ــ[108]ــ
أنه كان بقدر الاستطاعة ، فلا وجه لما ذكره المحقق القمي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب لأنه لجهله لم يصر مورداً وبعد النقل والتذكر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقر عليه ، لأن عدم التمكن من جهة الجهل والغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي ، والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي ، وهي موجودة ، والعلم شرط في التنجّز لا في أصل التكليف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واقعاً ، فإذا انكشف وتبين الخلاف يجب عليه إتيان الحجّ لاستقراره عليه ، لأنّ العلم بالاستطاعة لم يؤخذ في الموضوع ، وإنما الموضوع وجود ما يحج به واقعاً ، والجاهل بالجهل البسيط يتمكن من إتيان الحجّ ولو احتياطاً ، فلا مانع من توجه التكليف إليه واقعاً .
وأمّا في مورد الجهل المركّب فلا يتوجّه إليه التكليف واقعاً ، لعدم تمكّنه من الإمتثال ولو على نحو الاحتياط ، فان من كان جازماً بالعدم ومعتقداً عدم الاستطاعة لا يمكن إثبات الحكم في حقه ، فإنّ الأحكام وإن كانت مشتركة بين العالم والجاهل ولكن بالجهل البسيط الذي يتمكّن من الامتثال ، لا الجهل المركّب والجزم بالعدم الذي لا يتمكّن من الامتثال أبداً فهو كالغفلة ، ففي هذه الصورة الحق مع المحقق القمي أيضاً .
وبالجملة : ما ذكره المحقق القمي من عدم وجوب الحجّ إنما يصحّ فيما إذا كانت الغفلة غير مستندة إلى التقصير وفيما إذا كان الجهل جهلاً مركّباً ، وأمّا إذا كانت الغفلة مستندة إلى التقصير أو كان الجهل بسيطاً فالحق مع المصنف (قدس سره) .
ــ[109]ــ
[ 3023 ] مسألة 26 : إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندباً فإن قصد امتثال الأمر المتعلِّق به فعلاً وتخيل أنه الأمر الندبي أجزأ عن حجّة الإسلام لأنه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق ، وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد ((1)) لم يجزئ عنها وإن كان حجّه صحيحاً ، وكذا الحال إذا علم باستطاعته ثمّ غفل عن ذلك وأمّا لو علم بذلك وتخيل عدم فورتيها فقصد الأمر الندبي فلا يجزئ، لأ نّه يرجع إلى التقييد ((2)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر هو الإجزاء مطلقاً وليس المقام من موارد التقييد ، وإنما هو من موارد التخلّف في الداعي ، وذلك لأن التقييد إنما يتصور في الاُمور الكلية التي لها سعة وقابلة للتقسيم إلى الأنواع والأصناف ، كالصلاة حيث إنّ لها أنواعاً وأصنافاً ، كصلاة الفجر ونافلتها ونحو ذلك من الأقسام ، وأمّا الأمر الخارجي الجزئي الذي لا يقبل التقسيم فلا يتصوّر فيه التقييد .
نظير ذلك ما ذكروه من التفصيل في باب الإئتمام بزيد فبان أنه عمرو ، وقلنا هناك أنّ ذلك غير قابل للتقييد ، لأن الإئتمام قد تعلق بهذ الشخص المعين وهذا غير قابل للتقسيم، ولا سعة فيه حتى يتصوّر فيه التقييد والتضيق ، وهكذا الأمر في المقام ، فإنّ الأمر بالحج المتوجه إليه في هذه السنة أمر شخصي ثابت في ذمته وليس فيه سعة حتى يتضيق ويتقيد ، والثابت في ذمته ليس إلاّ حجّة الإسلام وقد أتى بها ، فإن حجّ الإسلام ليس إلاّ صدور هذه الأعمال من البالغ الحر المستطيع الواجد لجميع الشرائط
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ليس هذا من موارد التقييد ، وإنما هو من موارد التخلف في الداعي ، إذ المفروض أنه قصد الأمر الفعلي المتعلق بالحج ، ومن المفروض أنه مستطيع وواجد لسائر الشرائط ، فالصادر منه هو حجّة الإسـلام وإن كان هو جاهلاً به ، ولا يعتبر قصد هذا العنوان في صحّة الحجّ ، فلا يقاس المقام بما إذا قصد نافلة الفجر ثمّ علم أنه كان قد صلاها فإن ما أتى به لا يجزئ عن صلاة الفجر لأنها غير مقصودة .
(2) لا لذلك ، بل لأنّ الأمر الفعلي لم يقصد وإنما قصد الأمر الندبي المترتب على مخالفة الأمر الفعلي .
ــ[110]ــ
[ 3024 ] مسألة 27 : هل تكفي في الإستطاعة الملكيّة المتزلزلة للزاد والراحلة وغيرهما ، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معيّنة أو باعه محاباة كذلك ؟ وجهان أقواهما العدم ((1)) ، لأ نّها في معرض الزوال إلاّ إذا كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمفروض حصولها ، فالصادر منه هو حجّة الإسلام وإن كان جاهلاً به ، ولا يعتبر قصد هذا العنوان في صحّة الحجّ ، غاية ما في الباب تخيل جواز الترك وعدم الوجوب ، ومجرد تخيل الجواز غير ضائر في صحّة العمل ، كما لو فرضنا أنه صام في شهر رمضان ندباً بنية القربة وكان جاهلاً بوجوب الصوم فيه ، فإنه لا ريب في الاكتفاء به وعدم وجوب القضاء عليه ، بل لو فرضنا أنه لو علم بالوجوب لم يأت به في هذه السنة ويؤخره لغرض من الأغراض ، نلتزم بالصحة أيضاً لأنه من باب تخلّف الداعي وليس من التقييد بشيء .
وبالجملة : التقييد إنما يتصور في الاُمور الموسعة الكليّة ، وأما الاُمور الشخصية فلا يتحقق فيها التقييد نظير الأفعال الخارجية الحقيقية كالأكل ، فإن الأكل يتحقق على كل تقدير ولا معنى للتقييد فيه ، هذا كله فيما إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندباً ، أو علم باستطاعته ثمّ غفل عن ذلك .
وأمّا الفرض الثالث ، وهو ما لو علم بالوجوب وتخيل عدم فوريته فحج ندباً فذكر (قدس سره) أنه لا يجزئ لأنه يرجع إلى التقييد ، والأمر كما ذكره ، لا لذلك بل لأنّ في المقام أمرين أحدهما وجوبي والآخر ندبي مترتب على الأوّل وفي طوله لا في عرضه فإن الأمر بالضدّين إذا كان على نحو الترتب لا استحالة فيه ، لأن الأمر الثاني مترتب على عدم الاتيان بالأوّل ولو كان عن عصيان ، وقد ذكرنا في محله أن كل مورد أمكن جريان الترتب فيه يحكم بوقوعه لأنّ إمكانه مساوق لوقوعه ، فما حجّ به صحيح في نفسه ، إلاّ أنه لا يجزئ عن حجّة الإسلام ، لأنّ الأمر الفعلي لم يقصد وإنما قصد الأمر الندبي المترتب على مخالفة الأمر الفعلي ، ولا يقاس هذا الفرض بالفرضين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال بل منع .
ــ[111]ــ
واثقاً بأ نّه لا يفسخ (1) ، وكذا لو وهبه وأقبضه إذا لم يكن رحماً فإنه ما دامت العين موجودة له الرجوع ويمكن أن يقال((1)) بالوجوب هنا حيث إنّ له التصرّف في الموهوب ، فتلزم الهبة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السابقين لوحدة الأمر فيهما ، بخلاف المقام الذي تعدّد الأمر فيه على نحو الترتّب .
(1) ذكر (قدس سره) أن الأقوى عدم الاكتفاء بالملكيّة المتزلزلة في تحقّق الاسـتطاعة ، فلا يجب الحجّ بحصـول الملكية المتزلزلة إلاّ مع الوثوق بعدم زوالها وعلل ذلك بأن الملكية المتزلزلة في معرض الزوال فلا تثبت بها الاستطاعة .
أقول : لم يؤخذ هذا المعنى ـ وهو عدم كون المال في معرض الزوال ـ في موضوع الاستطاعة ، بل الموضوع ـ كما عرفت بما لا مزيد عليه ـ أن يكون عنده ما يحج به وعنده الزاد والراحلة ، وهذا المعنى صادق في المقام حتى مع علمه بالزوال ، فلو حصل له زاد وراحلة ولو بالملكية المتزلزلة يجب عليه الحجّ لتحقق الاستطاعة ، ولو علم أن المالك يفسخ ويسترجع المال ، فإن كان متمكناً من أدائه بلا حرج فلا كلام ، وإن استلزم أداؤه الحرج يسقط وجوب الحجّ لنفي الحرج ، ولو شك في الرجوع يستصحب عدمه .
وأظهر من ذلك ما ذكره أخيراً من أنه لو وهبه المال وأقبضه ولم يكن رحماً فانه يجب عليه التصرّف فيه تصرفاً لا يجوز رده ، بأن يعمل في المال عملاً تزول به سلطنة المالك على الرد ، لتحقق الاسـتطاعة وأن عنده ما يحج به وعنده الزاد والراحلة فيجب عليه حفظ القدرة بالتصرّف المانع عن رجوع المالك ، فإن الحجّ يستقر عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل هو الأوجه .
|