ــ[3]ــ
فصل
في النيابة
لا إشكال في صحّة النيابة عن الميت في الحج الواجب والمندوب ، وعن الحي في المندوب مطلقاً وفي الواجب في بعض الصور (1) .
[ 3142 ] مسألة 1 : يشترط في النائب أُمور :
أحدها : البلوغ على المشهور ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا ريب في جواز الاستنابة ومشروعيتها في الحج المندوب عن المسلم ميتاً كان أو حيّاً ، وقد استفاضت النصوص في ذلك ، وهي مذكورة في باب النيابة من الحج في أبواب متفرِّقة ، كما لا إشكال في ثبوت النيابة في الواجب الأصلي عن الميت بل في المنذور على ما تقدّم وإخراجه من الثلث ، وأمّا النيابة عن الحي مع تمكّنه من أداء الواجب فلا دليل عليها بل هي على خلاف القاعدة ، لأنّ مقتضاها عدم سقوط ما وجب على شخص بفعل شخص آخر ، وإنّما تفرغ ذمّته عن الواجب إذا أتى به بنفسه فسقوطه بفعل الغير يحتاج إلى الدليل ، وقد قام الدليل في خصوص النيابة عن الحي العاجز وقد تقدّم الكلام فيه (1) ، فيقع الكلام تارة في النائب واُخرى في المنوب عنه وسنتعرّض لهما تبعاً للمتن .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في المسألة 72 من شرائط وجوب الحج .
ــ[4]ــ
فلا يصحّ نيابة الصبي عندهم وإن كان مميِّزاً (1) ، وهو الأحوط ، لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينيّة ، لأنّ الأقوى كونها شرعيّة ، ولا لعدم الوثوق به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أمّا النائب فقد اعتبروا فيه اُموراً وهي أوّلاً : البلوغ . ويقع الكلام تارة في غير المميِّز واُخرى في المميِّز .
أمّا غير المميز فلا ريب في عدم صحّة نيابته لعدم تحقّق القصد منه في أفعاله وأعماله ، وحاله من هذه الجهة كالحيوانات .
وأمّا الصبي المميِّز فالمشهور عدم صحّة نيابته ، واستدلّوا بأمرين :
الأوّل : عدم صحّة عبادته وعدم مشروعيتها ، وبتعبير آخر : عباداته ليست عبادة في الحقيقة لتقع عن الغير وإنما هي تمرينية .
وفيه : ما ذكرناه غير مرّة من أن عبادة الصبي مشروعة ، ولا فرق بينها وبين عبادة البالغين إلاّ بالوجوب وعدمه .
الثاني : عدم الوثوق بعمله لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه .
وفيه : أن بين الوثوق والبلوغ عموماً من وجه ، وغير البالغ كالبالغ في حصول الوثوق به وعدمه فالدليل أخصّ من المدعى ، فلا فرق بين البالغ وغيره من هذه الجهة ، ولذا لا ينبغي الرّيب في استحباب نيابة الصبي في الحج كما يستحب لغيره من البالغين ، نعم لو كانت النيابة بالاجارة فحينئذ تتوقّف على إذن الولي من باب توقّف معاملاته على إذنه وعدم استقلاله فيها .
ويظهر من المصنف (قدس سره) توقف صحّة حجّه على إذن الولي مطلقاً ، سواء كان عن إجارة أو تبرّع ، وليس الأمر كذلك ، لأنّ المتوقف على إذن الولي إنما هو معاملاته من العقود والايقاعات لا عباداته وسائر أفعاله غير العقود والايقاعات .
والصحيح أن يقال : إن نيابة الصبي في الحج الواجب بحيث توجب سقوط الواجب عن ذمّة المنوب عنه غير ثابتة ، وتحتاج إلى الدليل ولا دليل ، بل مقتضى القاعدة اشتغال ذمّة المنوب عنه بالواجب وعدم سقوطه عنه بفعل الصبي وإن كانت
ــ[5]ــ
بين شرعيّة عباداته وسقوط الوجوب عن ذمّة المنوب عنه .
والحاصل : مقتضى الأصل عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بفعل الغير إلاّ إذا ثبت بالدليل ، ولا دليل على تفريغ ذمّة المكلف بفعل الصبي وإن كان فعله صحيحاً في نفسه ، نظير ما ذكرناه في صلاة الصبي على الميت فإنّها لا توجب سقوط الصلاة عن المكلّفين ، فلا بدّ من النظر إلى الأدلّة والروايات الواردة في باب النيابة ، فقد ورد في جملة منها لفظ «الرجل» (1) وهو غير شامل للصبي ، ولذا استشكلنا في نيابة المرأة عن الرجل الحي ، ودعوى أن ذكر الرجل من باب المثال عهدتها على مدّعيها .
وأمّا في النيابة عن الأموات فقد وردت نيابة المرأة عن الرجل وبالعكس ، وكذا نيابة المرأة عن المرأة كما في صحيح حكم بن حكيم ، قال (عليه السلام) : «يحج الرّجل عن المرأة والمرأة عن الرجل والمرأة عن المرأة» (2) وأمّا الرجل عن الرجل فلم يذكر فيه لوضوحه ، فيعلم من هذه الرواية ـ من جهة استقصاء موارد النيابة فيها ـ أن النيابة تنحصر في هذه الموارد ، فكأن المغروس في ذهن السائل شبهة وهي احتمال اتحاد الجنس بين النائب والمنوب عنه ، ولذا حكم (عليه السلام) بجواز النيابة في هذه الموارد المشتبهة المحتملة عند السائل ، وحيث إنه (عليه السلام) في مقام البيان تنحصر موارد جواز النيابة في الموارد المذكورة ، ولم يذكر الصبي في الرواية ، وأمّا نيابة المرأة عن الرجل الحي فلا نلتزم بها أيضاً للروايات الدالّة على أنّ الحي يبعث رجلاً صرورة إلى الحج(3) .
والحاصل: أنّ النيابة على خلاف القاعدة والاكتفاء بفعل النائب على خلاف الأصل فلا بدّ من الاقتصار على مقدار ما دلّ الدليل عليه وفي غيره فالمرجع هو الأصل ، ولم يقم أي دليل على جواز نيابة الصبي والاكتفاء بفعله في الواجبات الثابتة على ذمّة الغير .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 176 / أبواب النيابة ب 8 ، 10 ، 11 .
(2) الوسائل 11 : 177 / أبواب النيابة ب 8 ح 6 .
(3) الوسائل 11 : 63 / أبواب وجوب الحج ب 24 .
ــ[6]ــ
أمّا عبادات الصبي نفسه فتارة في مورد الواجبات واُخرى في مورد المستحبّات أمّا في مورد الواجبات فشرعيتها بالنسبة إليه في خصوص الصلاة والصوم والحج ثابتة ، للنصوص الخاصّة كقولهم (عليهم السلام) : «إنا نأمر صبياننا بالصّلاة فمروا صبيانكم بالصّلاة» (1) وذكرنا في محله أن الأمر بالأمر بشيء أمر بذلك الشيء (2) . ونحوه ورد في الصوم «فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم» كما في صحيح الحلبي (3) وكذلك الروايات الآمرة بإحجاج الصبيان (4) .
وأمّا في موارد المستحبات كصلاة الليل وصلاة جعفر وغيرهما من المستحبات فشرعيّتها للصبيان لا تحتاج إلى دليل خاص ، بل يكفي نفس إطلاق أدلّة المستحبات فإنه يشمل البالغين وغيرهم ، ومن ذلك إطلاق استحباب النيابة فإنه يشمل الصبي أيضاً ، فإن النيابة عن الغير في نفسها مستحبة كما في جملة من الأخبار (5) .
بل ربّما يقال بأن إطلاق أدلّة الواجبات يشمل الصبيان نظير إطلاق أدلّة المستحبات ، غاية الأمر يرتفع الوجوب لحديث رفع القلم (6) ويبقى أصل المطلوبية والرجحان ، ويرد بأن الوجوب أمر وحداني بسيط إذا ارتفع يرتفع من أصله ، وليس أمراً مركّباً ليرتفع أحد جزئيه بحديث رفع القلم ويبقى الآخر .
ثمّ إنه قد ورد في خصوص نيابة الحج عن الميت ما يشمل بإطلاقه الصبي كما في معتبرة معاوية بن عمّار «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما يلحق الرّجل بعد موته فقال ... والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما ويحجّ ويتصدّق ويعتق عنهما ويصلِّي ويصوم عنهما» (7) فإن الولد يشمل غير البالغ أيضاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 23 / أبواب أعداد الفرائض ب 3 ح 5 وغيره .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 76 .
(3) الوسائل 10 : 234 / أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3 وغيره .
(4) الوسائل 11 : 286 / أبواب أقسام الحج ب 17 .
(5) الوسائل 11 : 196 / أبواب النيابة في الحج ب 25 .
(6) الوسائل 1 : 45 / أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11 ، 12 .
(7) الوسائل 2 : 445 / أبواب الاحتضار ب 28 ح 6 .
ــ[7]ــ
لعدم الرّادع له من جهة عدم تكليفه ، لأنه أخص من المدعى بل لأصالة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلّة ، خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرّجل ولا فرق بين أن يكون حجّه بالإجارة أو بالتبرّع بإذن الولي أو عدمه وإن كان لا يبعد دعوى صحّة نيابته في الحج المندوب بإذن الولي .
|