ــ[18]ــ
[ 2982 ] مسألة 1: يستحب للصبي المميز أن يحج وإن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام(1)، ولكن هل يتوقف ذلك على إذن الولي أو لا؟ المشهور بل قيل : لاخلاف فيه أنه مشروط بإذنه ، لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهدي والكفّارة، ولأنه عبادة متلقاة من الشرع مخالف للأصل فيجب الاقتصار فيه على المتيقن، وفيه: أنه ليس تصرفاً مالياً وإن كان ربّما يستتبع المال (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيء كما ثبت في علم الاُصول .
(1) تدل عليه نفس الروايات المتقدمة الدالة على عدم إجزاء حجّته عن حجّة الإسلام ، فإنه لا بدّ من فرض صحّة حجّه حتى يقال بالإجزاء أو بعدم الإجزاء ، وإلاّ فالحج الباطل لا مجال لإجزائه عن حجّة الإسلام أصلاً . وبالجملة لا إشكال في مشروعية الحجّ واستحبابه له .
(2) بعد الفراغ عن استحباب الحجّ للصبي وقع الكلام في أنه هل يتوقّف حجّه على إذن الولي أو لا ؟ المشهور أنه مشروط بإذنه ، ويستدل لهم بوجهين ذكرهما في المتن :
الأوّل : أنه عبادة توقيفية متلقاة من الشرع ومخالف للأصل فيجب الإقتصار فيه على المتيقن .
وفيه : أن الأمر وإن كان كذلك ، ولكن يكفي في مشروعيته ورجحانه إطلاق ما تقدم من الروايات الدالة على استحبابه ورجحانه وصحته له .
الثاني : أن بعض أحكام الحجّ مستتبع للتصرف في المال ، فلا بدّ له من إذن الولي كالكفّارات وثمن الهدي .
وفيه أوّلاً : يمكن أن يقال بعدم ثبوت الكفّارات عليه ، لأن عمد الصبي وخطأه واحد ، وإتيانه ببعض المحرمات لا يوجب الكفّارات .
وثانياً : لو سلمنا ثبوت الكفّارة ، وأنه لا فرق في ثبوتها بفعل البالغ والصبي ، فإن
ــ[19]ــ
وأن العمومات كافية في صحته وشرعيته مطلقاً ، فالأقوى عدم الإشتراط في صحته وإن وجب الإستئذان في بعض الصور ، وأما البالغ فلا يعتبر في حجّه المندوب إذن الأبوين إن لم يكن مستلزماً للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيتهما ، وأما في حجّه الواجب فلا إشكال (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمكن الاستئذان من الولي فهو ، وإلاّ فيدخل في العاجز ، ومجرد ذلك لا يوجب سقوط الحجّ وتوقفه على إذن الولي . بل يمكن الإلتزام بأنه يأتي بالكفارة بعد البلوغ ، وهكذا ثمن الهدي إن أمكن الاستئذان من الولي فهو ، وإلاّ فيكون عاجزاً عن الهدي فالأقوى عدم اشتراط إذن الولي .
(1) لا ينبغي الريب في أن حجّ البالغ الواجب لا يعتبر فيه إذن الأبوين ، لعدم الدليل على ذلك ، وسلطنة الغير على الشخص ـ حتى الأبوين على الولد ـ خلاف الأصل وتحتاج إلى دليل ولا دليل . وكذا لا يسقط وجوبه بنهي الأبوين ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وهذا مما كلام فيه .
إنما الكلام في حجّه المندوب ، فقد وقع فيه الخلاف ، فعن الشهيد الثاني في المسالك توقفه على إذن الأبوين معاً (1) واعتبر العلاّمة في القواعد إذن الأب خاصّة (2) ، وعن الشيخ (3) والشهيد الأوّل عدم اعتبار استئذانهما (4) ، واعترف في المدارك(5) والذخيرة بعدم ورود نص في خصوص المسألة (6) .
وذكر صاحب الحدائق أن النص موجود ، وهو دال على اعتبار إذنهما معاً (7) ، وهو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المسالك 2 : 126 .
(2) القواعد 1 : 72 السطر 10 .
(3) الخلاف 2 : 432 المسألة 327 .
(4) الروضة البهية 2 : 164 .
(5) المدارك 7 : 24 .
(6) الذخيرة : 558 السطر 14 .
(7) الحدائق 14 : 65 .
ــ[20]ــ
ما رواه الصدوق في العلل في حديث عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلاّ بإذن صاحبه إلى أن قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ومن برّ الولد أن لا يصوم تطوعاً ولا يحجّ تطوّعاً ولا يصلِّي تطوّعاً إلاّ بإذن أبويه وأمرهما» (1) .
والرواية صريحة الدلالة على توقف الحجّ على إذن الأبوين معاً . ولا إشكال في السند أيضاً إلاّ من حيث اشتماله على أحمد بن هلال ، ولكن قد ذكرنا غير مرّة أن الأظهر وثاقته وإن كان فاسد العقيدة ، وقد وثقه النجاشي بقوله : صالح الرواية (2) وذكروا في ترجمته أنه كان من أصحابنا الصالحين وممن يتوقع الوكالة والنيابة عنه (عليه السلام) ، وحيث لم يجعل له هذا المنصب رجع عن عقيدته وتشيّعه إلى النصب وقد قيل في حقه : ما سمعنا بمتشيع رجع عن تشيعه إلى النصب إلاّ أحمد بن هلال وكان يظهر الغلو أحياناً ، ولذا استفاد شيخنا الأنصاري (قدس سره) أن الرجل لم يكن يتدين بشيء ، للبون البعيد بين الغلو والنصب ، فيعلم من ذلك أنه لم يكن متديناً بدين وكان يتكلم بما تشتهيه نفسه(3) .
ولكن كل ذلك لا يضرّ بوثاقة الرجل وأنه في نفسه ثقة وصالح الرواية ، ولا تنافي بين فساد العقيدة والوثاقة .
ويؤيِّد ما ذكرنا تفصيل الشيخ بين ما رواه حال الإستقامة وما رواه حال الضلال(4) ، فإن هذا شهادة منه بوثاقة الرجل ، فإنه لو لم يكن ثقة لم يجز العمل برواياته مطلقاً حتى حال الإستقامة .
وبالجملة : الرواية معتبرة سنداً ، والدلالة واضحة ، ولكن مع ذلك لا يمكن الأخذ بها ، لأن الكافي روى هذه الرواية بعينها بلا زيادة «ومن برّ الولد إلى الآخر»(5) وكذا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 530 / أبواب صوم المحرم ب 10 ح 3 .
(2) رجال النجاشي : 83 / 199 .
(3) كتاب الطهارة : 57 السطر 13 (فصل في الماء المستعمل) .
(4) عدّة الاُصول 1 : 57 السطر 1 .
(5) الكافي 4 : 151 / 2 .
ــ[21]ــ
الصدوق رواها في الفقيه بلا زيادة الحجّ ، ولا الصلاة (1) .
والظاهر أن الرواية واحدة سنداً ومتناً ، حتى لا اختلاف في الألفاظ إلاّ يسيراً ولم يعلم أن هذه الزيادة مما ذكره الإمام (عليه السلام) أم لا ، مع أن الكافي أضبط ، بل الفقيه أضبط من العلل ، ومع هذا الإختلاف لا يمكن الإعتماد على صحّة هذه الزيادة . ومع الغض عن ذلك لا يمكن الإعتماد على الرواية لوجهين آخرين :
أحدهما : اشتمال الرواية على توقف الصلاة تطوعاً على إذن الأبوين ، وهذا مما لم ينسب إلى أحد أصلاً ، فلا بدّ من حمل ذلك على أمر أخلاقي أدبي ، يعني من الآداب والأخلاق الفاضلة شدة الإهتمام بأمر الوالدين ، وتحصيل رضاهما وطاعتهما حتى في مثل الصلاة والصوم ونحوهما من العبادات الإلهية ، فليست الرواية في مقام بيان الحكم الشرعي .
ثانيهما : اشتمال الرواية على اعتبار أمر الوالدين في صحّة الصوم والصلاة والحجّ مع أن ذلك غير معتبر جزماً ، إذ غاية ما يمكن أن يقال اعتبار رضاهما ، وأما اعتبار أمرهما فغير لازم قطعاً .
والحاصل : اشتمال الرواية على ذكر الصلاة وذكر أمرهما كاشف عن أن الرواية ليست في مقام بيان الحكم الشرعي ، بل إنما هي واردة في مقام بيان أمر أخلاقي فيكون الإستئذان من جملة الآداب والأخلاق .
وممّا يؤكد سقوط الرواية عن الحجية قول الصدوق في العلل ، فإنه بعدما ذكر الخبر قال : جاء هذا الحديث هكذا «ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحجّ تطوعاً كان أو فريضة ، ولا في ترك الصلاة ، ولا في ترك الصوم تطوعاً كان أو فريضة ، ولا في شيء من ترك الطاعات» (2) .
هذا ، ولو استلزم السفر إلى الحجّ أذيتهما ، حرم السفر لدلالة بعض الآيات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقيه 2 : 99 / 445 .
(2) علل الشرائع 2 : 385 / ب 115 ح 4 .
|