ثانيهما : في ثبوت الاستقرار وعدمه ، ذكر السيّد المصنف أنه لو ترك الحجّ مع بقاء الشرائط فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه ، ولكن الظاهر عدمه ، وذلك لأن موضوع وجوب الحجّ هو المستطيع ومتى تحقق عنوان الاستطاعة صار الحكم بوجوب الحجّ فعلياً لفعلية الحكم بفعلية موضوعه ، وإذا زالت الاستطاعة وارتفع الموضوع يرتفع وجوب الحجّ لارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه حتى بالاتلاف
ــ[175]ــ
والعصيان نظير القصر والتمام بالنسبة إلى السفر والحضر ، فلو كنّا نحن والأدلّة الأوّلية لوجوب الحجّ على المستطيع لقلنا بعدم وجوبه وعدم الاستقرار عليه لزوال الاستطاعة على الفرض ، فإن هذه الأدلّة إنما تتكفل الوجوب ما دامت الاستطاعة باقية ، فإذا انتفت وزالت لا مورد لوجوب الحجّ لزوال موضوعه ، وإنما نقول بالاستقرار في مورد التسويف والاهمال للروايات الخاصّة الذامّة للتسويف ، وأنّ من سوّف الحجّ وتركه عمداً فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام ومات يهوديّاً أو نصرانيّاً (1) ، وإذن فيجب عليه الحجّ ولو متسكِّعاً حتى لا يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً .
وهذه الروايات لا تشمل المقام لعدم صدق التسويف على المعتقد بالخلاف وأنه صغير لا يجب عليه الحجّ ، لأن الظاهر من التسويف هو ترك الحجّ مع اعتقاد وجوبه عليه وتحقق العصيان منه بترك الحجّ ، ومن يترك الحجّ لاعتقاد كونه صبياً وغير مكلف به لا يصدق عليه عنوان التسويف والاهمال والعصيان ، هذا أوّلاً .
وثانياً : فإنّا قد ذكرنا في المباحث الاُصولية (2) أن الأحكام وإن كانت تشمل الجاهل ولكن لا تشمل المعتقد بالخلاف ، لأنه غير قابل لتوجه الخطاب إليه فهو غير مأمور بالحكم واقعاً ، فلا يكون وجوب في البين حتى يستقر عليه ، ففي زمان الاعتقاد بالخلاف وأنه صغير أو عبد لا يحكم عليه بالوجوب لعدم قابليته للتكليف بالحج ، وفي زمان انكشاف الخلاف والعلم بالبلوغ أو الحرية لا يكون مستطيعاً على الفرض حتى يجب عليه الحجّ .
وثالثاً : إنما يستقر الحجّ إذا لم يكن الترك عن عذر ، وأما إذا كان الترك مستنداً إلى العذر فلا موجب للاستقرار ، والاعتقاد بالخلاف من أحسن الأعذار ، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة القادمة يجب الحجّ وإلاّ فلا .
المورد الثاني : إذا اعتقد كونه مستطيعاً مالاً وأن ما عنده يكفيه فحج ثمّ بان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 25 / أبواب وجوب الحجّ ب 6 ، 7 .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 270 .
ــ[176]ــ
الخلاف ، فقد ذكر السيّد (قدس سره) أن في إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه وجهين : من عدم الإجزاء لفقد الشرط واقعاً وأنه غير واجد للمال ، ومن أن القدر المتيقن من عدم الإجزاء غير هذه الصورة ، لأن دليل عدم الإجزاء إنما هو الاجماع والقدر المسلم منه ما لو علم بعدم الاستطاعة وحجّ ، وأما لو جهل بذلك واعتقد الاستطاعة وحجّ ثمّ انكشف الخلاف فلا يشمله الاجماع .
|