ــ[256]ــ
[ 3310 ] مسألة 9 : إذا آجر عبده لعمل فأفسد (1) ففي كون الضمان عليه أو على العبد يتبع به بعد عتقه أو في كسبه إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعتماداً على إخبار الخيّاط بالكفاية ـ لا أ نّه أمر بالقطع ـ أو أ نّه أعطاه لخيّاط آخر فقطعه اعتماداً على إخبار الخيّاط الأوّل ، فإنّه لا يظنّ وقتئذ أن يلتزم فقيه بالضمان مع اشتراك هذه الفروض في صدق الغرور .
ونظيره ما لو أخبره بأنّ قيمة البضاعة الكذائيّـة في البلد الفلاني راقية ، فحمل متاعه إلى ذلك البلد ليبيع ويستفيد فرأى أ نّه على خلاف الواقع ، فهل يحتمل رجوعه إلى المخبر الغارّ وتضمينه مصارف الحمل؟ وعلى الجملة : فالضمان لا بدّ في تحقّقه من أحد أمرين : إمّا الإتلاف ، أو التلف الموجب للضمان من يد أو شرط ، وإلاّ فالتغرير بمجرّده لا يستوجب الضمان ، وقاعدة الغرور ممّا لا أساس لها بقول مطلق .
فتحصّل : أنّ الأظهر هو التفصيل في المسألة بين الصورتين لحصول الإذن في إحداهما دون الاُخرى ، غايته أنّ الإذن الحاصل كان ناشئاً عن اعتقاد مخالف للواقع حسبما عرفت .
(1) أو أ نّه أبق العبد . والأقوال في المسألة من حيث الضمان وعدمه أربعة :
فذهب جماعة إلى عدم ضمان المولى بوجه ، وإنّما هو في عهدة العبد يتبع به بعد عتقه .
وهذا القول هو المطابق لمقتضى القاعدة بعد أن كان العبد هو المتلف وعدم كون المولى ملزماً بما يضمنه العبد ويتلفه .
ــ[257]ــ
كان من غير تفريط وفي ذمّته يتبع به بعد العتق إذا كان بتفريط أو في كسبه مطلقاً ، وجوهٌ وأقوال ، أقواها الأخير ((1)) ، للنصّ الصحيح .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيل : يكون الضمان على المولى ، استناداً إلى رواية معتبرة كما ستعرف .
واختار صاحب المسالك التفصيل بين صورتي تفريط العبد فعلى ذمّته بمقتضى القاعدة ، وعدمه فعلى المولى ، لوقوع العمل بإذنه فيخرج من كسبه (2) .
واختار الماتن كون الضمان في كسبه مطلقاً ، تبعاً لجماعة من الفقهاء، واستناداً إلى النصّ الصحيح الوارد في المقام بعد حمل المعتبرة عليه وتقييدها به .
أقول : لو لم يرد نصّ في المسألة كان مقتضى القاعدة تعلّق الضمان بالعبد نفسه يتبع به بعد عتقه في جميع الفروض ، لكون المولى أجنبيّاً عمّا يفعله العبد باختياره من إتلاف ونحوه ، وعدم كونه ملزماً بشيء منها كما عرفت ، فلا مقتضي لضمانه ، بل هو في عهدة العبد كما ثبت ذلك في جملة من الموارد التي منها : ما لو اعترف بشيء على نفسه فإنّه يتبع به بعد عتقه بلا كلام .
وأمّا بالنظر إلى النصّ الخاصّ الوارد في المقام فقد وردت في المسألة روايتان معتبرتان :
إحداهما : ما رواه زرارة وأبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل كان له غلام فاستأجره منه صائغ أو غيره ، قال : إن كان ضيّع شـيئاً أو أبق منه فمواليه ضامنون» (3) ، ورواها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا فيما إذا استهلك العبد أموالاً اُخر غير مورد الإجارة ، وأمّا الإفساد في مورد الإجارة فالأقوى فيه القول الأوّل .
(2) المسالك 5 : 225 .
(3) الوسائل 29 : 254 / أبواب موجبات الضمان ب 12 ح 1 .
ــ[258]ــ
أيضاً في باب 11 من أحكام الإجارة حديث 2 ، ولكن بلفظ «صانع» حسبما هو موجود في الطبعة الحديثة من الوسائل (1) ، والصحيح هو الأوّل .
ثانيتهما : صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل استأجر مملوكاً فيستهلك مالاً كثيراً «فقال : ليس على مـولاه شيء ، وليس لهم أن يبيعوه ، ولكنّه يستسعى ، وإن عجز عنه فليس على مولاه شيء ، ولا على العبد شيء» (2) .
وقد اختار الماتن تبعاً لغيره العمل بهذه الصحيحة بعد حمل الرواية الاُولى عليها ، نظراً إلى أنّ الضمان المذكور فيها مطلق من حيث كونه في ذمّة المولى أو في ماله المعيّن ، أو في كسب عبده الذي هو أيضاً من أموال المولى ، ومقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حمل الضمان على إرادة كونه في خصوص الكسب وأ نّه لا ضمان مع العجز كما تضمّنه النصّ .
وهذا الاستدلال موقوف على حمل السؤال في الرواية الثانية على المثال لمطلق ما يتلفه العبد ولو كان هو العمل الذي استؤجر عليه ، كما لو أفسد العين التي هي محلّ العمل ، فالسؤال ناظر إلى الجهة العامّة وعن مطلق ما يفسد من غير خصوصيّة للمورد ، والاستهلاك من أحد مصاديقه ، فعليه يتّجه ما اُفيد من حمل المطلق على المقيّد ، لاتّحاد مورد الروايتين حينئذ ، فيكون الحكم المطلق الوارد في إحداهما منزّلاً على المقيّد الوارد في الاُخرى .
ولكنّه غير واضح ، فإنّ إثباته مشكل جدّاً ، ومن الجائز الفرق بين ما يتلفه العبد في عمل مأذون فيه من قبل المولى الذي هو مورد الرواية الاُولى ، وبين ما يتلفه ويستهلكه من أموال اُخر من غير استناد إلى المولى بوجه كما هو مورد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 19 : 114 .
(2) الوسائل 19 : 114 / كتاب الإجارة ب 11 ح 3 .
ــ[259]ــ
الرواية الثانية .
ففي الأوّل بما أنّ الإتلاف ـ ومنه الإباق ـ قيد وقع في العمل المستأجر عليه والمأذون فيه من قبل المولى فكأ نّه بالآخرة ينتهي إليه ، فلأجل هذه المناسبة صحّ تشريع الضمان عليه .
وهذا بخلاف الثاني ، إذ بعد فرض وقوع الإفساد فيما لا علاقة له ولا ارتباط بالمولى بتاتاً وإنّما هو تصرّف خارجي أجنبي عن مورد الإذن الصادر منه كما افترضه في الرواية من استهلاك أموال كثيرة ، فبهذه العناية كان الأنسب جعل الضمان في كسب العبد .
والحاصل : أ نّه لا ملازمة بين الموردين بعد أن كان كلّ من الحكمين تعبّديّاً وعلى خلاف مقتضى القاعدة ، حيث عرفت أنّ مقتضاها عدم ضمان المولى حتى في كسب العبد فضلاً عن غيره ، لعدم كونه مسؤولاً عمّا يصدر من غيره ، ولكن الدليل التعبدي قد دلّ على ضمانه ، فلا محيص عن الالتزام به والخروج عن مقتضى القاعدة ، وعندئذ فلا مانع من الاقتصار على كلّ منهما في مورده من دون أيّ مقتض لحمل أحدهما على الآخر ، بعد اختلاف الموردين في كون الإفساد في أحدهما في العمل المأذون فيه من قبل المولى ، وفي الآخر فيما لا يرتبط به ، المستتبع لصحّة التفصيل من كون الضمان على المولى تارةً ، وعلى العبد في كسبه اُخرى حسبما تضمّنه النصّان .
ولعلّ التفصيل بهذا النحو هو الأصحّ والأقرب ، فيلتزم بالفرق بين الإفساد في مورد الإجارة فالضمان على المولى ، والإفساد في غيره فعلى العبد في كسبه حسبما عرفت مستوفى .
ــ[260]ــ
هذا في غير الجناية على نفس أو طرف ، وإلاّ فيتعلّق برقبته وللمولى فداؤه ((1)) بأقلّ الأمرين من الأرش والقيمة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولا يلزمه الفداء بأكثر من قيمته لو كانت أقلّ من الأرش ، إذ لا يغرّم أهل العبد وراء نفسه شيئاً على ما في صحيحة محمّد بن قيس (2) ، كما ذكروا في باب العاقلة أيضاً مثل ذلك وأنّ العبد لا عاقلة له ولا يتحمّل أحد جنايته وإنّما جنايته في نفسه ، كما نطق به النصّ المزبور أيضاً من غير خلاف في المسألة .
إلاّ أنّ عبارة المتن لاتستقيم على إطلاقها، لاختصاص الحكم المزبور بالجناية الخطئيّة على النفس أو الطرف ، فلو قتل العبد خطأ أو قطع يداً ـ مثلاً ـ كذلك كان المولى مخيّراً بين الأمرين كما ذكر ، فله إعطاء الديّة ، أو تسليم العبد ، ليستوفى الحقّ منه حسبما عرفت .
وأمّا في الجناية العمديّة كما لعلّها الظاهر من سياق كلامه (قدس سره) ـ باعتبار أنّ ما سبقه كان في إتلاف العبد وإفساده الذي لو لم يكن ظاهراً في العمد فلا أقلّ من الإطلاق ، ولم يكن مختصّاً بالخطأ قطعاً ـ فلا اختيار حينئذ للمولى بوجه ، بل الاختيار إنّما هو بيد وليّ المقتول أو بيد المجنيّ عليه ، فلو قتل عبداً أو حرّاً فللوليّ القصاص ابتداءً ، كما له الاسترقاق بلا حاجة إلى رضا المولى بذلك ، وإذا كانت الجناية على الطرف ساغ للمجنيّ عليه استرقاقه فيما إذا كانت الجناية مستوعبة للقيمة ، فكانت هي ـ أي القيمة ـ بمقدار الديّة أو أقلّ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا فيما إذا كان القتل أو الجناية خطأ ، وأمّا في فرض العمد فلا خيار للمولى بل لولي المقتول الخيار بين الاقتصاص والاسترقاق ، وكذلك المجني عليه إذا كانت الجناية تحيط برقبة العبد .
(2) الوسائل 29 : 213 / أبواب ديّات النفس ب 10 ح 2 .
ــ[261]ــ
[ 3311 ] مسألة 10 : إذا آجر دابّة لحمل متاع فعثرت وتلف أو نقص لا ضمان على صاحبها(1)، إلاّ إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب .
[ 3312 ] مسألة 11 : إذا استأجر سفينة أو دابّة لحمل متاع فنقص أو سرق لم يضمن صاحبها (2) . نعم ، لو اشترط عليه الضمان صحّ ((1)) ، لعموم دليل الشرط وللنصّ (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعم ، إذا كانت أكثر توقّف ذلك على التراضي مع المولى ، فإن أعطاه الدية فهو ، وإلاّ فيسترقّه بمقدار ما يسـتحقّه ، فيكون العبد وقتئذ مشتركاً بينهما فيباع ويقسّم .
وعلى الجملة : فإطلاق كلام الماتن في غير محلّه ، بل الحكم خاصّ بالخطأ ، وأمّا في العمد فلا خيرة للمولى ، بل التخيير لوليّ المقتول أو المجنيّ عليه على تفصيل مذكور في محلّه حسبما أشرنا إليه .
(1) لعدم استناده إليه بعد أن لم يكن هو السبب في العثرة ، فلا إتلاف في البين ليستوجب الضمان ، بل هو من التلف غير المضمون كآفة سماويّة ، بل قد عرفت في المسألة السابعة أنّ عثرة الحمّال أيضاً كذلك ، فلا يصدق الإتلاف عرفاً إذا لم يكن عن تعدٍّ وتفريط وإن ادّعى الماتن صدقه هناك ، فلاحظ .
(2) لعدم المقتضي له بعد كونه أميناً .
(3) تقدّم في أوّل الفصل عدم نفوذ هذا الشرط ، لقصور دليله عن الشمول له بعد أن كان الضمان وعدمه من أفعال المولى وخارجاً عن عهدة المشروط عليه ، فلم يكن تحت اختياره ، ولا يكاد يكون الشرط مشرّعاً . وأمّا النص
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على تفصيل تقدّم آنفاً .
|