[ 3330 ] مسألة 1 : لا بأس بإجارة حصّة من أرض معيّنة مشاعة (2) ، كما لا بأس بإجارة حصّة منها على وجه الكلّي في المعيّن مع مشاهدتها على وجه يرتفع به الغرر ، وأمّا إجارتها على وجه الكلّي في الذمّة فمحلّ إشكال . بل قد يقال بعدم جوازها ،
ــــــــــــــــــــــــــ (2) فيكون المستأجر مشتركاً مع المالك في المنفعة بالنسبة وإن كانت العين بتمامها للمالك وتجري عليهما أحكام الشركة ، كما تجوز بنحو الكلّي في المعيّن فيكون التعيين بعدئذ بيد المالك ، وهذا ظاهر .
وكما تصحّ أيضاً بنحو الكلّي في الذمّة ويكون الفرد المدفوع وفاءً عمّا في الذمّة ، إذ لا فرق بين البيع والإجارة من هذه الجهة، غير أنّ اللازم في كلا الموردين تعيين الحدود والخصوصيّات الموجبة لاختلاف الرغبات ، حسماً لمادّة الغرر ، كقرب الأرض من الماء ، أو كونها وعرة ، ونحو ذلك ممّا تختلف القيمة باختلافها .
وعلى الجملة : مجرّد الكلّيّة غير قادحة لا في البيع ولا في الإجارة بعد اتّضاح الخصوصيّات الرافعة للغرر والجهالة ، كما هو الحال في غير الأرض كالدابّة أو السيّارة الكلّيّة ، فإنّه لا مانع من إيجارها بعد بيان الأوصاف التي
ــ[341]ــ
لعدم ارتفاع الغرر بالوصف ، ولذا لا يصحّ السلم فيها . وفيه : أ نّه يمكن وصفها على وجه يرتفع ، فلا مانع منها إذا كان كذلك .
[ 3331 ] مسألة 2 : يجوز استئجار الأرض لتعمل مسجداً ((1)) ، لأ نّه منفعة محلّلة (1) وهل تثبت لها آثار المسجد من حرمة التلويث ودخول الجنب والحائض ونحو ذلك ؟ قولان ، أقواهما العدم . نعم ، إذا كان قصده عنوان المسجديّة لا مجرّد الصلاة فيه وكانت المدّة طويلة كمائة سنة أو أزيد لا يبعد ذلك ، لصدق المسجد عليه حينئذ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرتفع بها الغرر ، فكما يجوز في العين الخارجيّة يجوز في الكلّي أيضاً بمناط واحد . فلا موقع للاستشكال في ذلك .
(1) ينبغي التكلّم :
تارة : فيما لو كان المقصود من الاستئجار المزبور مجرّد كون الأرض معبداً ومحلاًّ للصلاة من غير قصد كونه مسجداً .
واُخرى : مع قصد التلبّس والاتّصاف بهذا العنوان .
أمّا الأوّل : فلا ينبغي الشكّ في صحّة الإجارة وجواز العمل المذكور ، لأ نّه ـ كما ذكره ـ من المنافع المحلّلة ، كما يجوز أن يجعل ملك نفسه كذلك أي معبداً ومصلّى ، أو مسكناً للزوّار ، أو لغير ذلك من وجوه البرّ والخير كما هو واضح .
كما لا ينبغي الإشكال في عدم جريان أحكام المسجد حينئذ عليه ، لأ نّه مجرّد معبد محض ، وليس بمسجد حسب الفرض ، فلا موقع لتوهّم جريان تلك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال بل منع ، نعم يجوز استئجارها مدّة معيّنة لجعلها مصلّى أو معبداً ، ولا تجري عليها أحكام المسجد بذلك .
ــ[342]ــ
الأحكام الخاصّة التي موضوعها عنوان المسجد ، لا كلّ ما يمكن أن يتقرّب فيه إلى الله تعالى ، فلا مجال للتردّد في ذلك أبداً ، بل ينبغي القطع بالعدم .
وأمّا الثاني : فعلى تقدير صحّة الإجارة وجواز جعل الأرض المستأجرة مسجداً مدّة الإجارة فلا ينبغي الشكّ في جريان أحكام المسجد حينئذ ، لعدم قصور في شمول الإطلاقات ، فإنّ هذا مسجد حسب الفرض ولا يجوز تنجيس المسجد ولا دخول الجنب وهكذا ، فبعد ضمّ الصغرى إلى الكبرى تترتّب الأحكام بلا كلام .
إلاّ أنّ الإشكال في صحّة مثل هذا الإيجار وجواز الجعل المزبور ، والظاهر العدم ، نظراً إلى أنّ عنوان المسجد المساوق لعنوان كون هذا المكان لله وبيتاً من بيوته سبحانه ليس كبقيّة الأوقاف التي قد تكون ملكاً لجهة أو لجماعة ، بل هو عنوان التحرير ، نظير العتق في الإنسان ، وهذا شيء يعتبر فيه الدوام والتأييد ولا يكاد يجتمع مع التوقيت الملحوظ في مورد الإجارة ، ولذلك لا تزول الوقفيّة بخراب المسجد، بخلاف بقيّة الأوقاف المعنونة بعناوين خاصّة، فإنّها تزول بزوال العنوان وترجع الرقبة إلى ملك الواقف .
وهذا مضافاً إلى كونه أمراً مغروساً ومرتكزاً في أذهان عامّة المتشرّعة يمكن استفادته من بعض الأدلّة الاُخرى أيضاً . ففي الآية المباركة : (وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (1) ، وظاهره أنّ المسجد مختصّ به تعالى وبيت من بيوته ، فإذا كان ملكاً له سبحانه فلا يكون بعد ذلك ملكاً لأحد ، إذ لا يكون مؤقّتاً بوقت ولا محدوداً بحدّ .
وقد روى الحميري في قرب الإسناد بسند معتبر عن الحسين بن علوان ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجنّ 72 : 18 .
ــ[343]ــ
عن جعفر ، عن أبيه «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجـوز له أكلها ، ولا يجـوز له إلاّ إنفاقها ، إنّما منزلتها بمنزلة العتق لله ، فلو أنّ رجلاً أعتق عبداً لله فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله ، فكذلك لا يرجع في الصدقة» (1) .
ونحوها ما رواه الشيخ بسنده الصحيح عن طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه (عليه السلام) «قال: من تصدّق بصدقة ثمّ ردّت عليه فلا يأكلها ، لأ نّه لا شريك لله عزّ وجلّ في شيء ممّا جعل له، إنّما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعدما يعتق» (2) .
وهما ـ كما ترى ـ واضحتا الدلالة على أنّ ما جعل لله فليس فيه رجوع ، ولا ريب أنّ من أبرز مصاديقه جعل المكان مسجداً ، فالمسجديّة لا بدّ وأن تكون أبديّـة ، ولا يجـرى فيها التوقيت كما لا يجـوز فيها التخـصيص بجماعة ـ كعشيرته ـ دون اُخرى ، إذ المساجد لله ، فلا تختصّ بأحد ، ولعلّ هذا هو المتسالم عليه بينهم كما عرفت .
ولا يفرق الحال في ذلك بين كون الزمان المؤقّت فيه قليلاً كيوم أو يومين ، أو كثيراً كمائة سنة المذكورة في المتن ، فإنّ عنوان المسجد إن كان قد اُخذ فيه الدوام والتأييد كما هو الظـاهر ممّا دلّ على أنّ المساجد لله وأنّ ما كان لله لا رجوع فيه ، وأنّ حاله حال العتق ـ مضـافاً إلى الارتكاز حسبما عرفت ـ فلا يجوز التوقيت حينئذ من غير فرق بين طول الزمان وقصره بمناط واحد .
وإن لم يؤخذ فيه ذلك وبنينا على أنّ عنوان المسجد كعنوان المعبد قابل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 422 / أبواب الصدقة ب 24 ح 1 .
(2) الوسائل 19 : 205 / كتاب الوقوف والصدقات ب 11 ح 3 ، التهذيب 9 : 152 / 622 .
|