وتدلّنا على هذا التفصيل :
طائفة ثالثة من الأخبار تعدّ وجهاً للجمع بين الطائفتين المتقدّمتين وشاهداً عليه ، والعمدة منها روايتان :
إحداهما : ما رواه الشيخ والصدوق بإسنادهما عن يونس بن يعقوب ، قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال : جعلت فداك ، تقع في أيدينا الأمـوال والأرباح وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت ، وأ نّا عن ذلك مقصّرون ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» (3) .
ـــــــــــــ (3) الوسائل 9 : 545 / أبواب الأنفال ب 4 ح 6، التهذيب 4 : 138 / 389، الاستبصار 2 : 59 / 194، الفقيه 2 : 23 / 87 .
ــ[352]ــ
وهي وإن كانت ضعيفة السند بطريق الشيخ من أجل محمّد بن سنان ولكنّها معتبرة بطريق الصدوق ، لخلوّه عنه ، وإن إشتمل على الحكم بن مسكين فإنّه ثقة على الأظهر .
وقد دلّت على التحليل بالإضافة إلى الأموال التي تقع في الأيدي ، أي تنتقل من الغير بشراء ونحوه وأ نّه لا يجب على الآخذ ومن انتقل إليه إعطاء الخمس ، وأ نّهم (عليهم السلام) حلّلوا ذلك لشيعتهم .
ثانيتهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي سلمة سالم بن مكرم ـ وهو أبو خديجة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قال رجل وأ نّا حاضر : حلّل لي الفروج ، ففزع أبو عبدالله (عليه السلام) ، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها ، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أعطيه «فقال: هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله ولا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له» إلخ(1).
وهي صريحة في المدّعى ، أعني : التحليل في المال المنتقل إليه بشراء ونحوه .
كما أ نّها صحيحة السند على الأظهر، فإنّ سالم بن مكرم ـ المكنّى بأبي خديجة تارةً، وبأبي سلمة اُخرى، كنّاه بها الصادق (عليه السلام) على ما رواه الكشّي(2) ـ ثقة جدّاً على ما نصّ عليه النجاشي بقوله : ثقة ثقة (3) ، أي ليست فيه أيّة شبهة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 544 / أبواب الأنفال ب 4 ح 4 ، التهذيب 4 : 137 / 384 ، الاستبصار 2 : 58 / 189 .
(2) رجال الكشّي : 352 / 661 .
(3) رجال النجاشي : 188 / 501 .
ــ[353]ــ
ولكن الشيخ الطوسي (قدس سره) ضعّفه بعد أن عنونه بقوله : سالم بن مكرم يكنّى أبا خديجة ومكرم يكنّى أبا سلمة ، فجعل أبا سلمة كنية لأبيه لا لنفسه ، بل صرّح في الفهرست في آخر الترجمة بقوله : عن سالم بن أبي سلمة وهو أبو خديجة (1) .
ولكن هذا سهو منه جزماً ، فإنّ سالم بن مكرم هو سالم أبو سلمة على ما صرّح به النجاشي والبرقي وابن قولويه في غير مورد (2) ، وقد سمعت عن الكشّي عن العيّاشي عن ابن فضّال أنّ الصادق (عليه السلام) كنّاه بأبي سلمة بعد أن كان يكنّى بأبي خديجة ، فهو سالم أبو سلمة لا ابن أبي سلمة .
والذي هو محكوم بالضعف هو سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني الذي وصفه النجاشي بقوله : حديثه ليس بالنقي وإن كنّا لا نعرف منه إلاّ خيراً ، له كتاب (3) .
وهذا شخص آخر غير ابن مكرم ، ولم يتعرّض له الشيخ لا في الفهرست مع أنّ له كتاباً ، ولا في رجاله ، فيعلم من ذلك أنّ الشيخ تخيّل أ نّهما شخص واحد وأنّ سالم بن مكرم هو سالم بن أبي سلمة ، وليس كذلك قطعاً حسبما عرفت .
والمتحصّل من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن : أنّ المستفاد من نصوص الباب بعد ضمّ البعض إلى البعض والجمع بينها إنّما هو التفصيل بين الخمس الواجب على المكلّف بنفسه ابتداءً فلا تحليل ، وبين ما انتقل إليه من الغير فلا خمس عليه وإنّما هو في عاتق من انتقل عنه ، فيتعلّق ببدله إن كان له بدل ، وإلاّ ففي ذمّته كما في الهبة . ومرجعه إلى إجازة ذاك النقل من قبل وليّ الأمر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفهرست : 79 / 838 .
(2) رجال النجاشي : 188 / 501 ، البرقي : 33 ، ابن قولويه في كامل الزيارات : 55 .
(3) رجال النجاشي : 190 / 509 .
|