ــ[402]ــ
[ 3352 ] مسألة 23 : يجوز الجمع بين الإجارة والبيع ـ مثلاً ـ بعقد واحد (1) ، كأن يقول : بعتك داري وآجرتك حماري بكذا ، وحينئذ يوزّع العوض عليهما بالنسبة ويلحق كلاًّ منهما حكمه ، فلو قال : آجرتك هذه الدار وبعتك هذا الدينار بعشرة دنانير ، فلا بدّ من قبض العوضين بالنسبة إلى البيع في المجلس ، وإذا كان في مقابل الدينار بعد ملاحظة النسبة أزيد من دينار أو أقلّ منه بطل بالنسبة إليه ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه تعرف أنّ تحصيل الإبرة في الخياطة وكذا القلم في الكتابة في عهدة الأجير ، لأ نّهما من مقدّمات العمل لا موضوعاته ، فإنّ الإبرة مقدّمة لإدخال الخيط كالقلم لجرّ الحبر ، فهما نظير الدابّة في سفر الحجّ ، ومن المعلوم عدم بقاء أثرهما بعد العمل .
والضابط : أنّ كلّ ما كان من قبيل الموضوع لا يجب تحصيله ، وما كان من قبيل المقدّمة يجب كلّ ذلك بشرط عدم وجود قرينة على التعيين حسبما عرفت.
(1) عملاً بعمومات الصحّة .
نعم ، قد يناقش تارةً : بخروج مثله عن العقود المتعارفة ، لانصراف دليل الصحّة إلى ما كان عقداً مستقلاًّ بحياله ، فلا يشمل الملفّق من عقدين ، الذي هو أمر غير متعارف .
ويندفع : بمنع الصغرى أوّلاً ، فإنّ هذا النوع من العقد وإن كان قليل التحقّق إلاّ أ نّه على قلّته لم يكن خارجاً عن حدود التعارف بمثابة ينصرف عنه الإطلاق كما لا يخفى ، فلا مانع لدى العرف من أن يؤجّر داره سنة ويبيعه جميع أثاث البيت بمبلغ كذا .
ومنع الكبرى ثانياً، لعدم الدليل على اختصاص أدلّة الصحّة بالعقود المتعارفة،
ــ[403]ــ
للزوم الربا (1) . ولو قال : آجرتك هذه الدار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل كل ما صدق عليه عنوان التجارة عن تراض ولم يكن الأكل فيه عن سبب باطل فهو محكوم بالصحّة ومشمول للإطلاقات ، سواء أكان متعارفاً أم لا ، ولا شكّ في صدق هذا العنوان على المقام .
بل في الحقـيقة ينحلّ ذلك إلى بيع وإجارة وإن اُبرزا واُنشئا بإنشاء واحد فكأنّ المبرز لدى التحليل أمران : تمليك عين ، وتمليك منفعة عين اُخرى ، قد جمع بينهما في مقام الإبراز . فلا جرم يقسط العوض إلى ثمن واُجرة بالنسبة ، ويجري على كلّ منهما حكمه حسبما ذكره في المتن .
وقد يناقش اُخرى : بجهالة كلّ من الثمن والاُجرة ، لعدم العلم بمـقدار كلّ واحد منهما ، فيبطل البيع والإجارة من أجل الجهالة .
ويندفع : بعدم قدح مثل هذا الجهل ، لعدم كون المعاملة غرريّة بعد أن كان المجموع معلوماً ، نظير ما لو باع شيئين بثمن واحد ، فإنّه لا إشكال في الصحّة وإن لم يعلم بأنّ كلّ واحد منهما قوبل بأيّ مقدار من الثمن ، فإنّه لا غرر ولا خطر في مثل ذلك بعد معرفة المجموع ، ولا يضرّ الجهل بسائر الخصوصيّات .
وبالجملة : فلا موقع لأمثال هذه المناقشة ولا ينبغي التأمّل في صحّة هذه المعاملة وانحلالها بعد توزيع العوض بالنسبة ـ كما عرفت ـ إلى بيع وإجارة ، فيلحق كلاًّ منهما حكمه .
ويترتّب عليه ما ذكره في المتن من أنّ أحدهما لو كان من بيع الدينار بالدينار لزم فيه قبض العوضين في مجلس البيع ، للزوم التقابض في بيع الصرف ، كما يعتبر فيه أيضاً عدم التفاضل حذراً عن الربا .
(1) قد يقال بالصحّة ، نظراً إلى وجود الضميمة المانعة عن تحقّق الربا نصّاً
ــ[404]ــ
وفتوىً . فقد ورد في غير واحد من الأخبار أنّ الدراهم كانت مختلفة القيمة في زمانهم ، بل ربّما كان الدرهم من جنس يسوى درهمين من جنس آخر ، لخصوصية لا نعرفها ، كما هو المشاهد عندنا في الأوراق النقديّة الدارجة في العصر الحاضر ، حيث إنّ الدينار العراقي يختلف في السعر عن الكويتي وهما عن قسم آخر وهكذا .
فمن ثمّ سُئِل الإمام (عليه السلام) في بعض النصوص عن بيع ألف درهم بألفين فأجاب (عليه السلام) بالمنع إلاّ مع ضم شيء إلى المبيع ، حتى أنّ السائل اعترض بأنّ الضميمة لا تسوى بألف وأنّ هذا هو الفرار ، فأجاب (عليه السلام) : نِعْمَ الفرار من الحرام إلى الحلال (1) .
فيقال : إنّ مقتضى هذه الروايات الجواز في المقام أيضاً ، لصدق الضميمة وتحقّقها فيما نحن فيه .
ولكنّه بمراحل عن الواقع ، إذ الضميمة النافعة حسبما يستفاد من هذه الأدلّة يراد بها ضمّ شيء إلى المبيع بحيث يكون المبيع شيئين ، فيكون من ضمّ مال بمال ، لا ضمّ عقد بعقد كما في المقام ، فالمبيع هنا هو الدينار فقط من غير أن يقترن معه بما هو مبيع شيء ، غاية ما هناك ضمّ معاملة اُخرى مع البيع ، ومثل هذه الضميمة لا تجدي في حلّ مشكلة الربا ، ولا تعدّ من الفرار بمقتضى هذه الأخبار .
ويزيدك وضوحاً ما لو افترضنا تعدّد المالك فكان المؤجّر شخصاً والبائع شخصاً آخر ، كما لو كان وكيلاً عن زيد في إجارة داره وعن عمرو في بيع ديناره ، فآجر الدار وباع الدينار بعشرة دنانير ، فإنّه لا ينبغي التأمّل في عدم صدق الضميمة وقتئذ وخروجه عن مورد تلك النصوص .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 18 : 178 / أبواب الصرف ب 6 ح 1 .
ــ[405]ــ
وصالحتك على هذا الدينار بعشرة دنانير ـ مثلاً ـ (1) ، فإن قلنا بجريان ((1)) حكم الصرف من وجوب القبض في المجلس وحكم الربا في الصلح فالحال كالبيع ، وإلاّ فيصحّ بالنسبة إلى المصالحة أيضاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فهل يجري على هذا الصلح حكم الصرف من وجوب التقابض في المجلس ، وكذا حكم الربا كما كان جارياً لو أنشأ بصيغة البيع بدلاً عن الصلح حسبما تقدّم ؟
فيه كلام طويل بدليل مذكور في محلّه .
والصحيح هو التفصيل بين أحكام الصرف والربا فتجري الثانية دون الاُولى ، نظراً إلى أنّ أكثر النصوص المعتبرة الواردة في الربا خالية عن ذكر البيع ، بل موضوعها مجرّد الزيادة والمفاضلة الظاهرة في مطلق المبادلة وإن كانت بعنوان المصالحة .
ففي معتبرة عبدالرّحمن قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير ؟ «فقال : لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل . ثمّ قال : إنّ الشعير من الحنطة» (2) .
وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : الحنطة والشعير رأساً برأس ، لا يزاد واحد منهما على الآخر» (3) ، ونحوهما غيرهما .
بل لعلّ مفهوم الربا الذي هو بمعنى الزيادة يعمّ المقام ، إذ لم يؤخذ في مفهومه البيع ، فالممنوع مطلق اعطاء الزيادة وأخذ الناقص .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أ نّه لا يجري فيه حكم الصرف ويجري فيه الربا .
(2) الوسائل 18 : 138 / أبواب الربا ب 8 ح 2 .
(3) الوسائل 18 : 138 / أبواب الربا ب 8 ح 3 .
ــ[406]ــ
وكيفما كان ، فيكفينا إطلاق الروايات الشاملة للمصالحة .
فلا يدور الحكم مدار صدق البيع ، بل يعمّ الصلح المعاوضي الواقع في مكيل أو موزون ، وهذا بخلاف روايات باب الصرف المتضمّنة لشرط التقابض ، فإنّها بأجمعها خاصّة بالبيع ولم ترد رواية مطلقة ـ كما في الربا ـ ليتعدّى منه إلى الصلح، فلاحظ الباب الثاني من أبواب الصرف من الوسائل .
فلا مناص إذن من الاقتصار على موردها والرجوع فيما عداه إلى إطلاقات الصحّة .
فالمتّجه هو التفصيل بين البابين ، لاختلاف نصوص الطرفين حسبما عرفت .
نعم ، قد يقال بأنّ صحيحة ابن مسلم تدلّ بإطلاقها على جواز المصالحة حتى مع العلم بالمفاضلة فلا يجري الربا في الصلح .
فقد روى عن أبي جعفر (عليه السلام) أ نّه قال في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه ، ولا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه ، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي «فقال : لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما» (1) .
دلّت على جواز المصالحة بين الطعامين لدى جهل كلّ من الطرفين بمقدار ماله عند الآخر ، الشامل بمقتضى الإطلاق لصورة العلم بأصل الزيادة ، كما لعلّه الغالب ، فيفارق الصلح للبيع في جواز الربا فيه ، وتكون هذه الصحيحة مقيّدة لإطلاقات عدم الجواز .
ويندفع : بقصورها عن الشمول لصورة العلم ، لظهور الجهل المفروض فيها في الجهل بالكمّيّة بقول مطلق ، فلا يدري أيّ منهما أنّ ماله عند الآخر هل هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 18 : 445 / كتاب الصلح ب 5 ح 1 .
|