ــ[171]ــ
[ 3286 ] مسألة 4 : إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة ، وكذا إذا تلفت عقيب قبضها بلا فصل ، وأمّا إذا تلفت بعد استيفاء منفعتها في بعض المدّة فتبطل بالنسبة إلى بقيّة المدّة ، فيرجع من الاُجرة ((1)) بما قابل المتخلّف من المدّة إن نصفاً فنصف وإن ثلثاً فثلث مع تساوي الأجزاء بحسب الأوقات ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالزوال المزبور لا يكشف عن الانفساخ فيما إذا كان الضرس في معرض الألم بحيث لا ينتفع به بعدئذ . فلا تستقيم العبارة على إطلاقها .
بل يمكن أن يقال بصحّة الإجارة حتى مع العلم بعدم العود ، لعدم أيّ مقتض للبطلان بعد أن لم يكن قلع الضرس بعنوانه محرّماً حتى إذا كان لغرض سفهائي فضلاً عن داع عقلائي ، فغايته أنّ صاحب الضرس إذا امتنع استقرّت عليه الاُجرة ، لا أنّ الإجارة تكون باطلة .
نعم ، لو فرض عروض عنوان ثانوي محرّم ، كما لو استلزم القلع المزبور نزيفاً يشرف صاحبه على التهلكة ويوقعه في الخطر ، كشف لا محالة عن بطلان الإجارة وانفساخها ، لصيرورة المنفعة حينئذ محرّمة ، والمنفعة المحرّمة لا تصحّ الإجارة عليها . لكن الفرض نادر والغالب خلافه ، فالظاهر صحّة الإجارة في الفروض الغالبة ، سواء أكان الألم مرجوّ العود أم لا .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا إذا لم يفسخ الإجارة من أصلها ، وإلاّ فيرجع إلى المؤجّر بتمام الاُجرة ويجب عليه دفع اُجرة المثل بالإضافة إلى ما مضى .
ــ[172]ــ
ومع التفاوت تلاحظ النسبة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما ذكره (قدس سره) من البطلان في التلف قبل القبض أو بعده بلا فصل وكذا البطلان بالنسبة لو اتّفق التلف أثناء المدّة هو المعروف والمشهور .
ويستدلّ له :
تارةً : بما ورد من أنّ تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه ، بدعوى عدم خصوصيّة للبيع ، وعموم المناط لكافّة المعاوضات ، فيتعدّى إلى الإجارة وغيرها .
واُخرى : بمطابقة الحكم المزبور لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى نهوض دليل بالخصوص ، نظراً إلى أنّ التسليم والتسلّم والقبض والإقباض الخارجيّين وإن لم يكونا شرطاً في صحّة العقد شرعاً في غير بيعي الصرف والسلم ، إلاّ أ نّهما يعدّان كمتمّمين للعقد في نظر العقلاء ، بحيث يرون من بيده المال ضامناً له حتى يوصله إلى الطرف الآخر ، فلم تكن المعاوضة عندهم مجرّد اعتبار الملكيّة محضاً ، بل هي متقوّمة بالتقابض خارجاً ، وقبله يكون من عنده المال محكوماً بالضمان ، وهو معنى البطلان .
وكلا هذين الوجهين كما ترى :
فإنّ التعدّي عن مورد البيع وإن قيل به إلاّ أ نّه يحتاج إلى القطع بعدم الفرق ليدّعى إلغاء خصوصيّة البيع الذي هو مورد النصّ ، وأنّى لنا به ولم يقم عليه أيّ دليل ؟!
وأمّا الدعوى الثانية فهي أيضاً غير ثابتة ، بل الظاهر أنّ المال بعد أن انتقل إلى الآخر بعقد صحيح وأصبح ملكاً له كما هو المفروض فلا جرم كان أمانة شرعيّة بيد من عنده المال حتى يوصله إلى صاحبه ، ولازمه كون التلف على
ــ[173]ــ
مالكه بطبيعة الحال ، ولم تتحقّق أيّ سيرة عقلائية قائمة على الضمان المدّعى في المقام .
على أنّ هاتين الدعويين لو تمّتا فغايتهما البطلان في التلف قبل القبض لا ما بعده بلا فصل فضلاً عن التلف أثناء المدّة ، كما لا يحكم به في البيع بلا إشكال .
والصحيح في وجه ذلك أن يقال : إنّ ملكيّة المنافع ـ كما مرّ غير مرّة ـ لم تكن ملكيّة مستقلّة وإنّما هي بتبع ملكيّة العين، فمتى كانت العين مملوكة كانت المنافع مملوكة بتبعها ، ومتى خرجت عن الملك خرجت هي أيضاً ، ومقتضى هذه التبعيّة أنّ العين لو سقطت عن القابليّة ولم تتّصف بالملكيّة العقلائيّة كانت المنافع أيضاً كذلك .
ومن ثمّ لا ينبغي الشكّ بل لم يشكّ أحد في عدم جواز إجارة العين في أزيد من عمرها العادي وما تستعدّ فيه للبقاء ، كإجارة العبد مائة سنة ، أو الدار ألف سنة ، أو الدابّة عشرين ، وهكذا ، لعدم اعتبار العقلاء ملكيّة العين بعد تلك المدّة المديدة ، فلا تكون هي قابلة للملكيّة وقتئذ فكذا منافعها ، فحيث لا يعتبرونه مالكاً لتلك المنافع فلا جرم تبطل الإجارة عليها .
وعليه ، فملكيّة المالك للمنافع محدودة طبعاً ببقاء العين وإمكان الانتفاع بها ، وأمّا المنافع بعد التلف فلم تكن مملوكة له من الأوّل ، فلو آجر عبده أو دابّته أو داره فتلفت أو انهدمت قبل التسليم كشف ذلك عن أنّ تلك المنفعة لم تكن مملوكة للمالك من الأوّل حتى يسوغ له تمليكها ، فإنّ العبد الميّت أو الدابّة التالفة فاقدة للمنفعة القابلة للملكيّة ، إذ الملكيّة وإن كانت من الاُمور الاعتباريّة القابلة للتعلّق حتى بالمعدوم ، بل قد يكون المالك أيضاً معدوماً ، إلاّ أ نّه خاصّ بما إذا كان قابلاً للملكيّة العقلائيّة وللانتفاع في ظرفه ، ومن ثمّ لا يسوغ إجارة العبد أو الدابّة بعد الموت ابتداءً ، لعدم قيام منفعة بهما وقتئذ ليملكهما المؤجّر فيملّكهما للمستأجر .
ــ[174]ــ
إذن فالتلف قبل القبض بل بعد القبض بلا فصل ـ أي قبل مضيّ زمان يمكن الانتفاع ـ يكشف عن فساد الإجارة من الأوّل لا محالة . والتعبير بالانفساخ الواقع في بعض الكلمات المشعر بالفساد من الآن مسامحةٌ في التعبير يعنون به الصحّة ظاهراً إلى الآن ، وعند عروض التلف يستكشف البطلان من الأوّل كما لا يخفى .
هذا كلّه في التلف قبل القبض أو بعده بلا فصل .
|