إجزاء الحجّ البذلي عن حجّة الإسلام - حكم رجوع الباذل للحج 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5477


ــ[139]ــ

   [ 3037 ] مسألة 40 : الحجّ البذلي مجزئ عن حجّة الإسلام ، فلا يجب عليه إذا استطاع مالاً بعد ذلك على الأقوى (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولو تنزّلنا عن جميع ذلك وفرضنا إمكان التعليق في المقام ، لكن ليس لمن عليه الزكاة أو الخمس هذا الاشتراط لعدم الولاية له على ذلك ، وإنما الثابت في حقِّه لزوم الاعطاء وإبراء ذمته من الدّين بأدائه إلى مستحقه . نعم ، له حق التطبيق في الأداء إلى مستحقه ، وله أن يختار خصوص الفقير الفلاني أو السيد الفلاني ولم تثبت له الولاية بأزيد من ذلك ، ولو صح ذلك لجاز له أن يشترط على المستحق اُموراً اُخر فيعطي خُمسه أو زكاته للمستحق ويشترط عليه خياطة ثوبه وزيارة الحسين (عليه السلام) أو يصلِّي أو يصوم عن والده ونحو ذلك وهذا ضروري البطلان . هذا تمام الكلام في إعطاء الزكاة من باب الفقر .

   المقام الثاني : إعطاء الزكاة له من سهم سبيل الله للحج . لا ينبغي الشك في أنه إذا أعطى الزكاة لشخص غير مستطيع من سهم سبيل الله ليحج بها وقلنا بجواز ذلك مطلقاً أو في خصوص ما كانت فيه مصلحة عامة على الكلام المتقدم في بحث الزكاة وجب على المعطى له قبولها وصرفها في الحجّ لأنه يكون بذلك مستطيعاً ، ولكن تقدّم الاشكال في جواز صرفها في غير ما كانت فيه مصلحة عامّة فراجع .

   (1) المشهور والمعروف بين الأصحاب إجزاء الحجّ البذلي عن حجّة الإسلام ولا يحب عليه الحجّ ثانياً إذا استطاع مالاً بعد ذلك ، خلافاً للشيخ في الاستبصار فأوجبه ثانياً إذا أيسر بعد ذلك (1) واستدل بصحيح الفضل بن عبدالملك البقباق لقوله (عليه السلام) : «وإن أيسر فليحجّ» (2) ونحوه خبر أبي بصير : «فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ» (3) ولكنّه ضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني .

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستبصار 2 : 143 / 467 .

(2) الوسائل 11 : 41 / أبواب وجوب الحجّ ب 10 ح 6 .

(3) الوسائل 11 : 57 / أبواب وجوب الحجّ ب 21 ح 5 .

ــ[140]ــ

   وذكر الشيخ في الاستبصار أن صحيح معاوية الدال على الصحة وأنها حجّة تامة لا ينافي صحيح الفضل الدال على الوجوب إذا أيسر واستطاع ، لأنّ صحيح معاوية أخبر أن ما حجّه بالبذل صحيح ويستحق بفعلها الثواب وهذا مما لا كلام ولا خلاف فيه ، بل ذكر (قدس سره) أن الوجوب إذا أيسر مطابق للاُصول الصحيحة التي تدل عليها الدلائل والأخبار(1) وفي التهذيب(2) عكس الأمر فإنه ذكر صحيح معاوية بن عمار(3) الذي هو صريح في الإجزاء ثمّ ذكر صحيح الفضل وقال (قدس سره) : إنه محمول على الاستحباب .

   ولا ريب أن ما ذكره في الاستبصار ضعيف ، لأن الحكم المستفاد من صحيح معاوية إن كان مقتصراً على الصحة فلا ينافي وجوب الحجّ ثانياً ، ولكن المستفاد منه صريحاً الإجزاء عن حجّة الإسلام لقوله : «هل يجزئ ذلك عنه عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة ؟ قال : بل هي حجّة تامة» ولو كان واجباً ثانياً لكان واجباً بوجوب آخر ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به ، لأنّ حجّ الإسلام في العمر مرّة واحدة كما صرح بذلك في صحيح هشام بن سالم : «وكلفهم حجّة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك» (4) ، فما ذكره في التهذيب من حمل صحيح البقباق على الندب هو الصحيح . ويؤيده أو يؤكده التصريح في بعض الروايات بعدم الوجوب مرة ثانية كصحيح جميل ابن دراج : «في رجل ليس له مال حجّ عن رجل أو أحجّه غيره ثمّ أصاب مالاً ، هل عليه الحجّ فقال : يجزئ عنهما جميعاً» (5) ، ويحتمل عود الضمير في قوله «عنهما» إلى ما أتى به من الحجّ وإلى ما لم يأت به ، بمعنى أن ما حجّه يجزئ ويكون صحيحاً ويجزئ أيضاً عن الحجّ إذا استطاع وأيسر ، أي لا يجب عليه الحجّ ثانياً إذا أيسر ، ويحتمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستبصار 2 : 143 / 468 .

(2) التهذيب 5 : 7 / 17 .

(3) الوسائل 11 : 40 / أبواب وجوب الحجّ ب 10 ح 2 .

(4) الوسائل 11 : 19 / أبواب وجوب الحجّ ب 3 ح 1 .

(5) الوسائل 11 : 57 / أبواب وجوب الحجّ ب 21 ح 6 .

 
 

ــ[141]ــ

   [ 3038 ] مسألة 41 : يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام وفي جواز رجوعه عنه بعده وجهان ((1)) ، ولو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع قبل الإقباض وعدمه بعده إذا كانت لذي رحم أو بعد تصرف الموهوب له (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عوده وإرجاعه إلى الشخصين أي النائب والمبذول له ، ولكن في مورد النائب نلتزم بالحج عليه إذا أيسر لأجل دليل آخر دال على عدم سقوطه عنه .

   (1) لا ريب في جواز الرجوع قبل الإحرام سواء كان إعطاء المال له على نحو البذل وإباحة التصرف ، أو كان على نحو الهبة إذا لم تكن لذي رحم أو لم يتصرّف فيها تصرفاً مانعاً عن الرجوع ، لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم وجواز الرجوع في الهبة ، إنما الكلام في جواز الرجوع بعد الاحرام ففيه وجهان :

   الأوّل : جواز الرجوع ، لأنّ المال باق على ملك مالكه والمفروض أنه لم يملّكه وإنما أباح له التصرف فله الرجوع إلى ماله وملكه ، ولو فرضنا أنه خرج عن ملكه بالهبة فله الرجوع أيضاً إذا لم تكن لذي رحم وكان قبل تصرّف الموهوب له ، ولا موجب لإلزامه بالاستمرار بالبذل . وبعبارة اُخرى : المال المبذول يجوز الرجوع إليه وإن خرج عن ملكه بالهبة ما لم تكن هناك جهة ملزمة فضلاً عما إذا لم يخرج .

   الثاني : عدم جواز الرجوع ، لوجوب إتمام العمل على المبذول له ، وإذا وجب عليه الاتمام فليس للباذل الرجوع ، لأنه يستلزم تفويت الواجب عليه وعدم تمكّنه من الاتمام الذي يجب عليه ، نظير من أذن لغيره في الصلاة في ملكه فإنه بعدما شرع في الصلاة ليس للآذن الرجوع عن إذنه ، لأنه يستلزم تفويت الواجب عليه من وجوب إتمام الصلاة وحرمة قطعها ، فلا أثر لمنع المالك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر هو الجواز ، وعلى المبذول له الإتمام إذا كان مستطيعاً فعلاً ، وعلى الباذل ضمان ما يصرفه في الإتمام .

ــ[142]ــ

   أقول : الحكم بعدم جواز الرجوع عن الاذن لم يثبت في المقيس عليه لعدم ثبوت حرمة قطع الصلاة ، ولو سلمنا حرمة القطع فلا تشمل المقام ، لأنّ الدليل على وجوب إتمام الصلاة وحرمة قطعها ليس إلاّ الاجماع المدعى ، والقدر المتيقن منه غير المقام ، بل إذا رجع المالك عن إذنه فليس للمصلي الإتمام لأنه يستلزم الغصب .

   وأمّا عدم جواز الرجوع عن البذل بعد الإحرام ففيه :

   أوّلاً : أن عدم جواز الرجوع يتوقف على الالتزام بوجوب الاتمام حتى بعد رجوع الباذل ، ويمكن المناقشة في ذلك بأن الاستطاعة شرط للحج حدوثاً وبقاء ، وإذا لم يستمر الباذل في بذله يكشف عن عدم استطاعته من أوّل الأمر ، نظير ما إذا سرق ماله في الطريق فإن الحجّ مشروط بالاستطاعة حدوثاً وبقاء ، وإذا زالت الاستطاعة بقاء بسرقة أمواله وفقدانها أو برجوع الباذل عن بذله ارتفع وجوب الحجّ ، وإذا لم يكن واجباً لا يجب عليه الاتمام ، والمفروض أنه لم يأت به ندباً حتى يتمه ، وإنما دخل في الاحرام بعنوان أنه مستطيع وأنه حجّ الإسلام الواجب عليه ، ثمّ ينكشف أنه لم يكن واجباً ولم يكن بحج الإسلام فله أن يرفع يده ويذهب إلى بلاده ، وإتمامه بعنوان آخر يحتاج إلى دليل .

   وبعبارة اُخرى : إنما يجب الاتمام فيما إذا أتى به من أوّل الأمر بعنوان المستحب وأمّا إذا أتى به بعنوان الوجوب ثمّ انكشف عدمه فلا دليل على وجوب الاتمام .

   وثانياً : لو فرضنا وجوب الاتمام على المبذول له ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب استمرار البذل على الباذل ، والمفروض أن المال ماله ولم يصدر منه ما يوجب خروجه عن ملكه فيجوز له التصرّف في ماله متى شاء . نعم ، إذا قلنا بوجوب الاتمام على المبذول  له يكون الباذل ضامناً ، لأنّ الباذل أذن له في الاحرام والإذن في الشروع إذن في الاتمام قهراً ، لأنّ الاذن في الشيء إذن في لوازمه ، وكل عمل يقع بأمر الغير يقع مضموناً عليه ، وثبوت الضمان عليه لا ينافي جواز رجوعه عن البذل واسترداد المال الموجود ، غاية الأمر يضمن له مصاريفه ، لقيام السيرة على ضمان العمل الذي صدر بأمر الآمر .

ــ[143]ــ

   [ 3039 ] مسألة 42 : إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وبالجملة : مقتضى القواعد ضمان الباذل لمصاريف العمل لا عدم جواز رجوعه إلى المال المبذول ، وضمان العمل شيء وعدم جواز رجوعه أمر آخر ، ومن هنا يظهر أنه لا يمكن التمسك بقاعدة الغرور لعدم جواز الرجوع ، لأن أقصى ما تدل عليه القاعدة ضمان الغار لمصاريف العمل الذي وقع بأمره فيضمن ما يصرفه المبذول له في سبيل إتمام الحجّ لأنه مغرور من هذه الجهة ، لا عدم جواز رجوع الباذل عن بذله ، كما أن القاعدة المزبورة لا تقتضي جواز تصرّف المبذول له في المال المبذول بعد رجوع الباذل هذا مضافاً إلى أن قاعدة الغرور لم تثبت على إطلاقها ، وإنما وردت في موارد خاصة ولا دليل عليها سوى النبوي المرسل في الكتب الفقهية .

   نعم ، وردت في بعض روايات التدليس لفظ الغرور  كما في رواية محمّد بن سنان الواردة في من نظر إلى امرأة فأعجبته إلى أن قال : «وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرجل وخدعه»(2) ولكنها ضعيفة بمحمّد بن سنان . على أن صدق الغرور يتوقف على علم الغار وجهل المغرور وكون الغار قاصداً لايقاع المغرور في خلاف الواقع ، وأما إذا لم يكن عالماً بذلك وإنما يرجع عن البذل من باب الاتفاق ، كما لو علم الباذل بأن ماله لا يفي للبذل فلا يصدق عليه أنه غرّه وخدعه .

   فتلخص : أنّ مقتضى القواعد جواز الرجوع إلى ماله ولكنّه ضامن لما يصرفه في سبيل الاتمام للسيرة العقلائية .

   (1) الظاهر ضمان الباذل لمصارف العود لأنه وقع بأمره وإذنه ، حيث إنّ السفر وقع بإذنه والاذن في الشيء إذن في لوازمه ، ويدل على ذلك السيرة العقلائية ، وإن كان له

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أظهرهما الوجوب .

(2) الوسائل 21 : 220 /  أبواب العيوب من كتاب النكاح  ب 7 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net