ــ[363]ــ
لا يعتبر في صحّة استئجارها إذنه ما لم يناف ذلك لحقّ استمتاعه ، لأنّ اللبن ليس له فيجوز لها الإرضاع من غير رضاه ، ولذا يجوز لها أخذ الاُجرة من الزوج على إرضاعها لولده ، سواء كان منها أو من غيرها . نعم ، لو نافى ذلك حقّه (1) لم يجز إلاّ بإذنه ، ولو كان غائباً فآجرت نفسها للإرضاع فحضر في أثناء المدّة وكان على وجه ينافي حقّه انفسخت الإجارة بالنسبة ((1)) إلى بقيّة المدّة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وأمّا في صورة المنافاة والمزاحمة فلا إشكال أيضاً فيما لو أذن في الإجارة أو أجازها بعد وقوعها ، إذ لا تفويت لحقّ الغير بعد إسقاطه بنفسه .
وأمّا إذا لم يأذن بحيث استقرّت المنافاة بين الأمرين ـ أعني : الإرضاع والقيام بحقّ الزوج ـ فالمعروف والمشهور حينئذ بطلان الإجارة ، بل لعلّه لم يستشكل فيه أحد عدا ما يظهر من بعض مشايخنا المحقّقين في رسالته المدوّنة في الإجارة من عدم الدليل على البطلان وإن كان هو موافقاً للاحتياط .
والصحيح ما عليه المشهور . والوجه فيه : ما ذكرناه في كتاب الحجّ عند التعرّض لنظير هذه المسألة (2) ـ أعني : استئجار المستطيع للنيابة عن الغير ـ من عدم السبيل إلى تصحيح الإجارة المزاحمة مع واجب آخر أهمّ وهو الحجّ عن نفسه ، أو إطاعة الزوج في المقام ، إلاّ من ناحية الالتزام بالخطاب الترتّبي بأن يؤمر بالوفاء بالإجارة على تقدير عصيان الأهمّ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على تقدير عدم الإجازة من الزوج .
(2) شرح العروة 27 : 11 .
ــ[364]ــ
والترتّب وإن صحّحناه في محلّه ، بل ذكرنا أنّ إمكانه مساوق لوقوعه على ما أشبعنا البحث حوله في الاُصول (1) ، إلاّ أ نّه خاصّ بالأحكام التكليفيّة ولا ينسحب إلى الوضعيّة كما في محلّ الكلام .
فإنّ ملخّص الوجه فيه : أنّ القدرة شرط في التكليف ، وأهمّيّة أحد الواجبين المتزاحمين تستدعي صرف القدرة في امتثاله ، ومعه كان عاجزاً عن الآخر ، فلا يكون التكليف به فعليّاً، لامتناع التكليف بالمتضادّين معاً، وأمّا مع عدم الصرف فهو قادر على المهمّ في هذا التقدير ، فلا مانع من تعلّق الخطاب به ، ومع عدم المانع كان إمكانه مساوقاً لوقوعه .
وبعبارة اُخرى : المزاحمـة لا تستدعي إلاّ سقوط إطلاق الخطاب بالمهمّ لا أصله ، فالتكليف به مقيّداً بظرف عدم الإتيان بالأهمّ لا مقتضي لسقوطه، فإنّ المقتضي إنّما هو العجز وهو خاصّ بصورة الإتيان بالأهمّ، وأمّا مع عصيانه فكلاّ. وهذا التقدير ـ كما ترى ـ خاصّ بباب التكليف .
وأمّا الوضع ـ أعني : الصحّة في باب العقود والإيقاعات ـ فإن قام دليل عليه من الخارج فهو ، وإلاّ فالقاعدة لا تقتضي الصحّة من باب الترتّب .
وتوضيحه : أ نّه إذا زاحم الوفاء بالعقد واجب آخر أهمّ كالحجّ عن نفسه أو تمكين الزوج ـ كما في المقام ـ فإمّا أن يحكم بصحّة العقد مطلقاً ، أو على تقدير عصيان الأهمّ لا سبيل إلى الأوّل ، فإنّه من التكليف بالضدّين في مرتبة واحدة وزمان واحد كما هو واضح .
وأمّا الثاني : فهو وإن كان ممكناً بأن يُقال: حجّ عن نفسك، أو أطيعي زوجك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 134 .
ــ[365]ــ
وإلاّ فيجب الوفاء بعقد الإيجار ، إلاّ أ نّه لا دليل عليه ، ضرورة أنّ أدلّة صحّة العقود لم تكن تأسيسيّة ابتدائيّة وإنّما هي إمضاء لما ينشؤه المتعاقدان ، ومن الواضح أنّ المُنشأ إنّما هو العقد بقول مطلق لا معلّقاً على تقدير ، وقد عرفت عدم قبوله للصحّة ، فما هو قابل للإمضـاء لم يكن مُنشأ ، وما هو المُنشأ غير قابل للإمضاء .
ولو فرضنا أحياناً أنّ الإنشاء من الأوّل كان مقيّداً ومعلّقاً على العصيان فآجرت نفسها للإرضاع ـ مثلاً ـ معلّقاً على مخالفة الزوج بطل أيضاً ، لكونه من التعليق في العقود المبطل لها بلا كلام .
فلا يقاس الوضع بالتكليف كي يجري الترتب فيه بمقتضى القاعدة ، بل كلّ عقد أو إيقاع كان الوفاء به مزاحماً لواجب آخر حكم ببطلانه ما لم يقم دليل آخر على صحّته .
إذن فما ذكره المشهور من بطلان إجارة المزوجة على الإرضاع لدى المنافاة لحقّ الزوج ما لم يأذن هو الصحيح الذي لا ينبغي التردّد فيه .
هذا كلّه فيما إذا كانت المنافاة حين الإيجار .
وأمّا لو حدثت بعد ذلك ، كما لو كان الزوج غائباً آنذاك ثمّ حضر أثناء المدّة ، فقد حكم في المتن بالانفساخ بالنسبة إلى بقيّة المدّة .
وعبارته (قدس سره) وإن كانت مطلقة إلاّ أنّ الظاهر أ نّه يريد صورة الردّ وعدم الإجارة ، إذ لا مقتضي للانفساخ معها ، بل قد عرفت صحّة الإجارة بإذنه مع التنافي من الأوّل فضلاً عن حدوث المنافاة في الأثناء .
|