ــ[272]ــ
وأمّا ملكيّة العين فغير معتبرة في صحّة الإجارة ، بل قد تكون لشخص آخر، ولا يكون المؤجّر إلاّ مالكاً للمنفعة فقط، كما لو انتقلت إلى المؤجّر بإرث، أو وصيّة ، أو صلح ، أو مهر ، أو إجارة ، فله نقل هذه المنفعة إلى غيره بالإيجار وإن لم يكن مالكاً للعين ، لعدم دخل هذه الملكيّة في صحّة الإجارة بوجه .
وحينئذ فلو استأجر داراً للسكنى أو دابّة للركوب من غير تقييد بالمباشرة ساغ له إيجارها من شخص آخر .
غير أ نّه (قدس سره) استشكل في جواز تسليم العين إلى المستأجر الثاني من دون إذن المؤجّر ، بل حكم (قدس سره) بعدم جوازه باعتبار أنّ ملكيّة المنفعة لاتستلزم الاستيلاء على العين ، لجواز كون المستولي هو المستأجر الأوّل وإن كان الراكب غيره ، فلو سلّم من دون الإذن فتلفت عند المستأجر الثاني كان ضامناً ، حيث إنّه هو الذي سلّط الغير على العين من دون إجازة المالك . وعلى الجملة : فصحّة الإجارة الثانية لا تلازم تسليم العين .
وفيه : أنّ لازم الإجارة المتضـمّنة لتمليك المنفعة مع توقّف استيفائها على الاستيلاء على العين عادةً هو جواز تسليمها .
والذي يرشدك إلى ذلك عدم التأمّل من أحد في أنّ المستأجر لو مات فانتقلت المنفعة إلى وارثه ساغ له الانتفاع من غير حاجة إلى الاستئذان من مالك العين ، والوجه فيه ظاهر ، فإنّ المنفعة تنتقل إلى الوارث على النحو الذي كانت للمورث ، فكما كان له استيفاؤها الملازم للاستيلاء على العين فكذلك الوارث الذي هو قائم مقامه ويتلقّاها منه على النحو الذي كانت له ، ومعه لا مقتضي للاستجازة من المالك .
فإذا كان الأمر في الوارث ذلك ففي الإجارة أيضاً كذلك بمناط واحد ، فينقل المستأجر الأوّل إلى الثاني نفس ما كان له من الحقّ ، أعني : استيفاء المنفعة من
ــ[273]ــ
العين مع كونها تحت يده .
وبعبارة اُخرى : ترخيص المالك في استيلاء المستأجر على العين إنّما هو بلحاظ وصفه العنواني ، فهو ثابت لمالك المنفعة بما هو مالك المنفعة ـ مقدّمةً لاستيفائها ـ لا لشخصه وذاته ، ومقتضى ذلك تعلّق هذه السلطة والسيطرة لكلّ من كان مالكاً للمنفعة ، فحيثما انتقلت انتقل الحقّ معها بطبيعة الحال ، سواء أكان الانتقال بسبب غير اختياري كالإرث أو اختياري من صلح أو إجارة ونحوهما . والظاهر استقرار بناء العقلاء أيضاً على ذلك .
نعم ، بما أنّ العين أمانة عند المستأجر الأوّل فلا بدّ له من المحافظة عليها ، ولا يسوغ تعريضها للخطر ، فلا يجوز له إجارتها من جائر خائن لا يؤمن منه على العين ، كما لا يجوز إعطاؤها له للانتفاع مجّاناً ومن غير إجارة .
وعلى الجملة : فالدفع إلى الغير تبرّعاً أو إجارة وإن كان سائغاً من غير حاجة إلى إجازة المالك حسبما عرفت ، إلاّ أ نّه لا بدّ من مراعاة الأمانة والسلامة عن المخاطرة .
ويترتّب على ذلك أنّ العين لو تلفت عند المستأجر الثاني بآفة سماويّة لم يضمن وإن سلّمها إليه بدون الإذن ـ خلافاً للماتن (قدس سره) ـ إذ التسليم بعد إن كان سائغاً وعن حقّ فليس هنا أيّ موجب للضمان ، إلاّ إذا كان مفرّطاً في الحفظ ، وهو أمر آخر .
نعم ، بما أنّ المالك سلّم العين إلى المستأجر الأوّل فله مطالبتها منه بعد انقضاء المدّة ، وليس له الامتناع والإحالة إلى المستأجر الثاني ، لأنّ الحقّ المزبور كان محدوداً بزمان الإجارة ولا حقّ له في الزائد عليه ، بل لا بدّ بعد الانقضاء من ردّ الأمانة إلى أهلها .
وعلى الجملة : فالإجارة الثانية صحيحة ، ولا يكون المستأجر الأوّل ضامناً
ــ[274]ــ
وأمّا إذا كانت مقيّدة ، كأن استأجر الدابّة لركوبه نفسه (1) ، فلا يجوز إجارتها من آخر ((1)) (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما لم يكن مفرّطاً ، ويجب عليه الردّ بنفسه إلى المالك بعد انقضاء المدّة .
هذا ما تقتضيه القاعدة ، بل عليه السيرة العقلائيّة ، وتؤكّده عدّة أخبار دلّت بإطلاقها على ما ذكرناه وردت في الدابّة المستأجرة ، كما في صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت ، ما عليه ؟ «قال : إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسمّ فليس عليه شيء» (2) ، دلّت على الضمان مع التفريط ، فبدونه لا ضمان ، لكونه مالكاً للمنفعة ، فله إركاب أيّ شخص أراد ، فإذا كان الإركاب جائزاً فلا يفرق فيه مع الاُجرة أو بدونها بمقتضى الإطلاق .
ووردت أيضاً في إجارة الأرض للزراعة وأ نّه يجوز للمستأجر أن يؤجّرها لغيره ، فإنّ من الواضح أنّ إجارتها للزراعة لا تكون غالباً إلاّ بتسليم العين ، وإلاّ ففرض بقائها عند المؤجّر لعلّه نادر جدّاً .
(1) بحيث كان مورد الإجارة هي المنفعة الخاصّة ، وهذه هي الصورة الاُولى من الصور الأربع المشار إليها في المتن .
(2) تكليفاً ، بل ولا وضعاً ، فتبطل كما صرّح به في ذيل كلامه ، معلّلاً بعدم كونه مالكاً إلاّ ركوب نفسه ولا يملك غيره ليملّكه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التقييد لا ينافي جواز الإجارة من آخر ، وذلك كما إذا استأجرت المرأة داراً لسكناها مقيّدة ثمّ تزوّجت ، فإنّه يجوز لها أن تؤجّرها من زوجها لسكناها ، وبذلك يظهر ما في الحكم بالبطلان على الإطلاق بُعَيد ذلك .
(2) الوسائل 19 : 118 / كتاب الإجارة ب 16 ح 1 .
|