ــ[304]ــ
وإلاّ فالمفروض أنّ المباشر للإتلاف هو المؤجّر، وإن كان عمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة(1) فللمستأجر أن يجيز ذلك ويكون له الاُجرة المسمّاة في تلك الإجارة أو الجعالة ، كما أنّ له الفسخ والرجوع إلى الاُجرة المسمّاة ، وله الإبقاء ومطالبة عوض المقدار الذي فات فيتخيّر بين الاُمور الثلاثة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو ثالث الفروض المتقدّمة .
وبما أنّ الإجارة الثانية قد وقعت على ما وقعت عليه الإجارة الاُولى فلا جرم قد وردت على ملك المستأجر فتكون صحّتها منوطة بإجازته ، فإن أجازها استحقّ الاُجرة المسمّاة في تلك الاُجرة ، وإن ردّها بطلت وكان بالخيار بين فسخ الإجارة الاُولى واسترجاع المسمّاة فيها ، وبين الإمضاء والمطالبة باُجرة المثل للمنفعة الفائتة .
فهو إذن مخيّر بين الاُمور الثلاثة . وبذلك افترق هذا عن الفرض السابق ، حيث كان التخيير هناك بين الأخيرين فحسب كما تقدّم .
ثمّ إن موضوع كلامه (قدس سره) وقوع الإجارة الثانية على ما وقعت عليه الإجارة الاُولى كما عرفت .
وأمّا إذا وقعت على ما في الذمّة المغاير لمورد الإجارة السابقة حيث إنّها تعلّقت بالمنافع الخارجيّـة وهذه بعمل مقرّر في الذمّة ـ كما فرض في كلمات بعضهم ـ فكان المملوك في إحدى الإجارتين غير ما هو المملوك في الإجارة الاُخرى .
ففي مثل ذلك قد يقال بأنّ الإجارة الثانية وإن لم تقع على مال الغير إلاّ أ نّها
ــ[305]ــ
وإن كانت الإجارة على الوجه الثاني وهو كون منفعته الخاصّة للمستأجر فحاله كالوجه الأوّل(1)، إلاّ إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة ولم يكن من نوع العمل المستأجر عليه كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باعتبار وقوعها على ما ينافي حقّ الغير كانت صحّتها منوطة بإجازته ، فإذا أجاز صحّت الإجارة الثانية للمستأجر الثاني دون الأوّل المجيز كما لا يخفى .
ولكن الظاهر بطلان الإجارة المزبورة وعدم قبولها للصحّة حتى بالإجازة ، وليس للمستأجر إلاّ فسخ الإجارة الاُولى أو إمضاءها .
والوجه فيه : أنّ الأجير بعدما آجر نفسه بجميع منافعه كما هو المفروض فلا يعتبره العقلاء وقتئذ مالكاً لشيء في ذمّته كي يتمكّن من تمليكه بالإجارة ، لحرمانه عن تطبيق ما في ذمته في الخارج ، وعدم السبيل لصرف منافعه في غير ما استؤجر له أوّلاً .
وإن شئت فقل : كل ما يمكن صدوره من الأجير ممّا هو قابل للملك فهو مملوك للمستأجر بمقتضى الإجارة الاُولى المفروض صحّتها ، فعمله للغير محرّم ، لكونه تصرّفاً في ملك الغير . إذن فلا يسعه تمليك ما في ذمّته لشخص آخر ، لعجزه عن التسليم خارجاً بعد أن لم يكن له أيّ عمل مباح ، فهو في إجارته الثانية قد ملّك ما ليس له حق التمليك ، فلا جرم تقع باطلة في نفسها بمثابة لا تنفع الاجازة في تصحيحها ، ضرورة أ نّها لا توجب قلب ما وقع عمّا وقع ولا تخرجه عن كونه إجارة لما يتعذّر تسليمه ولا يمكنه تمليكه المحكوم بالفساد من أوّل الأمر حسبما عرفت ، فكيف يمكن تصحيح مثل هذه الإجارة بالإجازة ؟!
(1) فيجري فيه جميع ما مرّ في الوجه الأوّل من الفروض المتقدّمة بأحكامها
ــ[306]ــ
الخياطي فآجر نفسه للغير لكتابة أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة فإنّه ليس للمستأجر إجازة ذلك، لأنّ المفروض أ نّه مالك لمنفعة الخياطي فليس له إجازة العقد الواقع على الكتابة ، فيكون مخيّراً بين الأمرين من الفسخ واسترجاع الاُجرة المسـمّاة والإبقاء ومطالبة عوض الفائت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما عدا الفرض الأخير ، أعني : ما لو عمل لغيره بإجارة أو جعالة وكان مغايراً لسنخ العمل المستأجر عليه كما لو استؤجر لمنفعة الخياطة فآجر نفسـه لمنفعة الكتابة ، فيفترق الوجهان في أنّ المستأجر ليست له الإجازة هنا ، وإن كانت له هناك ـ كما مرّ ـ لكونه أجنبياً عن الإجارة الثانية بعد اختصاص ملكيّته بغير موردها .
بل هي محكومة بالبطلان ولا تنفعها الإجازة بوجه ، نظراً إلى أ نّها لمّا كانت في ظرفها مفوّتة لحقّ الغير ـ لمكان المزاحمة ـ فقد وقعت على وجه غير مشروع، إذ هو وإن كان مالكاً لتلك المنفعة المضادّة إلاّ أ نّه من أجل كونه محكوماً بوجوب الوفاء بالإجارة الاُولى فهو بطبيعة الحال ممنوع شرعاً من تسليم هذه المنفعة ، فكان ما صدر منه من العمل على طبق الإجارة الثانية محرّماً في ظرفه لا محالة، وهو مانع عن كونه مشمولاً لدليل وجوب الوفاء آنذاك ، ومن الضروري أنّ الإجازة اللاحقة لا تستوجب قلب ما وقع عمّا وقع ولا تغيّره عمّا هو عليه بوجه.
بل لنفرض أ نّه من الآن أسقط حقّه وأبرأ الأجير عن ضمان ما ارتكبه ، إلاّ أنّ هذا كلّه لا يجدي في قلب الواقع ، ولا يجعل ما وقع في ظرفه على وجه غير مشروع متّصفاً بالمشروعيّة ليشمله دليل الوفاء بالعقد .
اللّهمّ إلاّ أن يصدر منه الإذن قبل صدور العمل ، وإلاّ فالاجازة اللاحقة لا تنفع في تصحيح العمل الصادر على طبق الإجارة السابقة الفاسدة كما لا يخفى .
ــ[307]ــ
وإن كانت على الوجه الثالث فكالثاني ، إلاّ أ نّه لا فرق فيه في عدم صحّة الإجازة بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه أو على غيره (1) ، إذ ليست منفعة الخياطة ـ مثلاً ـ مملوكة للمستأجر حتى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها ، بل يملك عمل الخياطة في ذمّة المؤجّر . وإن كانت على الوجه الرابع وهو كون اعتبار المباشرة أو المدّة المعيّنة على وجه الشرطيّة (2) لا القيديّة ففيه وجهان ((1)) ، يمكن أن يقال بصحّة العمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة من غير حاجة إلى الإجازة وإن لم يكن جائزاً من حيث كونه مخالفة للشرط الواجب العمل ، غاية ما يكون أنّ للمستأجر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لتغاير مورد الإجارتين على التقديرين :
أمّا على الثاني فظاهر .
وكذا على الأوّل ، لأنّ مورد كلّ إجارة حصّة مغايرة مع الحصّة الاُخرى وإن اشتركتا في السنخ ، فلا أثر لإجازة المستأجر الأوّل بعد كونه أجنبيّاً عن مورد الإجارة الثانية على التقديرين ، بل هو مخيّر بين فسخ الإجارة الاُولى واسترجاع المسـمّاة أو الإمضاء والمطالبة بعوض المنفعة الفائتة حسبما عرفت .
(2) أي الالتزام في ضمن الالتزام ، الذي عرفت منعه في المقام ، وأ نّه ليس إلاّ قيداً بصورة الشرط .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأوجه الثاني .
ــ[308]ــ
خيار تخلّف الشرط . ويمكن أن يقال بالحاجة إلى الإجازة ، لأنّ الإجارة أو الجعالة منافية لحقّ الشرط ، فتكون باطلة بدون الإجازة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن على تقدير التصوير فقد أفاد (قدس سره) أنّ في صحّة العمل حينئذ للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة وجهين ، وقد ذكرهما في المتن .
وقد اتّضح ممّا أسلفناك أنّ الأظهر بطلان الإجارة الثانية ، فإنّ الشرط وإن لم يترتّب على مخالفته ما عدا الخيار إلاّ أنّ مفاده في المقام لمّا كان وجوب المباشرة فالأمر بالوفاء به لايجامع الأمر بالوفاء بالإجارة الثانية المقتضية لعدم المباشرة، فالتضادّ الواقع بين المدلولين يمنع عن الالتزام بالجمع بين نفوذ كلّ من الشرط والعقد ، وحيث إنّ الأوّل وقع في ظرفه صحيحاً وشمله دليل نفوذ الشرط بلا مزاحم فلا يبقى معه مجال لشمول دليل وجوب الوفاء بالعقد للإجارة الثانية . اللّهمّ إلاّ إذا أذن المستأجر الأوّل من الأوّل بأن أسقط حقّه وألغى شرطه ، وهذا معنى الإجازة ، فتصحّ الإجارة الثانية وقتئذ ، لارتفاع المانع وانتفاء المزاحم ، فلا مانع حينئذ من الحكم بصحّة الإجارة الثانية، وإلاّ فالإجازة المتأخّرة لاتكاد تنفع في تصحيح الإجارة السابقة المعمول بها في ظرفها ، لعدم قلب الواقع عمّا وقع عليه بسبب الإجازة حسبما تقدّم .
فما ذكره في المتن من الوجه الثاني هو الصحيح بعد تفسير الإجازة بما عرفت .
وعلى الجملة : فبما أنّ الإجارة الثانية غير مشروعة ما لم يأذن المستأجر بها لكونها مفوّتة لحقّ الغير ، فمع فرض الحكم بصحّة الشرط كيف يمكن الحكم بصحّتها ؟! ومن البديهي أنّ مجرّد ثبوت الخيار للشارط لا يسوّغ الإجارة الثانية ، فلا مناص من الحكم ببطلانها .
ــ[309]ــ
[ 3322 ] مسألة 5 : إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو مع تعيين المدّة ، أو من غير تعيين المدّة ولو مع اعتبار المباشرة ، جاز عمله للغير ولو على وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه (1) ، لعدم منافاته من حيث إمكان تحصيله لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير ، لأنّ المفروض عدم تعيين المباشرة أو عدم تعيين المدّة ، ودعوى أنّ إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي وجوب التعجيل ممنوعة ((1)) (2) ، مع أنّ لنا أن نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذ على التقديرين لا تنافي بين الإجارتين كما هو واضح .
(2) قد يقال بأنّ هذا المنع ينافي ما تقدّم منه (قدس سره) في المسألة الخامسة من الفصل الأوّل من الاعتراف باقتضاء الإطلاق للتعجيل(2) .
ويمكن الذبّ عنه بأنّ المعترف به هو التعجيل العرفي كما صرّح (قدس سره) به هناك ، والذي يحاول إنكاره في المقام إنّما هو التعجيل الحقيقي على ما تقتضيه ظاهر عبارته ، فلا تناقض .
وبالجملة : مقتضى إطلاق العقد ما لم يصرّح بالخلاف هو البدار إلى الوفاء بمقدار لا يتحقّق معه التواني والتسـامح المعـبّر عنه بالاستعجال العرفي ، لعدم الدليل على الحقيقي منه بوجه ، فله المكث بضع ساعات لاستراحته أو قضاء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعلّه أراد من التعجيل التعجيل الحقيقي لا العرفي ، فإنّ دعوى وجوبه لاتكون ممنوعة ، وإلاّ لكان العقد غرريّاً ، وعليه فلا يكون منافياً لما تقـدّم منه (قدس سره) من أنّ إطلاق العقد يقتضي التعجيل العرفي .
(2) في ص 61 .
|