ــ[412]ــ
[ 3354 ] مسألة 25 : يجوز أن يستعمل الأجير مع عدم تعيين الاُجرة وعدم إجراء صيغة الإجارة (1) فيرجع إلى اُجرة المثل ، لكنّه مكروه ، ولا يكون حينئذ من الإجارة المعاطاتيّة كما قد يُتخيّل ، لأ نّه يعتبر في المعاملة المعاطاتيّة اشتمالها على جميع شرائط تلك المعاملة عدا الصيغة ، والمفروض عدم تعيين الاُجرة في المقام ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أنّ الجواب المزبور ممّا لا إشكال ولا خلاف فيه بين الفقهاء ، ولا بدّ وأن يكون كذلك ، إذ لا موجب لعدم الجواز بوجه ، فإنّ الاستعمال ـ أي أمر شخص آخر بعمل محلّل ـ ليس بنفسه من المحرّمات ، سواء أكان ممّا له عوض أم لا ، وسواء أكان على سبيل المجّان ـ الراجع إلى استدعاء التبرّع ـ أم مع بذل العوض . كما أنّ عمل الشخص الآخر أيضاً لا شبهة في جوازه بعد أن كان الناس مسلّطين على أموالهم وأعمالهم ، فله الاختيار في أن يعمل مجّاناً أو بعوض أو أن لا يعمل ، فلا مقتضي لتوهّم الحرمة في المقام أصلاً .
عدا ما ربّما يتوهّم من دلالة رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعملنّ أجيراً حتى يعلم ما أجره» (1) .
ولكنّها محمولة على الكراهة ، لورود مثل هذا التعبير فيما لا يحتمل حرمته ، كقوله (عليه السلام) : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر» كما في صحيحة زرارة(2) ، فلا يكشف هذا اللسان إلاّ عن مزيد العناية وشدّة الاهتمام من غير أن يكون الوتر واجباً ، ولا الاستعمال في المقام حراماً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 19 : 105 / كتاب الإجارة ب 3 ح 2 .
(2) الوسائل 4 : 94 / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 29 ح 1 .
ــ[413]ــ
وممّا يرشدك إلى عدم الحرمة ولزوم حمل الرواية على الكراهـة أوّلاً : ما عرفت من التسالم وعدم الخلاف ، إذ لا تأمّل في أنّ هذه من المسائل العامّة البلوى الكثيرة الدوران ، فلو كانت الحرمة في مثلها ثابتة لكانت واضحة وشائعة ذائعة ، مع أ نّه لم يوجد خلاف في عدمها ولم يُنسَب القول بها إلى أيّ أحد كما سمعت .
وثانياً : معتبرة سليمان بن جعفر الجعفري، قال : كنت مع الرضا (عليه السلام) في بعض الحاجة فأردت أن أنصرف إلى منزلي فقال لي : «انصرف معي فبت عندي الليلة» فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المغيب فنظر إلى غلمانه يعملون في الطين أواري الدواب وغير ذلك ، وإذا معهم أسود ليس منهم «فقال : ما هذا الرجل معكم ؟ » قالوا : يعاوننا ونعطيه شيئاً «قال : قاطعتموه على اُجرته ؟ » قالوا : لا، هو يرضى منّا بما نعطيه، فأقبل عليهم يضربهم بالسوط وغضب لذلك غضباً شديداً ، فقلت : جعلت فداك ، لِمَ تدخل على نفسك ؟ «فقال : إنّي قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة أن يعمل معهم أحد (أجير . يب) حتى يقاطعوه على اُجرته ، واعلم أ نّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على اُجرته إلاّ ظنّ أ نّك قد نقصته اُجرته ، وإذا قاطعته ثمّ أعطيته اُجرته حمدك على الوفاء ، فإن زدته حبّة عرف ذلك لك ورأى أ نّك قد زدته» (1) .
فإنّ الاستئجار من غير المقاطعة لو كان حراماً لم يكن وجه لتعجّب الراوي عن غضبه (عليه السلام) وسؤاله عن منشئه ، فيعلم أنّ الفعل في نفسه لم يكن محرّماً في الشريعة ، وإنّما غضب (عليه السلام) لمخالفتهم لنهيه الشخصي المبني
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 19 : 104 / كتاب الإجارة ب 3 ح 1 . والإرية : الاخية ، وهي عروة تربط إلى وتد مدقوق وتشدّ فيها الدابّة ، وربّما قيل للمعلف ـ المصباح المنير : 8 .
ــ[414]ــ
بل عدم قصد الإنشاء منهما ولا فعل من المستأجر (1) ، بل يكون من باب العمل بالضمان ، نظير الإباحة بالضمان ، كما إذا أذن في أكل طعامه بضمان العوض ، ونظير التمليك بالضمان كما في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الحكمة التي أشار (عليه السلام) إليها من تخيّل الأجير عدم دفع تمام الاُجرة مع ترك المقاطعة ولو كان دافعاً أضعافها ، وعرفانه الزيادة مع المقاطعة ولو كانت حبّة ، وهذه الحكمة ظاهرة الدلالة على الكراهة كما لا يخفى .
(1) يعني : ولا بدّ في الإجارة المعاطاتيّة من الإنشاء وصدور فعل منهما ، من أحدهما الإيجاب ومن الآخر القبول .
وتوضيح مراده (قدس سره) : أنّ المعاملة المعاوضيّة من إجارة ونحوها متقوّمة بإنشاء المعاوضة من الطرفين ، سواء أكان المبرز له لفظاً مركّباً من إيجاب وقبول أم كان فعلاً وهو المعبّر عنه بالمعاطاة .
وهذه الضابطة غير منطبقة على المقام ، إذ الصادر من الأجير ليس إلاّ العمل الخارجي من خياطة ونحوها غير قاصد به أيّ شيء ما عدا وقوعه للآمر ، كما أنّ المستأجر لم يصدر منه إلاّ الطلب فقط ، فلم يصدر من أيّ منهما قول أو فعل يقصد به التمليك المعاوضي ، ولا شكّ أنّ مقتضى الإجارة المتحقّقة بقول أو فعل ملكيّة المستأجر للعمل ، وكذا الأجير للاُجرة قبل صدور العمل خارجاً ، فيكون كلّ منهما قد قصد التمليك وأنشأه إزاء ما ينشئه الآخر ، ويكون العمل الخارجي وفاءً بهذا الإنشاء ، ولم يتحقّق في المقام ما عدا طلب وعمل ـ كما مرّ ـ من غير أيّ قصد لإنشاء التمليك المعاوضي ولا إبرازه بمبرز ، ومعه كيف تتحقّق الإجارة المعاطاتيّة ؟!
بل الصحيح ما أفاده (قدس سره) من خروج الاستعمال المزبور عن باب
ــ[415]ــ
القرض على الأقوى من عدم كونه معاوضة . فهذه الاُمور عناوين مستقلّة غير المعاوضة ، والدليل عليها السيرة ، بل الأخبار أيضاً (1) ، وأمّا الكراهة فللأخبار أيضاً (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعاملة والمعاوضة ، لعدم تعلّق القصد بإنشاء المعاوضة من أيّ منهما ، وإنّما هو مندرج في باب العمل بالضمان في مقابل العمل المجّان ، نظير الإباحة بعوض أو التمليك بالضمان ، كما في القرض ، حيث ذكرنا في بحث البيع (1) تبعاً للشيخ (2) في مقام الفرق بينه وبين البيع : أنّ القرض لا يتضمّن أيّ معاوضة وإنّما هو تمليك على سبيل الضمان ، أي نقل للعين إلى الذمّة على وجه يتمكّن الآخذ في مقام الأداء من ردّ نفس هذا المال ، كما هو الحال في سائر موارد الضمان ، غايته أنّ السبب هنا اختياري وهو فعل المقرض .
وكيفما كان ، فالاستعمال في المقام بمثابة القرض ، غير أنّ مورد التمليك هو العمل لا العين ، فيطلب الآمر العمل من العامل مضموناً عليه ـ لا مجّاناً ـ وهو يجيبه إلى ذلك . وهذا أمر عقلائي قد جرت عليه السيرة ، وليس ذاك من باب الإجارة المعاطاتيّة في شيء ، وهو محكوم بالجواز وإن كان مكروهاً ، والتعبير عنه بالصحّة أيضاً لا وجه له كما لا يخفى .
(1) وهي في المقام الروايتان المتقدّمتان .
(2) كما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقاهة 2 : 69 .
(2) المكاسب 3 : 15 .
|