ــ[146]ــ
نعم، لو كان العيب مثل خراب بعض بيوت الدار فالظاهر تقسيط الاُجرة((1)) (1) لأ نّه يكون حينئذ من قبيل تبعض الصفقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا ، علم بالعيب أم لا ، لأنّ هذا المقدار من المال لم يملكه البائع من الأوّل . وهذا ـ كما ترى ـ لم يلتزم به أحد جزماً ، لتطابق النصّ والفتوى على إناطة الضمان بالمطالبة وجواز الدفع من أيّ مال كان ، فلا جرم كان هذا حكماً تعبّديّاً مختصّاً بمورده ـ وهو البيع ـ ولا ينسحب إلى غيره .
وبالجملة : فهذا الضمان نظير الضمان الثابت في باب اللقطة ، حيث إنّ الملتقط لو تصدّق بها بعد الفحص واليأس لم تكن ذمّته مشغولة بشيء كي يخرج ما يعادلها من تركته إذا مات باعتبار أ نّه أتلف مال الغير بالتصدّق، فلا ضمان عندئذ بوجه ، وإنّما يضمن فيما لو وجد المالك وطالب ، فينشأ الضمان من نفس المطالبة لا أ نّه كان ضامناً من الأوّل .
والمقام من هذا القبيل ، فيملك البائع تمام الثمن وإن كانت العين معيبة ، ولا تكون ذمّته مشغولة بجزء منه معادل لوصف الصحّة بحيث يخرج من تركته لو مات ، غايته ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والإمضاء مجّاناً أو مع مطالبة الأرش ، فيضمن التفاوت حينئذ بنفس هذه المطالبة لا أ نّه كان ضامناً من الأوّل .
وهذا ـ كما ترى ـ حكم تعبّدي مخالف للقاعدة قد ثبت في خصوص البيع بالنصّ الخاصّ ، فاللازم الاقتصار عليه ولا موجب للتعدّي عن مورده بعد عدم الدليل عليه .
(1) فيستردّ من نفسها ما يقابل المنفعة الفائتة بنسبة الاُجرة . فلو كانت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في إطلاقه إشكال .
ــ[147]ــ
ولو كان العيب ممّا لا تنقص معه المنفعة كما إذا تبيّن كون الدابّة مقطوعة الإذن أو الذنب (1) فربّما يستشكل في ثبوت الخيار معه ، لكن الأقوى ثبوته إذا كان ممّا يختلف به الرغبات وتتفاوت به الاُجرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيوت خمسة والاُجرة خمسة وقد كانت واحدة منها خربة استردّ خمس الاُجرة ، لانكشاف بطلان الإجارة بالإضافة إلى هذه الحصّة . وهذا أمر آخر غير الأرش المصطلح في باب خيار العيب حسبما عرفت ، ونتيجته ثبوت الخيار للمستأجر في الباقي كما في سائر موارد تبعّض الصفقة .
وما ذكره (قدس سره) وإن كان وجيهاً إلاّ أ نّه لا يستقيم على إطلاقه ـ ولعلّه (قدس سره) لا يريده أيضاً ـ وإنّما يتّجه فيما إذا لوحظت البيوت على وجه الجزئيّة بحيث يقابل كلّ بيت بجزء من الاُجرة ، كما هو الحال في الدور المعدّة للإيجار بالإضافة إلى الزوّار ، فيصحّ التقسيط حينئذ لدى تخلّف البعض حسبما ذكر .
وأمّا إذا كان لحاظها على وجه الشرطيّة ، كما لعلّه الغالب في إجارة الدور المتعارفة بين الناس ، حيث تقع الإجارة بإزاء ما صدق عليه اسم الدار ، ويراعى بعنوان الاشتراط في متن العقد اتّصافها بالاشتمال على خمس غرف ـ مثلاً ـ كالاشتمال على السرداب أو سائر المرافق الصحّيّة ، فإنّ التخلّف في مثل ذلك لا يترتّب عليه إلاّ الخيار بين الفسخ والإمضاء من أجل تخلّف الشرط ، ولا مجال حينئذ للتقسيط بوجه كما هو ظاهر جدّاً .
(1) وأمّا في القسم الثاني ـ أعني : ما لا يستوجب العيب نقصاً في المنفعة ـ : فالمتعيّن حينئذ ما ذكره في المتن من التفصيل :
بين ما إذا كان العيب المزبور ممّا تختلف به الرغبات ، المستلزم بطبيعة الحال
ــ[148]ــ
لتفاوت الاُجرة ، إذ كلّما كثرت الرغبة فلا جرم تزداد الاُجرة ، كالمثال المذكور في المتن ، حيث إنّ الدابّة السليمة أشدّ رغبة من المقطوعة المستتبع لكونها أكثر قيمة وإن كانت المنفعة المرغوبة مشتركة وعلى حدٍّ سـواء . ففي مثله يثبت الخيار بعين المناط الذي يثبت في القسم السابق ـ أعني : تخلف الشرط الضمني الارتكازي ـ إذ لا مدخل لنقص المنفعة في هذا المناط ، فإنّ مبناه على وقوع الإجارة على العين السليمة الواجدة لجميع الصفات التي تؤثّر في الرغبة وفي القيمة عند العقلاء ، والمفروض أنّ العين فاقدة لهذا الوصف ، فقد تخلّف الشرط الارتكازي ، ونتيجته ثبوت الخيار ، من غير فرق في ذلك بين نقص المنفعة وعدمه ، إذ لم يكن المدرك لهذا الخيار دليل نفي الضرر حتى يقال باختصاصه بصورة النقص ، بل مستنده تخلّف الشرط المشترك بين الصورتين حسبما عرفت .
وبين ما إذا لم تختلف الرغبة ولم تتفاوت الاُجرة ، كما لو استأجر دابّة أو جارية للخدمة فبان أ نّها عقيمة ، أو عبداً للكتابة فبان أ نّه خصي ، فإنّ العقم أو الخصاء وإن كان عيباً في العين لدى الشراء ولذا تختلف الرغبة والقيمة في هذه المرحلة ، إلاّ أنّ هذا العيب في مقام الإجارة غير ملتفت إليه بتاتاً ، إذ لا تأثير له بوجه في اختلاف الرغبة بالإضافة إلى المنفعة المقصودة من الإجارة ـ أعني : الخدمة أو الكتابة ـ فلم يتخلّف الشرط الارتكازي ، فمن ثمّ لم يثبت لأجله الخيار في الإيجار وإن ثبت في البيع بلا إشكال ، والسرّ أنّ المنتقل إليه في البيع إنّما هو العين وهي معيبة بالضرورة ، وفي الإجارة المنفعة ، والعين بلحاظ المنفعة المقصودة لا تعدّ معيبة حسبما عرفت .
وبالجملة : فالخيار يدور مدار تخلّف الشرط ، فكلّما تخلّف ثبت وإلاّ فلا وإن كانت العين معيبة ، إذ لا دخل لذلك بالإجارة الواقعة على المنفعة ، كما لا مدخل لنقص المنفعة وعدمه في هذا المناط كما عرفت .
|