ــ[108]ــ
فصل
[ في أحكام عقد الإجارة ]
الإجارة من العقود اللازمة (1) ، لا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو شرط الخيار لأحدهما أو كليهما (2) إذا اختار الفسخ . نعم ، الإجارة المعاطاتيّة جائزة ((1)) (3) يجوز لكلّ منهما الفسخ ما لم تلزم بتصرّفهما أو تصرّف أحدهما فيما انتقل إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وتقتضيه العمومات والنصوص الخاصّة .
(2) أو لثالث، أو بحصول سبب الخيار من الغبن ، أو تخلّف الشرط ونحوهما، حيث إنّ اللزوم في مثل الإجارة لزوم حقّي لا حكمي .
(3) وفاقاً لما هو المشهور بين الفقهاء ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات بعضهم ـ كما هو الحال في البيع ـ من اختصاص اللزوم بما إذا كان الإيجاب باللفظ ، أمّا بغيره فهو محكوم بالجواز ما لم يطرأ عليه اللزوم .
والمشهور أنّ الملزم إمّا التلف أو التصرّف المغيّر للعين لا مطلقاً كما يقتضيه إطلاق عبارة المتن ، بحيث لو سكن في الدار المستأجرة يوماً أو يومين من غير حدوث تغيير في العين لم يكن له الفسخ ، إلاّ أن يقال : إنّ ذلك يستوجب إتلاف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأظهر أ نّها أيضاً لازمة .
ــ[109]ــ
مقدار من المنفعة بطبيعة الحال ، وقد عرفت أنّ الإتلاف بنفسه موجب للّزوم .
ولكنّه لا يطّرد فيما لو حصل التصرّف المزبور في جانب الاُجرة ، كما لو كانت ثوباً ـ مثلاً ـ فلبسه يوماً من غير أن يحدث في العين شيئاً ، فإنّ مثل هذا التصرّف لأجل عدم كونه مغيّراً لا يستوجب اللزوم عند المشهور ، مع أنّ مقتضى إطلاق كلام الماتن حصوله به .
وكيفما كان ، فما عليه القوم من جواز المعاطاة لا تمكن المساعدة عليه ، بل مقتضى الصناعة لزومها وأنّ كلّ عقد لفظي أو فعلي متى ما تحقّق وترتّب عليه الملك وحصل به النقل ـ كما هو المفروض ـ فالردّ بالفسخ يحتاج إلى الدليل ، وإلاّ فمقتضى القاعدة اللزوم :
أمّا أوّلاً : فللسيرة العقلائيّة القائمة على نفوذ المعاملة بعد تحقّق العقد العرفي بأيّ سبب كان ، وأ نّه ليس لأحد المتعاملين الرجوع بعد تماميّة العقد بفسخه ، ولا شكّ أنّ السيرة المزبورة متّبعة ما لم يردع عنها الشارع ، ولم يرد هنا أيّ رادع ومانع .
وثانياً : مع الغضّ عنها يدلّ عليه الأمر بالوفاء في قوله تعالى : (أَوفُوا بِالعُقُود) ، إذ الوفاء هو الإنهاء والإتمام والبقاء على الالتزام وعدم رفع اليد عنه بالفسخ وهو معنى اللزوم ، ومن المعلوم أنّ العقد بمفهومه العرفي يعمّ القولي والفعلي .
وثالثاً : ما ورد في عدّة من الأخبار من أنّ : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» (1) ، حيث دلّت بوضوح على أنّ مبنى البيع على اللزوم بعد الافتراق ، ولا ينبغي الشكّ في صدق البيع على المعاطاة ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 18 : 6 / أبواب الخيار ب 1 ح 3 .
ــ[110]ــ
فيقال من غير أيّة عناية : إنّه باع داره ـ مثلاً ـ إذ لا يعتبر اللفظ في صدق هذا العنوان بمفهومه العرفي قطعاً ، فتدلّ هذه الأخبار على اللزوم بالافتراق وإن لم يكن ثمّة لفظ بمقتضى الإطلاق .
وعليه ، فإذا ثبت اللزوم في البيع المعاطاتي ففي الإجارة المعاطاتيّة أيضاً كذلك ، إمّا للأولويّة نظراً إلى أنّ البيع يتضمّن نقل الأعيان التي هي أولى بالاهتمام من الإجارة التي ليس في موردها ما عدا نقل المنافع فحسب ، ولذلك ترى أنّ بعضهم يرى قدح الغرر في البيع ، وتأمّل في الإجارة ممّا يكشف عن المداقّة ومزيد العناية بالبيع . أو للقطع بعدم القول بالفصل بينهما في ذلك .
وكيفما كان ، فمقتضى هذه الأدلّة الالتزام باللزوم في مطلق العقود وإن كان الإنشاء بالمعاطاة لا باللفظ .
وليس شيء بإزائها ما عدا الإجماع المدّعى في كلمات غير واحد على عدم اللزوم ، وأنّ في مورد المعاطاة لم يكن إلاّ الملك المتزلزل ، فإن تحقّق ذلك لم يكن بدّ من رفع اليد عن مقتضى القاعدة بالمقدار المتيقّن خروجه منها ، وإلاّ فالمتّبع هي تلك الأدلّة .
والظاهر عدم التحقّق .
والوجه فيه : أنّ المنقول من كلمات المتقدّمين من الفقهاء وجملة من المتأخّرين وإن كان هو عدم اللزوم إلاّ أنّ ذلك مبني على ما يرتؤونه من أنّ المعاطاة لا تفيد إلاّ الإباحة ، فلا ملكيّة حتى يقال : إنّها لازمة أو جائزة ، فعدم اللزوم من باب السالبة بانتفاء الموضوع .
نعم ، حاول المحقّق الكركي حمل الإباحة في كلماتهم على إرادة الملك المتزلزل ، وأقام بعض الشواهد (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامع المقاصد 4 : 58 .
|