ــ[98]ــ
ولو قال : وإن لم توصلني في وقت كذا فالاُجرة كذا ، أقلّ ممّا عيّن أوّلاً ، فهذا أيضاً قسمان (1) : قد يكون ذلك بحيث يكون كلتا الصورتين من الإيصال في ذلك الوقت وعدم الإيصال فيه مورداً للإجارة ، فيرجع إلى قوله : آجرتك باُجرة كذا إن أوصلتك في الوقت الفلاني ، وباُجرة كذا إن لم اُوصلك في ذلك الوقت ، وهذا باطل للجهالة ((1)) ، نظير ما ذكر في المسألة السابقة من البطلان إن قال : إن عملت في هذا اليوم فلك درهمان ، إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على خلاف هذه القاعدة .
وعليه ، فالظاهر في المقام أنّ الأجير يستحقّ الاُجرة المسمّاة ، ولكنّه يضمن للمستأجر قيمة الإيصال إلى كربلاء في النصف من شعبان الذي أتلفه خارجاً ـ أعني : اُجرة المثل ـ وإن لم يستحقّ مطالبة المسمّاة ما لم يدفع المثل ، كما أشار إليه سيّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة .
(1) أمّا البطلان في القسم الأوّل الراجع إلى الإيجار باُجرتين لعملين متباينين نظير ما تقدّم من الاستئجار لخياطة القماش قباءً بدرهم أو جبّة بدرهمين ، فظاهر ، لامتناع الجمع بعد افتراض التضادّ وبطلان الترجيح ، والإجارة المبهمة المردّدة بينهما محكومة بالبطلان كما تقدّم (2) .
فالإجارة في المقام على الإيصال في زمان كذا بكذا درهماً وفي زمان كذا بكذا باطل جزماً .
وأمّا في القسم الثاني بأن تقع الإجارة على شيء معيّن وهو الإيصال في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرّ وجه البطلان في المسألة السابقة .
(2) في ص 80 ـ 81 .
ــ[99]ــ
وقد يكون مورد الإجارة هو الإيصال ((1)) في ذلك الوقت ويشترط عليه أن ينقص من الاُجرة كذا على فرض عدم الإيصال ، والظاهر الصحّة في هذه الصورة ، لعموم : «المؤمنون عند شروطهم» وغيره ، مضافاً إلى صحيحة محمّد الحلبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقت كذا مشروطاً بأ نّه لو لم يوصله فيه ينقص من الاُجرة كذا ، فقد حكم في المتن بصحّته بمقتضى القاعدة ، وبمقتضى النصّ الخاصّ الوارد في المقام .
وهي صحيحة محمّد الحلبي ، قال : كنت قاعداً إلى قاض وعنده أبو جعفر (عليه السلام) جالس فجاءه رجلان فقال أحدهما : إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن فاشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأ نّها سوق أخاف أن يفوتني ، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكلّ يوم احتبسته كذا وكذا ، وأ نّه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوماً ، فقال القاضي : هذا شرط فاسد وفّهِ كراه ، فلمّا قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر (عليه السلام) فقال : «شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه» (2) .
فإنّها صريحة الدلالة على جواز الشرط المزبور ونفـوذه ما لم يستوعب النقص المشترط تمام الاُجرة بكاملها .
أقول : يقع الكلام :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذا كان مورد الإجارة هو الإيصال فمع عدمه لا يستحق المؤجر شيئاً على ما اختاره (قدس سره) فلا معنى لاشتراط النقص ، وأما النص فمورده هو إيجار الدابة واشتراط النقص على تقدير عدم الإيصال ، وهو غير مفروض الكلام ، نعم على ما اخترناه يصح هذا الاشتراط على القاعدة .
(2) الوسائل 19 : 116 / كتاب الإجارة ب 13 ح 2 .
ــ[100]ــ
تارةً : فيما إذا لوحظ الإيصال في وقت كذا شرطاً في متعلّق الإجارة ، كما لو آجره الدابّة للركوب إلى كربلاء بكذا مشروطاً بأن يكون الإيصال في وقت كذا وإلاّ نقص من الاُجرة كذا .
واُخرى : فيما إذا كان بنفسه مورداً لها فوقع الإيجار على نفس الإيصال ، كما هو صريح عبارة المتن حيث قال (قدس سره) : وقد يكون مورد الإجارة هو الإيصال في ذلك الوقت ، إلخ . وشرط عليه نقص الاُجرة إن لم يوصل .
أمّا في المورد الأوّل : فالأمر كما ذكره (قدس سره) ، إذ مقتضى اشتراط الإيصال المزبور ثبوت خيار التخلّف لو لم يوصل ، فللمستأجر وقتئذ فسخ الإجارة واسترداد الاُجرة ، ومرجع اشتراط النقص لو لم يوصل إلى اشتراط عدم إعمال الفسخ والاقتناع بدلاً عنه بانتقاص الاُجرة كذا وكذا ، وهذا شرط سائغ في نفسه مشمول لعموم : «المؤمنون عند شروطهم» ، فصحّته مطابقة لمقتضى القاعدة .
والنصّ أيضاً قد ورد في هذا المورد ، إذ قد فرض فيها وقوع الإجارة على نفس الإبل لحمل المتاع إلى كذا مشروطاً بأن يكون الإيصال في وقت كذا ، فاعتبر الإيصال شرطاً في متعلّق الإجارة لا مورداً لها . ونتيجة التخلف وإن كان هو الخيار لكنّهما يلتزمان بعدم إعماله وإبداله بنقص الاُجرة كلّ يوم كذا . ولا ضير فيه حسبما عرفت .
وأمّا المورد الثاني ـ الذي عرفت أ نّه صريح عبارة المتن ـ : فهو خارج عن مورد النصّ ، لأنّ مورده كما عرفت إجارة الإبل لحمل المتاع لا إجارتها للإيصال في الوقت المعيّن .
وبعبارة اُخرى : مورد الصحيحة تخلّف الشرط لا عدم الإتيان بمتعلّق الإجارة ، فلا تشمل ما إذا وردت الإجارة على الإيصال ولم يتحقّق ، فلا بدّ إذن
ــ[101]ــ
ولو قال : إن لم توصلني فلا اُجرة لك (1) : فإن كان على وجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الرجوع إلى ما تقتضيه القواعد .
وحينئذ فبناءً على ما تقدّم من الماتن من أنّ الإيجار لو كان واقعاً على العنوان وهو الإيصال ولم يأت به خارجاً لا يستحقّ شيئاً من الاُجرة (1) ، المساوق للقول بانفساخ الإجارة وبطلانها ، فلا موقع حينئذ لهذا الاشتراط ، إذ لا أثر للشرط مع فساد العقد ، فإنّه لا يستحق شيئاً من الاُجرة حسب الفرض ، فما معنى اشتراط النقص ؟! فإنّه سالبة بانتفاء الموضوع .
وأمّا على ما ذكرناه من صحّة المعاملة وقتئذ وعدم انفساخها ، غاية الأمر ثبوت الخيار للمستأجر من جهة عدم التسليم فله أن يفسخ ، كما أنّ له أن يطالب بقيمة العمل وهي اُجرة المثل ويدفع للأجير الاُجرة المسمّاة . فعلى هذا المبنى وهو التحقيق ـ كما سبق (2) ـ صحّ الشرط المزبور بمقتضى القاعدة وإن لم يكن مشمولاً للنصّ ، نظراً إلى أنّ مرجع هذا الاشتراط إلى عدم إعمال الفسخ ولا مطالبة القيمة ، بل القناعة بدلاً عن ذلك بنقص شيء معيّن من الاُجرة من ثلث أو نصف ونحو ذلك . وهذا ـ كما ترى ـ شرط سائغ تشمله عمومات النفوذ ، فلا مانع من البناء على صحّته بعد فرض صحّة العقد .
وعلى الجملة : فاستشهاد الماتن في مفروض عبارته بالنصّ لا موقع له ، كما أنّ تمسّكه بالقاعدة أيضاً لا يتمّ على مبناه وإنّما يتمّ على مسلكنا فحسب .
(1) تقدّم الكلام حول ما إذا كان الشرط نقص الاُجرة لو لم يوصل (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 95 .
(2) في ص 97 ـ 98 .
(3) في ص 98 ـ 99 .
|