ــ[354]ــ
وإنّما الكلام في أنّ ذلك هل يختصّ بما إذا كانت المنتقل عنه ممّن لا يعتقد الخمس بتاتاً كالمخالف والكافر ، أو يعمّ مطلق من لم يخمّس ولو عصياناً مع كونه معتقداً كفسّاق الشيعة ؟
المذكور في كلمات الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو الأوّل ، حيث قيّدوا الحكم بما انتقل ممّن لا يعتقد .
ولكنّا لا نعرف وجهاً لهذا التقييد بعد أن كانت الروايتان المتقدّمتان ـ صحيحتا يونس بن يعقوب وسالم بن مكرم ـ مطلقتين من هذه الجهة ، وهما العمدة في المسألة كما عرفت ، فإنّ المذكور فيهما وقوع الأموال في الأيدي ، أو الشراء ، أو إصابة الإرث ونحوه ، ويجمعها انتقال ما فيه الخمس من الغير ، سواء أكان ذلك الغير الممتنع عن دفع الخمس معتقداً فاسقاً ، أم مخالفاً منكراً .
ودعوى أنّ جميع الشيعة كانوا يخمّسون أموالهم في زمانهم (عليهم السلام) .
غير مسموعة ، إذ هي غير بيّنة ولا مبيّنة ، بل الظاهر أنّ الأزمنة متشابهة والقرون متقاربة ، ويتضمّن كلّ عصر مع هداية السبيل شاكراً وكفوراً ، فيؤدّي الخمس طائفة ولا يؤدّيه طائفة اُخرى ، كما هو المشاهد في العصر الحاضر .
وعليه ، فإطلاق الروايتين هو المحكّم بعد سلامته عمّا يصلح للتقييد ، ويقيّد بذلك ما دلّ على وجوب إيصال الخمس إلى مستحقّه حسبما عرفت .
هذا كلّه فيما إذا كان المال المنتقل من الغير بنفسه متعلّقاً للخمس ، وقد عرفت أ نّه حلال لمن انتقل إليه بمقتضى نصوص التحليل ، والتكليف بالأداء باق على عهدة من انتقل عنه .
وأمّا إذا انتقل مال لم يكن بنفسه متعلّقاً للخمس ، بل الخمس ثابت في ذمّة
ــ[355]ــ
من انتقل عنه لا في عين ماله ، فالظاهر خروجه عن نصوص التحليل .
وهذا كما لو وجب الخمس على المكلّف فأتلفه ولو بمثل الهبة فانتقل الخمس إلى ذمّته ثمّ مات وانتقلت أمواله إلى وارثه الشيعي ، فإنّ مثل هذا النقل المستند إلى الإرث غير مشمول لدليل التحليل ، إذ لا يصدق عليه أنّ فيه حقّهم .
وقد ذكرنا في محلّه أنّ حقّ الديّان غير متعلّق بالأعيان ، بل تنتقل التركة إلى الورثة ، لكن فيما زاد على مقدار الدين ، لتأخّر مرتبة الإرث عنه على ما نطقت به الآية المباركة : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِي بِهَا أَو دَيْن) (1) .
أمّا مقدار الدين فهو باق على ملك الميّت يصرف في تفريغ ذمّته عنه ، ولم ينتقل إلى الوارث لكي يتوهّم اندراجه في نصوص التحليل .
وعلى الجملة : حال الخمس من هذه الجهة حال الزكاة وغيرها من سائر الديون المحكومة بلزوم إخراجها عن التركة أوّلاً ثمّ التقسيم بين الورثة ، فمقدار الخمس لم ينتقل إلى الوارث بتاتاً ، بل هو دين باق على ملك الميّت ، ومورد روايات التحليل هو المال الخارجي الذي فيه حقّهم . وأمّا المال الذي ليس فيه الخمس وإنّما هو معدّ لتفريغ الذمّة عن الخمس أو غيره من سائر الديون فهو غير مشمول لتلك النصوص بوجه حسبما عرفت ، والله سبحانه أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النِّساء 4 : 11 .
|