الجهة الرابعة : في حكم الوكالة أو النيابة في الحيازة أو الجعالة عليها أو الأمر بها فهل يصحّ شيء من ذلك كما صحّت الإجارة ويكون المحوز ملكاً للموكّل أو المنوب عنه ، أو الجاعل أو الآمر كما كان ملكاً للمستأجر ، أو لا ؟
أمّا الوكالة فقد تقدّم غير مرّة أ نّها لا تجري إلاّ في الاُمور الاعتبـاريّة وما يلحق بها من القبض والإقباض .
فإنّ معنى الوكالة جعل الوكيل بمثابة الموكّل بحيث إنّ الفعل الصادر منه مستند إليه حقيقةً ومن دون أيّة عناية ، غاية الأمر أ نّه صادر منه بالتسبيب لا بالمباشرة، وهذا مطّرد في كافّة الاُمور الاعتباريّة، فيقال لزيد الذي وكّل عمرواً
ــ[356]ــ
في بيع داره أو طلاق زوجته : إنّ زيداً هو الذي باع داره أو طلّق زوجته وإن كان الإنشاء قائماً بغيره ، إذ لا تعتبر المباشرة في الاُمور الاعتباريّة .
وكذلك الحال في القبض والإقباض الملحقين بها ببناء العقلاء ، ومن ثمّ تفرغ ذمّة المدين بمجرّد الإقباض لوكيل الدائن ، حيث إنّ قبضه قبض الموكّل حقيقةً ومن غير أيّ مسامحة .
وأمّا غير ذلك من سـائر الاُمور الخارجيّة التكوينيّـة من النوم والأكل والشرب ونحوها ـ ومنها الحيازة ـ فلا تجري الوكالة في شيء منها ، إذ لا يستند الفعل التكويني إلى غير فاعله بالمباشرة وإن قصد غيره ، فلا يقال : إنّ الموكّل هو الذي نام أو أكل ، وهكذا .
وعليه ، فالتوكيل في الصيد أو الاحتطاب وغيرهما من سائر أقسام الحيازة غير صحيح ، لعدم قبولها للوكالة .
وأمّا النيابة : فقد سبق التعرّض للفرق بينها وبين الوكالة في كتاب الزكاة (1) ، حيث قلنا بأنّ العمل في مورد النيابة قائم بنفس النائب ولا يستند إلى المنوب عنه ، فلا يقال : إنّ زيداً المنوب عنه صلّى أو حجّ حتى بنحو التسبيب ، كما كان كذلك في مورد الوكالة حسبما مرّ ـ وبهذه العناية كانت النسبة بينهما التباين ـ غاية الأمر أنّ نتيجة العمل ترجع إليه فتفرغ ذمّته باعتبار أنّ النائب يأتي بعمل المنوب عنه إمّا بتنزيل نفسه منزلته كما لعلّه المشهور ، أو بقصده إمتثال الأمر النفسي الاستحبابي المتعلّق بتفريغ ذمّة الغير .
وعلى أيّ تقدير فالعمل قائم بالنائب والأثر عائد إلى المنوب عنه ، نظير أداء دين الغير ، ولا شكّ أنّ هذا على خلاف مقتضى القاعدة ، يفتقر الإذعان به إلى قيام دليل قاطع ، ولم ينهض عليه أيّ دليل في مثل المقام لا من الشرع ولا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة (كتاب الزكاة 2) : 276 ـ 277 من المخطوط .
|