ــ[326]ــ
[ 3329 ] مسألة 12 : لو آجر نفسه لصوم يوم معيّن عن زيد ـ مثلاً ـ ثمّ آجر نفسه لصوم ذلك اليوم عن عمرو (1) لم تصحّ الإجارة الثانية ، ولو فسخ الاُولى بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحّتها ، بل ولو أجازها ثانياً ، بل لا بدّ له من تجديد العقد ، لأنّ الإجازة كاشفة ولا يمكن الكشف هنا ، لوجود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فوقعت الإجارة الثانية على عين ما وقعت عليه الإجارة الاُولى . ولا إشـكال حينئذ في بطلان الثانية ، لوضـوح عدم قبول يوم واحد للصـوم عن شخصين ، وبما أ نّه ملّكه للمستأجر الأوّل في الإجارة الاُولى فلم يبق له عمل آخر مملوك ليملّكه للغير . وهذا واضح .
وإنّما الكلام في أ نّه لو فسخت الإجارة الاُولى بخيار أو إقالة فهل تصحّ الثانية مع الإجازة أو بدونها نظراً إلى ارتفاع المانع ؟
اختار في المتن عدم الصحّة حتى مع الإجازة ، استناداً إلى أ نّها كاشفة لا ناقلة ، ولا سبيل إلى الكشف في المقام بعد فرض كون العمل مملوكاً للمستأجر الأوّل حالة وقوع الإجارة الثانية ، لوضوح امتناع كونه في هذا الحال مملوكاً للمستأجر الثاني أيضاً ، فلم يكن المؤجّر وقت انعقاد الإجارة الثانية مالكاً للصوم ليستكشف تمليكه للغير ويحكم بصحّتها بالإجازة ، وإنّما يملّكه بعد ذلك بسبب الفسخ اللاحـق ، فيندرج حينئذ فيما يشـبه كبرى : مَن باع ثمّ ملك ، والمعروف فيها البطلان حتى مع الإجازة .
بل ذكر (قدس سره) أنّ المقام أشكل .
ــ[327]ــ
المانع حين الإجارة ، فيكون نظير من باع شيئاً ثمّ ملك ، بل أشكل ((1)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والوجه في ذلك : أنّ في مورد تلك الكبرى يمكن تصحيح البيع في ظرف وقوعه بالإجازة ، غايته بإجازة من مالك العين لا من البائع ، فهو في نفسه قابل للصحّة بإجازة المالك ، فيبحث عن أنّ اختلاف المالك حال الإجازة عن المالك حال البيع هل يستوجب فرقاً في تأثير الإجازة أو لا ؟ وفيه خلاف معروف .
وأمّا في المقام فالإجارة الثانية غير قابلة للإجازة من أيّ أحد حال انعقادها لا من المؤجّر ولا من المستأجر الأوّل الذي هو مالك للعمل . أمّا المؤجّر فلعدم كونه مالكاً آنذاك على الفرض ، وأمّا المستأجر فلكونه أجنبيّاً عن هذا العقد ، ضرورة أ نّه إنّما يملك حصّة خاصّة من الصوم ، وهو الصوم عن زيد ـ مثلاً ـ لا طبيعيّ الصوم ، فالصوم عن عمرو الذي هو مورد الإجارة الثانية أجنبي عن المستأجر الأوّل بالكلّيّة ولا يرتبط به بوجه ، فليس له حقّ في الإجازة أبداً ، فلأجل هذه العلّة كانت الصحّة هنا أشكل .
أقول : هذا وجيه جدّاً ، بناءً على القول بامتناع ملكيّة المنافع المتضادّة ، إذ عليه لم يكن المؤجّر مالكاً لهذه المنفعة ـ التي ملّكها للمستأجر الثاني ـ حال تمليكها ، وإنّما يملكها بعد ذلك فيندرج في كبرى : من باع ثمّ ملك ، بل يكون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وجه الإشكال أنّ المعاملة في مسألة من باع شيئاً ثمّ ملك قابلة للإجازة من المالك الواقعي حين حدوثها ، وفي المقام الإجارة الثانية غير قابلة للإجازة من أحد حين وقوعها ، هذا ولكن الصحيح بناءً على ما ذكرناه سابقاً من انّ المنافع المتضادة مملوكة جميعاً فالمقتضي لصحة الإجارة الثانية موجود ، وهو ملك المؤجر المنفعة المستأجر عليها في الإجارة الثانية ، ولكن المانع ـ وهو المزاحمة وعدم امكان استيفاء كلتا المنفعتين ـ متوفر ، فإذا افترضنا رفع المانع بالإقالة أو الفسخ فلا مانع من الحكم بصحة الإجارة المزبورة من دون حاجة إلى الإجازة ، فيكون المقام نظير نكاح العبد بدون إذن مولاه .
ــ[328]ــ
المقام أشكل كما اُفيد .
وأمّا بناءً على ما اختاره وقوّيناه من القول بالجواز فالمنفعة الواقعة مورداً للإجارة الثانية مملوكة للمالك في نفس تلك الحالة ، غاية الأمر أ نّه لم يكن له تمليكها من أجل المضادّة للمنفعة الاُخرى الواقعة مورداً للإجارة الاُولى ومنافاته لحقّ الغير، فعدم السبيل إلى تمليك المنفعة المضادّة لايستند إلى قصور في المقتضي ـ أعني : عدم ملكيّته لها ـ وإنّما هو لوجود المانع وهو مزاحمته لحقّ الغير ، فإذا اُزيل المانع بقاءً وسقط حقّ الغير بفسخ ونحوه فلا مانع إذن من الحكم بصحّته ، فإنّه عقد صدر من أهله ووقع في محلّه ، بل لا حاجة حينئذ إلى الإجازة كما لا يخفى .
فالمقام أشـبه شيء بنكاح العبد فيما إذا أجاز المولى بعد ذلك ، باعتبار أنّ النكاح في نفسـه كان سائغاً في ظرفه وإنّما كان المانع مراعاة حقّ المولى ، كما يفصح عنه قوله (عليه السلام) : «إنّه لم يعص الله تعالى وإنّما عصى سيّده» (1) فإذا أجاز جاز .
إذن فلا يبعد القول بصحّة الإجارة الثانية ـ بعد فسخ الاُولى ـ حتى من دون الإجازة فضلاً عمّا لو أجاز ، فإنّ ذلك هو مقتضى القاعدة بناءً على ملكيّة المنافع المتضادّة حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 21 : 114 / أبواب نكاح العبيد والإماء ب 24 ح 1 .
|