الاستئذان منه ، للزوم الاقتصار في الخروج عن حرمة التصرّف في ملك الغير على المقدار المتيقّن من إذنه ورضاه وهو مورد الاستئذان ، إذ بدونه يشكّ في الجواز ومقتضى الأصل عدمه . ومن ثمّ كانت الاستجازة مطابقة لمقتضى القاعدة حسبما عرفت .
ــ[332]ــ
والأحوط له الاقتصار على السادة ((1)) ما دام لم يكفهم النصف الآخر (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد عرفت أنّ مصرف سهم الإمام (عليه السلام) هي الجهات الدينيّة والاُمور الخيريّة من المصالح العامّة ، كإعانة الفقراء المتديّنين ، وما فيه إقامة دعائم الدين ، ورفع كلمة الحقّ وتدعيم الشرع الحنيف بكلّ وسـيلة يضمن له البقاء والرقي . مؤيِّداً بما ورد في بعض النصوص من تتميم حقّ السادة ـ بل مورد الزكاة ـ من سهم الإمام (عليه السلام) لدى الإعواز ، الكاشف عن القطع برضاه (عليه السلام) في الصرف في سدّ حاجيات المؤمنين .
وهل يتقدّم السادة على غيرهم من المحتاجين لدى الدوران ؟
يتبع ذلك ما تقدّم من إحراز الرضا الذي يختلف حسب اختلاف الموارد ، فربّما يقطع برضاه (عليه السلام) في الصرف في غير السيِّد وتقديمه عليه لأهمّيّته ، كما لو كان في خدمة الدين وترويج الشرع المبين وله آثار كثيرة وخدمات عديدة ، ولم تكن للسيِّد الفقير أيّة خدمة .
نعم ، فيما إذا كانا في مرتبة واحدة فلأجل أ نّه من المحتمل عندئذ تقديم السيِّد رعايةً للقرابة وعنايةً بما فيه من الشرافة لزم ترجيحه عملاً بما يقتضيه الأصل من الاقتصار على المتيقّن من مورد الرِّضا .
وعلى الجملة : الميزان الكلّي في الصرف إحراز الرِّضا ، فمع الدوران بينهما إن كانت هناك جهة مرجّحة بحيث يقطع أو يطمئنّ بجواز الصرف فهو ، وإلاّ فلا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن ، لعدم جواز التصرّف في مال الغير من دون إحراز رضاه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في إطلاقه إشكال بل منع ، فينبغي مراعاة الأهمّ فالأهمّ .
|