ــ[167]ــ
[ 3284 ] مسألة 2 : إذا بذل المؤجّر العين المستأجرة للمستأجر ولم يتسلّم حتى انقضت المدّة استقرّت عليه الاُجرة (1) ، وكذا إذا استأجره ليخيط له ثوباً معيّناً ـ مثلاً ـ في وقت معيّن وامتنع من دفع الثوب إليه حتى مضى ذلك الوقت ، فإنّه يجب عليه دفع الاُجرة ، سواء اشتغل في ذلك الوقت مع امتناع المستأجر من دفع الثوب إليه بشغل آخر لنفسه أو لغيره أو جلس فارغاً .
[ 3285 ] مسألة 3 : إذا استأجره لقلع ضرسه ومضت المدّة التي يمكن إيقاع ذلك فيها وكان المؤجّر باذلاً نفسه استقرّت الاُجرة (2) ، سواء أكان المؤجّر حرّاً أو عبداً بإذن مولاه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذ التمكّن من التسلّم في حكم التسلّم الخارجي فيما هو المناط في استقرار العقد ولزومه من بذل المؤجّر للعين وتمكين المستأجر من التصرّف فيها ، بحيث استند عدم الانتفاع إلى امتناع المستأجر باختياره من غير أيّ قصور من ناحية المؤجّر ، إذ لا دليل على اعتبار شيء آخر أزيد من ذلك .
ومنه يظهر الحال في إجارة الأعمال التي ذكرها بعد ذلك .
هذا فيما إذا كان العمل مؤقّتاً بوقت .
وأمّا إذا لم يكن له وقت معيّن فسيتعرّض له في المسألة الآتية .
(2) تفترق هذه المسألة عن سابقتها بأنّ المفروض هنا انقضاء المدّة التي يمكن إيقاع العمل فيها من غير أيّ توقيت في البين ، وفيما مرّ انقضاء الوقت المقرّر بكامله .
وكيفما كان ، فهما يشتركان في مناط الاستقرار من تمكين الأجير وبذله نفسه للعمل في الوقت الذي له اختيار التطبيق فيه بعد أن لم يكن المستأجر مالكاً إلاّ
ــ[168]ــ
واحتمال الفرق بينهما بالاستقرار في الثاني دون الأوّل (1) لأنّ مـنافع الحرّ لا تضمن إلاّ بالاستيفاء ، لا وجه له ، لأنّ منافعه بعد العقد عليها صارت مالاً للمستحقّ ، فإذا بذلها ولم يقبل كان تلفها منه، مع أ نّا لا نسلّم أنّ منافعه لاتضمن إلاّ بالاستيفاء، بل تضمن بالتفويت أيضاً((1)) إذا صدق ذلك ، كما إذا حبسه وكان كسوباً فإنّه يصدق في العرف أ نّه فوّت عليه كذا مقداراً . هذا ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكلّي العمل من غير التحديد بوقت خاصّ بمقتضى افتراض إطلاق الإجارة من ناحية الزمان . وعليه، فقد أدّى الأجير ما عليه من التمكين المزبور ، وكان الامتناع مستنداً إلى المستأجر نفسه ، ومثله لا يكون مانعاً عن الاستقرار .
وملخّص الكلام في جميع ما ذكرناه لحدّ الآن : أ نّه بعد ما عرفت من أنّ المنفعة والاُجرة تملكان بنفس العقد ، فكلّما كان التفويت مستنداً إلى المستأجر من غير أيّ تقصير من ناحية المؤجّر أو الأجير كما هو المفروض في الفروض المتقدّمة لم يمنع ذلك عن حقّ المطالبة ، بل كانت الاُجرة مستقرّة إمّا لأجل مضيّ الوقت أو لأجل مضيّ زمان قابل لوقوع العمل فيه حسبما عرفت .
(1) فصّل بعضهم في المسألة بين ما إذا كان المؤجّر حرّاً ، أو عبداً مأذوناً ، فخصّ الاستقرار بالثاني ، لصدق الإتلاف والتفويت حسبما مرّ ، بخلاف الأوّل ، نظراً إلى أنّ منافع الحرّ قبل الاستيفاء لم تكن مملوكة له ، فليست هي من الأموال حتى يصدق الإتلاف المستوجب للضمان .
نعم ، يصحّ العقد عليها ، إلاّ أنّ ذلك لا يصحّح إطلاق اسم المال ، ففي مثله لا يستحقّ الأجير الاُجرة ، لعدم كون عمله مملوكاً له .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التفويت في نفسه ليس من أسباب الضمان ، وعليه فلا ضمان على الأقوى .
ــ[169]ــ
ولو استأجره لقلع ضرسه فزال الألم بعد العقد لم تثبت الاُجرة ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد أجاب عنه الماتن أوّلاً : بأنّ عمل الحرّ وإن لم يكن مملوكاً قبل الإجارة إلاّ أ نّه مملوك بعدها لا محالة ، فإنّ المستأجر يملكه بعد العقد بالضرورة ، فالمالك وإن لم يكن مالكاً لعمل نفسه بالملكيّة الاعتباريّة إلاّ أ نّه مالك له بالملكيّة الحقيقيّة ، أي أنّ الحرّ له السلطنة على تمليك عمله ، فيكون عمله طبعاً مملوكاً للغير بسبب الإيجار . وعليه ، فإذا وقعت الإجارة صحيحة فلا جرم كان العمل ملكاً للمستأجر وقد فوّته على نفسه ـ حسب الفرض ـ بعدم الاستيفاء . ومعه كيف لا تستقرّ الاُجرة ولا يكون للمؤجّر حقّ المطالبة ؟! وهذا واضح .
وعليه ، فلا فرق بين الحرّ والعبد من هذه الجهة بعد فرض وقوع الإجارة وإن افترقا قبل ذلك .
وأجاب (قدس سره) ثانياً : بالمنع عن عدم ضمان منافعه إلاّ بالاستيفاء ، بل هو كالعبد في كون عمله مملوكاً .
وما يقال من أنّ حبس الحرّ لا يستوجب الضمان، لعدم كون عمله مملوكاً له.
لا أساس له من الصحّة ، بل نلتزم بأنّ تفويت عمل الحرّ كالعبد موجب للضمان أيضاً كما إذا كان كسوباً ، فإنّ الاعتبار في الضمان بصدق التفويت ، فإذا فرضنا حرّاً كسوباً يكسب كلّ يوم كذا مقداراً من المال فحبسه الحابس يصدق عرفاً أ نّه فوّت عليه هذا المقدار من المال ، فيكون ضامناً له بطبيعة الحال .
وهذا الجواب ـ كما ترى ـ لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، لقصور أدلّة الضمان عن الشمول للمقام ، فإنّ سببه إمّا وضع اليد على مال الغير عدواناً أو إتلافه ، بمقتضى أنّ : من أتلف مال الغير فهو له ضامن ، الذي هو عبارة متصيّدة من الأخبار وإن لم يرد بهذا اللفظ ، مضافاً إلى السيرة العمليّة القائمة على أنّ إتلاف
ــ[170]ــ
لانفساخ الإجارة حينئذ ((1)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المال موجب للضمان .
ومن الواضح عدم انطباق شيء من ذلك على عمل الحرّ ، إذ لا يصدق عليه وضع اليد كما هو واضح ولا الإتلاف ، لأ نّه متفرّع على أن يكون له مال موجود ليرد الإتلاف عليه ، ولا وجود له حسب الفرض .
نعم ، يصدق التفويت باعتبار أنّ الحابس بحبسه سدّ على الكسوب باب تحصيل المنفعة ، فهو بمنعه عن الاكتساب فوّت المال عليه ، إلاّ أنّ التفويت شيء والإتلاف شيء آخر ، والموجب للضمان إنّما هو الثاني المتوقّف على واجديّته لمال فعلي كما عرفت ، دون الأوّل .
ومن ثمّ لم يجب الحجّ على الحرّ القادر على الكسب وتحصيل الزاد والراحلة قولاً واحداً ، إذ لا يقال : إنّ عنده كذا مقداراً من المال ، فلو كان عمله ملكاً له وكانت أعماله أموالاً فعليّة فكيف لم يجب عليه الحجّ ؟!
وبالجملة : فرقٌ بين أن يكون له المال وبين أن يقدر على تحصيل المال ، والحرّ الكسوب ليس له مال فعلي وإن كان قادراً على تحصيله ، فلو تصدّى أحد لصيد غزال في البرّ فحبسه ظالم وصدّه عن المسير إليه لا يقال : إنّه أتلف ماله وإن صدق عليه التفويت وإنّه سدّ عليه باب المنفعة ومنعه عن التمليك . وعليه ، فلا مقتضي للمصير إلى الضمان في المقام . والصحيح إنّما هو الجواب الأوّل حسبما عرفت .
(1) لم يتّضح وجهٌ للانفساخ بقول مطلق ، فإنّ زوال الألم لا يستوجب البطلان فيما إذا احتمل عوده ثانياً كما هو الغالب من تكرّر العود إلى أن يقلع ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في إطلاقه منع ظاهر ، بل الظاهر عدم الانفساخ مطلقاً .
|