ــ[67]ــ
ومع عدمه يسقط الوجوب (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يظهر من جملة اُخرى من النصوص عدم الفرق بين وجود الزاد والراحلة عيناً ووجود بدلهما وقيمتهما .
ففي صحيحة معاوية بن عمار الواردة في تفسير الآية الشريفة «هذه لمن كان عنده مال» (1) .
وفي صحيحته الاُخرى عن رجل له مال ولم يحج قط قال : «هو مَن قال الله تعالى : ونحشره يوم القيامة أعمى» (2) .
وفي صحيحة الحلبي «إذا قدر الرجل على ما يحج به»(3) وما يحج به أعم من عين الزاد والراحلة وقيمتهما ، لصدق عنوان ما يحج به على ذلك جميعاً .
(1) الزاد من الطعام والماء بل وعلف الدابة ونحو ذلك من الحوائج إن كانت موجودة في كل منزل ينزله في الطريق فلا يجب الحمل ، وإن لم تكن موجودة في الطريق واحتاج إلى الحمل كالسفر في البر والبحر ، فذهب جماعة إلى عدم وجوب الحمل ، لأنه من تحصيل الإستطاعة ، ويسقط وجوب الحجّ حينئذ ، وذهب آخرون إلى وجوب الحمل ، إلاّ إذا كان حرجياً زائداً على ما يقتضيه الحجّ ، وهذا القول هو الصحيح ، لصدق أن له زاداً على ما إذا تمكن من حمله ، وإن لم يكن موجوداً في الطريق ، ولا يختص بوجوده في الطريق بل عليه أن يحمله ، ولو بأن يستأجر دابّة لحمله .
والحاصل : لو استطاع أن يحمل الزاد ولو بأن تحمّله الدابة ، وجب عليه ذلك ومجرّد عدم وجدان الزاد في الطريق لا يوجب سقوط الحجّ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 25 / أبواب وجوب الحجّ ب 6 ح 1 .
(2) الوسائل 11 : 25 / أبواب وجوب الحجّ ب 6 ح 2 .
(3) الوسائل 11 : 25 / أبواب وجوب الحجّ ب 6 ح 3 .
ــ[68]ــ
[ 3001 ] مسألة 4 : المراد بالزاد هنا المأكول والمشروب وسائر ما يحتاج إليه المسافر من الأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج إليه وجميع ضروريات ذلك السفر بحسب حاله قوّة وضعفاً وزمانه : حرّاً وبرداً وشأنه : شرفاً وضعة ، والمراد بالراحلة : مطلق ما يركب ولو مثل سفينة في طريق البحر ، واللاّزم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة والضعف ، بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة والشرف كماً وكيفاً (1) ، فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعد ما دونهما نقصاً عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اختلف الأصحاب في اعتبار الراحلة من حيث الضعة والشرف ، فذهب جماعة إلى مراعاة شأن المكلف وحاله ضعة وشرفاً بالنسبة إلى الراحلة ، وذهب آخرون إلى عدم اعتبار ذلك .
واستدل الأوّل بنفي الحرج ، فإن الدليل وإن كان مطلقاً من هذه الجهة ، إلاّ أن قاعدة نفي الحرج حاكمة على الإطلاقات .
وربما يشكل التمسك بنفي الحرج ، من جهة أن مقتضى حكومة نفي الحرج هو نفي الوجوب لا نفي المشروعية ، والكلام في الثاني ، وعليه لو تحمل الحرج يحكم بصحة حجّه وإجزائه عن حجّ الإسلام ، فعدم الإجزاء يحتاج إلى الدليل ولا دليل .
والحاصل : أن اقصى ما تدل عليه قاعدة نفي الحرج ، هو نفي الوجوب لا نفي المشروعية ، فلو تحمل الحرج فمقتضى القاعـدة هو الحكم بالصحّة والإجزاء ، إذ لا منافاة بين كون الشيء غير واجب في الشريعة ، وبين الحكم بالإجزاء بمقتضى الجمع بين الأدلّة ـ أدلّة نفي الحرج والإطلاقات ـ .
ونظير ذلك ما لو توضأ الصبي ثمّ بلغ ، فإنه لا حاجة إلى إعادة وضوئه ، بناء على مشروعية عباداته وعدم كونها تمرينية ، فإن الوضوء الصادر منه وإن كان غير واجب ، لكنه يجزئ عن الواجب ، وهكذا المقام .
ــ[69]ــ
يشترط في الوجوب القدرة عليه ولا يكفي ما دونه وإن كانت الآية والأخبار مطلقة ، وذلك لحكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الإطلاقات ، نعم إذا لم يكن بحد الحرج وجب معه الحجّ ، وعليه يحمل ما في بعض الأخبار : من وجوبه ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه : أن قياس المقام وتنظيره بالوضوء الصادر من الصبي باطل ، لأن الوضوء هو الطهور وهو حقيقة واحدة غير مختلفة ، وهي حاصلة على الفرض لصحة عبادات الصبي ، فلا وجه لإتيان الوضوء مرة ثانية بعد فرض حصول الطهارة ، وهذا بخلاف الحجّ ، فإن له حقائق مختلفة كما تقدّم ، فإن الحجّ الذي افترضه الله على العباد وجعله مما بني عليه الإسلام ، المسمّى بحجّ الإسلام في الروايات ، مشروط بعدم العسر بمقتضى قاعدة نفي الحرج ، فما يصدر منه حال العسر والحرج ، ليس بحجة الإسلام ، إذ اليسر بمقتضى القاعدة مأخوذ في حجّة الإسلام ، فإذا تحمل الحرج والعسر في أعمال الحجّ ، لم يكن حجّه بحجة الإسلام ، ولا دليل على إجزائه عن حجّة الإسلام فالإجزاء يحتاج إلى الدليل لا عدمه .
وبعبارة اُخرى : الحجّ الذي افترضه الله على العباد مرة واحدة في العمر ، وجعله مما بني عليه الإسلام ، مشروط بعدم العسر بمقتضى نفي الحرج ، فإذا أتى بالحج حرجاً ومعسراً ، لم يكن حجّه بحجة الإسلام ، فإن حجّة الإسلام تمتاز من بين أقسامه بأخذ اليسار في موضوعه ، ولا تتصف حجّة الإسلام بالجواز وعدم الوجوب ، فالإجزاء يحتاج إلى الدليل . وممّا يدل على اعتبار اليسار في حجّة الإسلام وعدم وجوبه عند العسر والحرج موثق أبي بصير «من مات وهو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال الله عزّ وجلّ : (ونحشره يوم القيامة أعمى)(1) فإن المستفاد منه أنه لو كان معسراً لا يشمله قوله تعالى : (ونحشره يوم القيامة أعمى) .
نعم ، وردت روايات اُخر في إتيان الحجّ وإن كان عسراً وحرجياً كصحيحة أبي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 27 / أبواب وجوب الحجّ ب 6 ح 7 .
|