ــ[499]ــ
بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء أو بشرطه(1) إذا كان مظنوناً بل مطلقاً ((1)) .
وما قيل من عدم جواز ذلك ، لأنّ البرء بيد الله فليس اختياريّاً له ، وأنّ اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لا الإجارة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثلها الجهالة بعد معلوميّة متعلّق الإجارة ونحوها المقاطعة مع الطبيب للمعالجة، فلا يلزم ذكر المدّة بعد كونها متعارفة وأ نّه يموت فيها أو يبرأ عادةً .
(1) قد تتعلّق الإجارة بحصّة خاصّة من المعالجة، وهي المتّصفة بكونها موصلة إلى البرء، والمتقيّدة بهذا الوصف العنواني . واُخرى : تتعلّق بطبيعي المعالجة ويكون الإيصال إلى البرء شرطاً ملحوظاً في العقد لا يترتّب على فقده إلاّ الخيار . وعلى التقديرين فقد حكم الماتن (قدس سره) بصحّة المقاطعة، سواء أكان البرء مظنوناً أم مشكوكاً .
وأجاب (قدس سره) عمّا قيل بعدم الجواز استناداً إلى خروج البرء عن الاختيار فلا يصحّ أخذه شرطاً ولا قيداً في الإجارة إلاّ إذا كان على سبيل الجعالة ، بكفاية كون مقدّماته العاديّة اختياريّة ، وإلاّ لما صحّت الجعالة أيضاً ، لعدم صحّة الجعالة على أمر غير اختياري .
أقول : أمّا المقاطعة المزبورة على سبيل الاشتراط فالظاهر جوازها كما ذكره (قدس سره) ، لما مرّ غير مرّة من رجوع الشرط المبني عليه العقد إلى الالتزام بالفعل تارةً ، وإلى جعل الخيار على تقدير التخلّف تارةً اُخرى ، أعني : ما إذا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يشكل الحكم بالصحّة في فرض التقييد مع الظنّ بالبرء أيضاً . نعم ، لا تبعد الصحّة مع الاطمئنان به .
ــ[500]ــ
فيه : أ نّه يكفي كون مقدّماته العاديّة اختياريّة ولا يضرّ التخلّف في بعض الأوقات ، كيف ؟! وإلاّ لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً ((1)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الشرط خارجاً عن الاختيار وغير قابل لوقوعه مورداً للإلزام والالتزام ، كبيع العبد بشرط أن يكون كاتباً ، فإنّ الكتابة وإن كانت خارجة عن القدرة إلاّ أنّ اشتراطها لا يضرّ بصحّة العقد ، فإنّ مرجعه إلى عدم الالتزام به على تقدير التخلّف . إذن فلا مانع من اشتراط البرء وإن كان خارجاً عن اختيار الطبيب بعد أن كان متعلّق الإجارة ـ وهي ذات المعالجة ـ مقدورة ، غايته ثبوت الخيار على تقدير التخلّف . وهذا ظاهر .
وأمّا المقاطعة على سبيل التقييد بأن يكون متعلّق الإجارة خصوص الحصّة الموصلة من المعالجة إلى البرء لا طبيعيّها فالظاهر عدم جوازها .
أمّا أوّلاً : فلأجل لزوم الغرر ، إذ بعد فرض عدم العلم بالإيصال وخروج البرء عن تحت الاختيار واختصاص القدرة بذات المعالجة لا هي مع النتيجة التي قد تحصل وقد لا تحصل ، فالإجارة مع هذه الحالة غرريّة لا محالة ، فتبطل .
وأمّا ثانياً : فمع الإغماض عن ذلك وتسليم عدم نهوض دليل على بطلان المعاملة الغرريّة فيما عدا البيع ـ كما قيل ـ فيكفي في الحكم بالبطلان لزوم التعليق المجمع على قدحه في العقود .
بيان ذلك أ نّا قد ذكرنا في الاُصول في مطاوي مباحث الواجب المعلّق والمشروط (2) : أنّ القيود الملحوظة في مورد التكليف على ضربين : فتارةً تكون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفرق بين الجعالة والإجارة من هذه الجهة ظاهر .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 324 و 347 وما بعدها .
ــ[501]ــ
اختياريّة كالطهارة بالإضافة إلى الصلاة، واُخرى غير اختياريّة كالوقت بالنسبة إليها .
أمّا القيد الاختياري فهو على نحوين : إذ قد يؤخذ في متعلّق التكليف بحيث يقع التقيّد به تحت الأمر كذات المقيّد فيكون الوجوب حينئذ مطلقاً وإن كان الواجب مقيّداً .
واُخرى : يؤخذ في موضوع التكليف بحيث يتوقّف التكليف عليه ، ويكون مفروض الوجود في مرتبة سابقة على تعلّق الأمر ، فلا أمر إلاّ عند فرض وجوده وتحقّقه ، فلا جرم يكون الوجوب حينئذ مشروطاً به كنفس الواجب .
وهذان النحوان كلاهما ممكن في مقام الثبوت ، ولا بدّ في مرحلة الإثبات من اتّباع ظاهر الدليل الذي يختلف حسب الاختلاف في كيفيّة التعبير ، إذ قد يقال هكذا : إنّ تطهّرت فصلّ ، واُخرى يقال : صلّ متطهّراً . والثاني ظاهر في أخذ الطهارة في متعلّق الأمر، والأوّل ظاهر في أخذها في موضوعه ، وكذا مثل قوله : إن سافرت فقصّر ، وهكذا .
وأمّا القيد غير الاختياري فيمتنع فيه النحو الأوّل ، ضرورة أنّ المقيّد بقيد غير اختياري غير اختياري للمكلّف ، فكيف يمكن وقوعه تحت الطلب وصيرورته متعلّقاً للتكليف؟! فلا مناص في مثله من النحو الثاني، ومن ثمّ لا يفرق الحال في مرحلة الإثبات ، ولا اثر للاختلاف في كيفيّة التعبير ، فسواء أقال المولى : إذا زالت الشمس فصلّ، أم قال : صلّ عند زوال الشمس ، لا يراد من كلا التعبيرين إلاّ مطلب واحد ، وهو إناطة الوجوب بالزوال وكونه مفروض الوجود لدى تعلّق التكليف بالصلاة ، لامتناع إرادة غيره حسبما عرفت .
وبالجملة : المقيّد بقيد غير اختياري إنّما يكون مقدوراً بعد فرض وجود
ــ[502]ــ
القيد خارجاً ، مثل قوله : صلّ إلى القبلة ، فإنّ القبلة نفسها وإن كانت غير مقدورة إلاّ أ نّه بعد فرض وجودها خارجاً فكما أنّ ذات المقيّد ـ أعني : طبيعي الصلاة ـ مقدورة فكذا تقيّدها ، فيمكن إيقاعها إلى القبلة وإلى غيرها ، وأمّا قبل فرض الوجود فيستحيل أن يقع مورداً للتكليف .
ثمّ إنّ هذا البيان كما يجري في الحكم التكليفي يجري في الحكم الوضعي أيضاً بمناط واحد ، فالعمل المقيّد بأمر غير اختياري إنّما يتمكّن الأجير من تمليكه لدى فرض وجود القيد خارجاً ، أمّا قبله فيمتنع التمليك ، ضرورة أنّ المقيّد بغير المقدور غير مقدور للأجير ، فكيف يسعه تمليكه ؟!
إذن فالإجارة الواقعة على المعالجة المقيّدة بالبرء الخارج عن الاختيار إنّما يصحّ إنشاؤها معلّقة على فرض وجود البرء وتحقّقه خارجاً ، لاختصاص المقدوريّة المسوّغة للتمليك بهذه الصورة ، فلا جرم يلزم التعليق المجمع على بطلانه في العقود كما ذكرنا ، فتبطل الإجارة بذلك .
ومن المعلوم عدم الفرق في بطلان التعليق للعقد بين كون المعلّق عليه فعله سبحانه ـ كما في المقام ـ أو فعل شخص آخر ، كقدوم زيد من السفر .
نعم ، لا بأس بالتعليق فيما يُطمأنّ بوجود المعلّق عليه ، الذي هو بمثابة العلم الوجداني ، إذ التعليق على أمر حاصل أو معلوم الحصول في الآجل ـ كطلوع الشمس غداً ـ لا ضير فيه وإن لم يكن القيد مقدوراً ، بل أنّ هذا في الحقيقة صورة تعليق وليس من التعليق الحقيقي في شيء ، فلا يكون قادحاً .
فاتّضح أنّ ما ذكره في المتن من جواز المقاطعة حتى على سبيل التقييد مع الظنّ بل مع الشكّ أيضاً لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، وإن صحّت في صورة الاطمئنان الملحق بالعلم والرافع لواقع التعليق حينئذ حسبما عرفت .
|