ــ[473]ــ
[ 3379 ] العاشرة : إذا آجره ليوصل مكتوبه إلى بلد كذا إلى زيد ـ مثلاً ـ في مدّة معيّنة فحصل مانع في أثناء الطريق أو بعد الوصول إلى البلد (1) ، فإن كان المستأجر عليه الإيصال وكان طيّ الطريق مقدّمة لم يستحقّ شيئاً ، وإن كان المستأجر عليه مجموع السير والإيصال استحقّ بالنسبة ، وكذا الحال في كلّ ما هو من هذا القبيل ، فالإجارة مثل الجعالة قد يكون على العمل المركّب من أجزاء ، وقد تكون على نتيجة ذلك العمل ، فمع عدم حصول تمام العمل في الصورة الاُولى يستحقّ الاُجرة بمقدار ما أتى به ، وفي الثانية لا يستحقّ شيئاً ، ومثل الصورة ما إذا جعلت الاُجرة في مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع، كما إذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الأثناء من إتمامها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فصّل (قدس سره) حينئذ بين وقوع الإجارة على نتيجة العمل أو على المجموع من حيث المجموع، وبين وقوعها على العمل المركّب من أجزاء ، فيستحقّ الاُجرة بمقدار ما أتى به في الأخير دون الأولين .
وتوضيح كلامه (قدس سره) : أنّ الصور المعقولة في المقام أربع :
الاُولى : انحلال الإجارة إلى إجارات عديدة بعدد أجزاء العمل من غير دخل للهيئة التركيبيّة ، فلوحظ كلّ جزء مستقلاًّ وبحياله قد وقعت الاُجرة بإزائه ، وقد جمع بين الكلّ في إنشاء واحد بحيث تقسّط الاُجرة على الجميع بنسبة واحدة .
كما لو استؤجر لصيام شهر بثلاثين درهماً، أو الصلاة سنة بإثني عشر ديناراً ، فصام عشرة أيّام أو صلّى شهراً فعجز عن الباقي ، فإنّ متعلّق الإجارة منبثّ في الحقيقة على ذوات الأجزاء وهو أ نّه كلّ يوم بدرهم أو كلّ شهر بدينار من غير لحاظ لصفة الانضمام والاتّصال . فلا جرم تقسّط الاُجرة ويستحقّ منها بمقدار
ــ[474]ــ
ما أتى ، وتنفسخ في الباقي . وهذا واضح ، وهو خارج عن موضوع كلامه (قدس سره) بالكلّيّة .
الثانية : وقوع الإجارة بإزاء النتيجة المترتّبة على العمل والغاية المترقّبة منه ـ من دون نظر إلى نفس العمل إلاّ كوسيلة ومقدّمة صرفة ـ كالإيصال فيما ذكره (قدس سره) من المثال ، وكتفريغ الذمّة فيما لو استؤجر للصلاة أو الصيام ، فإنّه لو حصل مانع في أثناء الطريق فلم يصل ، أو في أثناء الصلاة أو الصيام فلم يتمّ ، لم يستحقّ أيّ شيء وإن كان قد أتى ببعض المقدّمات ، لأنّ ما استؤجر عليه من الإيصال أو التفريغ لم يتحقّق حسب الفرض ، وما تحقّق خارجاً لم يكن مورداً للإيجار، كما هو الحال في سائر المقدّمات ، مثل ما لو استؤجر للصلاة فتوضّأ ومات فإنّه لا يستحقّ أيّ اُجرة إزاء ما أتى به من الوضوء ، لعين ما ذكر .
الثالثة : أن تقع الإجارة بإزاء عنوان بسيط منتزع من العمل الخارجي ـ لا أ نّه مترتّب عليه كما في السابقة ـ ولنعبّر عنه بالمجموع من حيث المجموع المنتزع من اتّصال الأجزاء وانضمام بعضها مع بعض ، حيث إنّ الموجود في الخارج إنّما هو ذوات الأجزاء بالأسر ولكنّها لم تكن مورداً للإيجار ، بل مورده العنوان الانتزاعي ، أي الأجزاء المتّصفة بكونها متّصلة والمتقيّدة بهذا الوصف العنواني .
وحكم هذه حكم الصورة السابقة في أ نّه لو وجد مانع من تحقّق المجموع لم يستحقّ شيئاً ، لما عرفت من أنّ ما تحقّق لم تتعلّق به الإجارة ، وما تعلّقت به لم يتحقّق ، كما مثّل له في المتن بما لو استؤجر للصلاة أو الصيام فحصل في الأثناء مانع عن الإتمام .
الرابعة : أن تقع الإجارة بإزاء المجموع ، لكن لا بوصف أ نّه مجموع ـ كما في السابقة ـ ليكون بسيطاً ، بل ذات المجموع الراجع إلى تعلّق الإجارة بإزاء كلّ
ــ[475]ــ
جزء من العمل مشروطاً بالتركّب والاجتماع ، فلوحظت صفة الانضمام شرطاً في كلّ جزء لا قيداً ، وهذا هو المتعارف خارجاً ، كما في بيع شيئين صفقة ، حيث إنّ المبيع هو نفس كلّ من الجزأين ، لكن لا مطلقاً ، بل بشرط الانضمام ، فلو تخلّف صحّ البيع ، لعدم وقوعه بإزاء العنوان البسيط حتى يقال : إنّ ما وقع عليه البيع لم يسلَّم للمشتري وما سُلِّم له لم يتعلّق به البيع ، بل بإزاء ذات كلّ منهما ، غاية الأمر أنّ تخلّف الشرط يستوجب تعلّق الخيار .
وهذا بعينه يجري في الإيجار ، فإنّه إذا آجر داره سنة أو استأجره ليذهب بالمكتوب إلى بلد كذا ، لا على سبيل التقسيط ـ كما في الصورة الاُولى ـ ولا على العنوان البسيط ـ كما في الثالثة ـ فإنّ مرجعه حينئذ إلى تعلّق الإجارة بكلّ جزء ولكن مشروطاً بالاجتماع والانضمان ، فلو تخلّف فقد تحقّق المستأجر عليه ، ومن ثمّ استحقّ الاُجرة بإزائه ، غايته ثبوت الخيار فيستحقّ اُجرة المثل لو فسخ .
فما ذكره (قدس سره) في المتن من الصحّة في هذه الصورة واستحقاقه الاُجرة المسمّاة بمقدار ما أتى به حسنٌ وفي محلّه ، غير أ نّه يثبت له الخيار أيضاً حسبما عرفت وإن لم يتعرّض له في المتن ، وأ نّه لو فسخ حينئذ يرجع فيما مضى إلى اُجرة المثل دون المسمّاة .
وملخّص الكلام : أنّ الإجارة قد تقع بإزاء نفس الأجزاء من غير لحاظ وصف الانضمام لا شرطاً ولا قيداً ، كما هو المتفاهم العرفي فيما لا يكون هناك غرض في الاتّصال كالصيام شهراً أو الصلاة سنة ، ولا إشكال في مثله في الانحلال لو أتى ببعض العمل دون بعض . وهو خارج عن محلّ الكلام .
واُخرى : بإزائها مشروطاً بالانضمام ، وحكمها الصحّة لو تخلّف مع ثبوت الخيار .
وثالثةً : بإزاء العنوان البسيط المترتّب ، كتفريغ الذمّة ، أو إيصال المكتوب ،
ــ[476]ــ
المترتّبين على تحقّق العمل الخارجي .
ورابعةً : بإزاء عنوان بسيط منتزع لوحظت فيه الوحدة الاعتباريّة ، ويعبّر عنه بالمجموع من حيث المجموع ، الراجع إلى لحاظ الانضمام والاتّصال قيداً فيما وقعت الإجارة عليه لا شرطاً .
وفي هاتين الصورتين لايستحقّ الأجير شيئاً لو أتى ببعض العمل دون بعض .
أمّا الاُولى منهما : فظاهر ، لأنّ ما تعلّقت به الإجارة لم يقع ، وما وقع لم تتعلّق به الإجارة .
وكذا الثانية ، لعين ما ذكر بعد وضوح مغايرة الماهية بشرط شيء مع الماهية بشرط لا ، فإنّ الانضمام بعد أن لوحظ قيداً في متعلّق الإجارة فلا جرم كان الواجد للقيد مبايناً مع الفاقد له مباينة الماهية بشرط شيء معها بشرط لا . فإذن لم يكن المأتيّ به خارجاً الفاقد للقيد مورداً للإيجار ، كما أ نّه لم يصدر بأمر من المسـتأجر ، فلا يسـتحقّ الأجير شـيئاً عليه ، لما عرفت من عدم ورود الإجارة على ما وقع ، وعدم كون ما وقع مورداً للإجارة .
ولا فرق في ذلك بين ما إذا كانت الأجزاء الفاقدة للقيد المزبور ذات ماليّة في أنفسها عند العقلاء أو لا ، لوحدة المناط ، فكما لا يستحقّ الأجير شيئاً على ما أتى به من بعض العمل الفاقد للماليّة بالكلّيّة ـ كركعة واحدة من الصلاة ، أو الإمساك نصف اليوم ـ فكذا على ما كان متّصفاً بها ، كما لو استؤجر للاعتكاف عن زيد ـ الذي هو عنوان بسيط منتزع من مجموع الصيام ـ ثلاثة أيّام في المسجد بشرائط خاصّة ، فصام يوماً واحداً عنه ومات ، فإنّ هذا الجزء وإن كان ذا ماليّة عقلائيّة إلاّ أ نّه لمّا لم يقع بنفسه مورداً للإجارة والمفروض عدم صدوره بأمر من المستأجر فلا يستحقّ العامل اُجرة عليه .
|