ــ[77]ــ
[ 3268 ] مسألة 11 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب فارسياً أي بدرز فلك درهم ، وإن خطته روميّاً أي بدرزين فلك درهمان ، فإن كان بعنوان الإجارة بطل ((1)) (1) ، لما مرّ من الجهالة ((2)) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا لما ذكره (قدس سره) من الجهالة ، لعدم اطّرادها في تمام الفروض كما لا يخفى .
بل لامتناع تحقّقها في المقام على نحو يملك المستأجر العمل والمؤجّر البدل ، وتجوز لكلّ منهما مطالبة الآخر على ما هو الحال في بقيّة الإجارات الصحيحة .
وذلك لأجل أنّ هذه الإجارة قد يفرض انحلالها إلى إجارتين متقارنتين على عملين باُجرتين كلّ منهما في عرض الاُخرى ، فيستأجر الخيّاط لخياطة هذا الثوب في هذا اليوم خياطة فارسيّة بدرهم ، وفي عين الوقت يستأجره لخياطته فيه روميّة بدرهمين .
ولا ينبغي الشكّ حينئذ في بطلان كلتا الإجارتين ، لعدم قدرة الأجير على الجمع بين هاتين المنفعتين المتضادّتين في وقت واحد ، فوجوب الوفاء بهما متعذّر ، ومعه لا يمكن الحكم بصحّتهما معاً . وحيث إنّ ترجيح إحداهما على الاُخرى بلا مرجّح فلا مناص من الالتزام ببطلانهما معاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا في المتباينين ، وأما في الأقل والأكثر كما هو مفروض المثال فيمكن تصحيح الإجارة بالإضافة إلى الأقل ، ويشترط الزيادة بالنسبة إلى الأكثر .
(2) إذا كانت الإجارة واحدة وكان متعلقها مردداً بين أمرين فالبطلان من جهة إبهام المتعلق وعدم تعينه حتى في الواقع ، وأما إذا كانت متعددة وكان متعلق كل منهما معلوماً فلا جهالة ، ولكنها مع ذلك باطلة لاستحالة صحّتهما معاً وترجيح إحداهما على الاُخرى بلا مرجح .
ــ[78]ــ
ونظيره ما لو آجر نفسه لخياطة هذا الثوب في يوم معيّن وآجره وكيله في نفس الوقت لخياطة ثوب آخر في نفس ذلك اليوم بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، أو زوّجت المرأة نفسها من زيد وزوّجها في نفس الوقت وكيلها من عمرو ، أو باع ماله من زيد وباعه وكيله من عمرو . وهكذا الحال في كلّ عقدين متضادّين متقارنين ، فإنّهما محكومان بالبطلان بمناط واحد ، وهو امتناع الجمع وبطلان الترجيح من غير مرجّح ، وهذا واضح .
واُخرى : يفرض تعلّقها بأحد هذين العملين مردّداً بينهما، والظاهر بطلانه أيضاً، لا لأجل الجهالة، بل لأجل أنّ أحدهما المردّد لا تعيّن له حتى في صقع الواقع ، فلا يملكه الأجير حتى يملّكه للمستأجر ، فإنّ ما يقع في الخارج إمّا هذا معيّناً أو ذاك ، أمّا بصفة الترديد فلا تحقّق له في وعاء الخارج بتاتاً .
والتصدّي للتصحيح بإعطاء لون من التعيين ولو بالإشارة الإجماليّة بأن تقع الإجارة على أحدهما المردّد عندهما المعلوم في علم الله أنّ الأجير سيختاره خارجاً ، ضرورة أنّ ذاك الفرد الخاصّ متعيّن فعلاً في غامض علم الله وإن كان مجهولاً عند المتعاملين ، فلدى تحقّقه خارجاً ينكشف أنّ هذا الفرد كان هو مورد الإجارة ومصبّها ولم يكن ثمّة أيّ غرر بعد تقرّر اُجرة معيّنة لمثل هذا العمل حال العقد حسب الفرض .
غيرُ نافع وإن أمكن تصوير التعيين بما ذكر ، إذ فيه ـ مضافاً إلى الجهالة القادحة بعنوانها وإن كانت عارية عن الغرر كما مرّ ، ضرورة أنّ المنفعة بالآخرة مجهولة فعلاً كالاُجرة ـ : أنّ العمل المستأجر عليه لا تعيّن له لدى التحليل حتى بحسب الواقع وفي علم الله سبحانه ، وذلك لأنّ من الجائز أنّ الخيّاط لا يخيط هذا الثوب أصلاً ولم يصدر منه العمل في الخارج بتاتاً ، فعندئذ لا خياطة رأساً لكي يعلم بها الله سبحانه ، فإنّ علمه تابع للواقع ، وإذ لا خياطة فلا واقع ،
ــ[79]ــ
ومعه لا موضوع لعلم الله سبحانه حتى يتحقّق به التعيّن الإجمالي المصحّح للعقد ، فما الذي يملكه المستأجر وقتئذ ؟!
وعليه ، فصحّة هذا العقد تتوقّف على فرض وقوع الخياطة خارجاً حتى تخرج حينئذ عن الإبهام والترديد إلى التعيين وتكون مملوكة للمستأجر ، ومن الواضح البديهي أنّ هذا المعنى مناف لصحّة الإجارة ، ضرورة أنّ الصحّة هي التي تستوجب إلزام الأجير بالعمل وفاءً بالعقد ، فكيف يكون العمل كاشفاً عنها ؟! ومن المعلوم أ نّه لا سبيل إلى الإلزام في المقام نحو أيّ من العملين ، فليس للمستأجر أن يلزم الأجير بالخياطة الفارسيّة بخصوصها لعدم وقوعها خارجاً حتى يستكشف ملكيّته لها، وكذا الروميّة ، والإلزام بالجامع فرع الصحّة المتوقّفة على العمل خارجاً حسبما عرفت ، فليس له مطالبة الأجير بأيّ شيء .
وملخّص الكلام : أ نّه إذا كانت الإجارة واحدة فلا بدّ وأن تكون المنفعة معلومة ، وليس في المقام ما يستوجب معلوميّتها ولو في علم الله . ومعه لا مناص من الحكم بالبطلان .
لكن هذا يختصّ بما إذا كان العملان المتضادّان متباينين ، كما لو قال صاحب البستان : إن سقيت البستان اليوم فلك درهم ، وإن بنيت جداره فلك درهمان . ولا يتمكّن الأجير من الجمع بينهما ، فإنّه يجري فيه حينئذ جميع ما عرفت .
وأمّا إذا كان من قبيل الأقلّ والأكثر ، كالمثال المذكور في المتن من الخياطة المردّدة بين الدرز والدرزين ، فيمكن تصحيحه بتعلّق الإجارة بالأقلّ (1) متعيّناً ويشترط عليه أ نّه إن زاد فله درهم آخر لتلك الزيادة ، كما قد يتّفق ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما يمكن دعوى التعلّق بالأكثر متعيّناً واشتراط نقص الاُجرة إن كانت الخياطة فارسيّة .
ــ[80]ــ
وإن كان بعنوان الجعالة كما هو ظاهر (1) العبارة صحّ ، وكذا الحال إذا قال : إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك درهمان وإن عملته في الغد فلك درهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنسبة إلى الأفعال الخارجيّة ، فيقول الأجير : إن كنست هذه الغرفة فلك درهم وإن كنست الاُخرى فلك درهم آخر . فإنّ مرجعه إلى الإيجار على كنس غرفة واحدة بدرهم وشرط درهم آخر على تقدير الزيادة ، أو أن يكون ذلك على نحو الجـعالة ، نظير ما مرّ من قوله : آجرتك شهراً بدرهم وإن زدت فبحسابه .
وبالجملة : فالظاهر أنّ المثال المذكور في المتن لا ينطبق على الكبرى الكلّيّة من الإيجار على إحدى المنفعتين المتضادّتين ، وإنّما ينطبق عليها مورد التباين لا الأقلّ مع الأكثر حسبما عرفت ، فإنّ الإيجار يقع حينئذ على الأقلّ قهراً ويكون الأكثر على سبيل الاشتراط .
(1) بل لا يبعد أن يكون الظاهر من مثل تلك العبارة الدائرة بين الأقلّ والأكثر الوقوع بعنوان الإجارة على طبيعيّ العمل المنطبق قهراً على الأقلّ ، ولحاظ الأكثر على سبيل الاشتراط حسبما مرّ .
وكيفما كان ، فلا إشكال في الصحّة لو كان المقصود عنوان الجعالة بجعل جعلين على عملين وإنشاء جعالتين مقارنتين والعامل بعمله الخارجي يختار أحدهما فيستحقّ بعدئذ الاُجرة ، ولا تضرّ الجهالة في باب الجعالة كما هو واضح .
وقد عرفت الصحّة بعنوان الإجارة أيضاً في خصوص ما إذا كانا من قبيل الأقلّ والأكثر كالمثال المزبور ، لا ما إذا كانا متباينين ، كما لو قال : إن خطت هذا جبّة فدرهمان ، وإن خطته قباءً فدرهم واحد . فإنّه لا مناص في مثله من
ــ[81]ــ
والقول بالصحّة إجارة في الفرضين ضعيف ، وأضعف منه القول بالفرق بينهما بالصحّة في الثاني دون الأوّل (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحكم بالبطلان إجارة .
وعلى أيّ حال ، فجميع ما ذكر في هذا المثال جار في المثال الآخر المذكور في المتن ـ أعني قوله: إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك درهمان ، وإن عملته في الغد فلك درهم ـ بمناط واحد صحّةً وفساداً كما لا يخفى .
(1) لم نعثر على هذا القائل ، كما لم يتّضح مستنده . والمعروف بينهم ما عرفت من اتّحاد الفرضين قولاً وقائلاً ودليلاً ، ولا يبعد أن تكون العبارة سهواً من قلمه الشريف، وصحيحها عكس ذلك بأن يلتزم بالصحّة في الأوّل دون الثاني.
إذ قد نسب إلى جماعة ـ منهم الشيخ وصاحب الكفاية (1) ـ التردّد في الثاني مع بنائهم على الصحّة في الأوّل ، ففرّقوا بينهما ولو على سبيل الترديد .
ولعلّ وجه الترديد ما عرفت من اختصاص الصحّة ـ بعنوان الإجارة ـ بموارد الأقلّ والأكثر المنطبق على الفرض الأوّل ، أعني : الخياطة بدرز أو درزين بوضوح .
وأمّا انطباقه على الفرض الثاني فلا يخلو عن نوع من الخفاء ، نظراً إلى أنّ الزمان بالنسبة إلى العمل يعدّ كالمقوّم في نظر العرف ، ومن ثمّ كانت الخياطة المقيّدة بالوقوع في هذا اليوم مباينة مع الخياطة في الغد ، كالصلاة الواقعة ما بين الطلوعين بالإضافة إلى صلاة المغرب ، وكالصوم في شهر رمضان بالنسبة إلى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخلاف 3 : 509 ، وانظر الكفاية : 125 ونسبه صاحب الجواهر 27 : 236 ـ 237 .
ــ[82]ــ
الصوم في شعبان ، فالزمان بالنسبة إلى الأعمال والأفعال مقدّر ومعدّد وموجب لامتياز فرد عن فرد آخر ، ولأجله كانت الخياطة في اليومين من الفردين المتباينين المحكوم فيهما ببطلان الإجارة ، لا من قبيل الأقلّ والأكثر .
ويندفع برجوع هذا المثال أيضاً إلى الأقلّ والأكثر ، غايته بحسب التحليل العقلي لا التركيب الخارجي كما في المثال الأوّل ، فيكون الفرق بينهما كالفرق بين الأجزاء والشرائط في جريان البراءة في الأقلّ والأكثر ، حيث إنّ الأكثر يشتمل على الأقلّ وزيادة بحسب الوجود العيني في المركّبات الخارجيّة ، وبحسب التحليل العقلي في المركّبات التحليليّة كالمطلق والمشروط ، فإنّ الرقبة المؤمنة تحتوي على مطلق الرقبة بزيادة التقيد بالإيمان ، فالمطلق موجود في ضمن المقيّد لدى التحليل ، فإذا دار الأمر بينهما كان من قبيل الدوران بين الأقلّ والأكثر .
وفي المقام أيضاً كذلك ، حيث جعل درهم بإزاء طبيعيّ الخياطة الجامعة ما بين اليوم والغد ودرهم آخر بإزاء خصوصيّة الإيقاع في هذا اليوم ، فيرجع الأمر إلى جعل الدرهم بإزاء الخياطة على كلّ تقدير ، وأ نّه إن أضفت إليها هذه الخصوصيّة فلك درهم آخر .
ولا يبعد أن يكون هذا هو المتعارف في أمثال المقام ، فيعطيه ـ مثلاً ـ رسالة ليوصلها إلى كربلاء بدرهم ، ويقول له : إن أوصلتها في هذا اليوم فلك درهم آخر . فيكون طبعاً من قبيل الأقلّ والأكثر ، وإن كان الأمر في المثال الأوّل أظهر ، لسلامته عن تطرّق هذه الخدشة التي من أجلها تأمّل في المثال الثاني مَن لم يتأمّل في المثال الأوّل حسبما عرفت .
ــ[83]ــ
وعلى ما ذكرناه من البطلان فعلى تقدير العمل يستحقّ اُجرة المثل ((1)) ، وكذا في المسألة السابقة إذا سكن الدار شهراً أو أقلّ أو أكثر (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيستحقّ صاحب الدار اُجرة المثل للمنفعة التي استوفاها المستأجر كما يستحقّ العامل اُجرة مثل عمله ، إذ بعد أن لم يمض الشارع الاُجرة المسمّاة بمقتضى افتراض فساد الإجارة فوجودها كالعدم وكأنّ العقد لم يكن ، وبما أنّ عمل العامل كمال المالك محترم لا يذهب هدراً وقد وقع بأمر المستأجر وهو الذي استوفاه وأتلفه ، فلا جرم يضمن لصاحبه اُجرة المثل .
هكذا ذكره الماتن وغيره من الفقهاء مرسلين له إرسال المسلّمات . ولكن للنظر في إطلاقه مجال واسع .
والوجه فيه : أنّ احترام المال وإن استوجب الضمان لكنّه مراعى بعدم كون المالك بنفسه مقدماً على إلغائه وإسقاطه وسلب احترامه . ومن ثمّ لو أمر زيداً أن يعمل له العمل مجّاناً ففعل لم يكن له بعدئذ مطالبة الآمر بالاُجرة ، إذ هو بنفسه ألغى الاحترام وأقدم على المجّان ، فمال المسلم وإن كان محترماً في نفسه إلاّ أ نّه مخصوص بعدم الإقدام على الإلغاء إمّا كلاًّ أو بعضاً ، فلو أقدم على إلغائه بتمامه لم يضمن الطرف الآخر شيئاً ، كما أ نّه لو أقدم على إلغاء بعضه لم يضمن بمقدار ما أقدم .
وعليه ، فلو آجر داره كلّ شهر بعشرة دنانير بإجارة فاسدة سواء علم بالفساد أم لا ، واُجرة مثلها كلّ شهر بخمسين ، لم تكن له المطالبة بالتفاوت ، إذ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا إذا لم تكن اُجرة المثل أزيد من وجه الإجارة ، وإلاّ لم يستحقّ الزائد فيما إذا كان المؤجّر عالماً بالغبن أو كان مقدماً على الإجارة مطلقاً .
ــ[84]ــ
هو بنفسه ألغى احترام ماله وسلّط المستأجر على داره إزاء تلك الاُجرة الضئيلة ، فلأجل أ نّه هو المقدم لإسقاط الاحترام بالنسبة إلى هذه الزيادة لم يكن له حقّ المطالبة .
ومن المظنون بل المطمأنّ به أنّ الأمر كذلك حتى في عرف العقلاء بحسب القوانين الدارجة بينهم ، فإنّهم أيضاً لا يلتزمون بالضمان في أمثال هذه الموارد زائداً على ما أقدم عليه المالك ، فلا يطالبون المستأجر بأزيد ممّا عيّن له .
نعم ، لو انعكس الأمر فكانت اُجرة المثل أقلّ من المسمّاة لم يكن للمالك وقتئذ مطالبة الزائد ، لعدم الملزم لدفعه إلاّ الإجارة المفروض فسادها، فلامقتضي لضمان المستأجر بأكثر من اُجرة المثل(1).
ومنه تعرف أ نّه لا يضمن للمالك أو العامل إلاّ أقلّ الاُجرتين من المثل أو المسمّاة ، وإن كان الظاهر أنّ كلّ من تعرّض للمسألة خصّ الضمان باُجرة المثل ، ولا وجه له حسبما عرفت .
ولا فرق فيما ذكرناه بين صورة علم المالك أو العامل بكون المسمّى أقلّ من اُجرة المثل وجهله ، لاشتراكهما في صدق الإقدام على إلغاء الاحترام .
نعم ، يفترقان في اختصاص صورة الجهل بما إذا لم يكن التفاوت فاحشاً بحيث كان موجباً لخيار الغبن لو كانت الإجارة صحيحة ، لكون الإقدام المزبور منوطاً ومعلّقاً ـ بمقتضى الشرط الارتكازي ـ على عدم مثل هذه الزيادة ، وإلاّ فلا إقدام له من الأوّل ، ويكون المقتضي للإلغاء قاصراً وقتئذ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نعم ، يصحّ القول بضمانه للأكثر لو كانت الاُجرة عيناً شخصيّة قد استوفاها وأتلفها الطرف الآخر ، لعين ما ذكر من التسليط والإقدام وإلغاء الاحترام .
|