ــ[43]ــ
السادس : أن تكون العين ممّا يمكن استيفاء المنفعة المقصودة بها (1) ، فلا تصلح إجارة أرض للزراعة إذا لم يمكن إيصال الماء إليها مع عدم إمكان الزراعة بماء السماء أو عدم كفايته .
السابع : أن يتمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة ، فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مثلاً (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا إشكال في جوازه بمقتضى القاعدة المعتضدة بالنصّ والفتوى .
لكن النسخة الاُولى المطابقة للكافي أرجح ، لأ نّها أضبط ، فتتمّ الدلالة كالسند . ومن الواضح جدّاً عدم خصوصيّة للخمر ولا للبيع ، فيستفاد منها بطلان الإجارة أيضاً لمطلق المنافع المحرّمة ، فلاحظ .
(1) لعدم تعلّق الملكيّة بمنفعة غير قابلة للتحقّق خارجاً حتى تقع مورداً للتمليك المعتبر في مفهوم الإجارة ، ففي الحقيقة يعدّ هذا من مقوّمات الإجارة لا من شرائطها .
(2) أي في زمان حيضها .
وفي تعليقة شيخنا الاُستاذ (قدس سره) : أنّ هذا المثال قد خرج باشتراط مملوكيّة المنفعة وإباحتها(1).
وفيه : أنّ الكنس بما هو لا حرمة فيه ، وإنّما الحرام مقدّمته وهو المكث المتوقّف عليه الكنس ، ومن الضروري انّ حرمة المقدّمة لا تسري إلى ذيها ، وإن وقع الكلام في عكسه وأنّ حرمة ذي المقدّمة هل تستوجب تحريم المقدّمة أو لا ، أو أنّ فيه تفصيلاً حسبما هو مذكور في محلّه ؟ فالكنس في نفسه منفعة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تعليقة النائيني على العروة الوثقى 5 : 11 (تحقيق جماعة المدرسين) .
ــ[44]ــ
محلّلة مملوكة ، ومن ثمّ لو اُجبرت الحائض عليه ضَمِنَ المكرِه اُجرة المثل بلا إشكال ، لأ نّه استوفى منها عملاً محترماً وإن حرمت مقدّمته ، فلو كان حراماً في نفسه لم يكن ضامناً ، لعدم ضمان الأعمال المحرّمة كما سبق .
وبالجملة : فالشرط السابق ـ أعني الإباحة أو المملوكيّة ـ لا يكاد يغني عن هذا الشرط ، لعدم رجوعه إليه بوجه .
وقد يقال في وجه اعتبار هذا الشرط : إنّ عدم التمكّن من الانتفاع لمانع شرعي كالحيض يجعل المنفعة متعذّرة التسليم ، إذ الممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً ، وقد تقدّم اعتبار القدرة على التسليم في صحّة الإجارة التي لا فرق فيها بين القدرة التكوينيّة والتشريعيّة .
ويندفع : بأنّ هذا إنّما يتّجه لو كانت القدرة على التسليم بعنوانها شرطاً ، وليس كذلك ، بل المستند فيه : إمّا الغرر كما عن غير واحد حسبما مرّ ، أو ما ذكرناه من أنّ المنافع إذا كانت متعذّرة التسليم وهي تتلف شيئاً فشيئاً فالعقلاء لا يعتبرون الملكيّة بالإضافة إليها كي يصحّ تمليكها بالإجارة . وشيء من الوجهين غير جار في المقام :
أمّا الغرر : فواضح ، لجواز فرض الحائض غير مبالية بأمر الدين ، فأيّ غرر بعد عدم امتناعها من دخول المسجد ؟!
وأمّا تلف المنافع شيئاً فشيئاً : فهو مختصّ بالتعذّر التكويني ولا يجري في التشريعي . فلو فرضناها غير مبالية بالدين فدخلت المسجد وكنست فلماذا لا تكون هذه المنفعة مملوكة بعد أن كانت محلّلة ومقدورة التسليم تكويناً ؟! وهذا المقدار كاف في صحّة الإجارة . إذن فلا بدّ في الحكم بالبطلان من التماس دليل آخر .
والصحيح في وجه هذا الاشتراط ما تقدّم في نظيره في الشرط الخامس من
ــ[45]ــ
عدم قبول هذه المعاملة للإمضاء بالأدلّة العامّة ، لأ نّها إن كانت ممضاة على النحو الذي اُنشئت ـ أي بصفة الإطلاق المستلزم لتجويز دخول الحائض المسجد ـ لزم منه الترخيص في المعصية وفاءً بالعقد . وهو كما ترى .
وإن كان الإمضاء مترتّباً على الدخول فكانت الصحّة معلّقة على المعصية ـ كما في موارد الترتّب في التكليفيّات ـ فهذا وإن كان ممكناً في نفسه إذا ساعده الدليل في مورد كما في بيع الصرف والسلف حيث خصّ الشارع الصحّة بصورة القبض خاصّة وإن كانت المعاملة مطلقة ، إلاّ أنّ الكلام في الإمضاء المستند إلى الإطلاقات والأدلّة العامّة ، مثل : (أَوفُوا بِالعُقُودِ) (1) ونحو ذلك ممّا وردت بعنوان الإمضاء لا التأسيس ، فهي تدلّ على إمضاء المعاملة على النهج الذي وقعت عليه ، والمفروض أ نّها اُنشئت بصفة الإطلاق ، فكيف تختصّ الصحّة والإمضاء بتقدير دون آخر ؟! فالدليل قاصر في مرحلة الإثبات .
هذا إذا كانت الإجارة مطلقة .
وأمّا إذا كان إنشاؤها معلّقاً على تقدير العصيان ودخول المسجد لزم منه التعليق المجمع على بطلانه في العقود .
والحاصل : أنّ صحّة العقد تستلزم الوفاء به ، إذ لا معنى للحكم بصحّة الإجارة في المقام ، ومع ذلك تمنع عن دخول المسجد إلى أن تتلف المنفعة شيئاً فشيئاً، فإنّ هذا ممّا لا محصّل له ، فانتفاء اللازم يكشف طبعاً عن انتفاء الملزوم، والحكم بالوفاء هنا مطلقاً غير ممكن ، ومقيّداً لا دليل عليه ، ومعلّقاً مبطل حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة 5 : 1 .
|