ــ[23]ــ
وما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً وكفاية الإجارة في فراغها ((1)) منزّلة على أنّ الله تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصّر النائب في الإتيان ، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمّ إنّه قد وقع الكلام في أنه هل تبرأ ذمّة المنوب عنه بمجرّد الاجارة أو أنه لا تفرغ ذمّته إلاّ بعد إتيان النائب العمل صحيحاً ؟
والحق هو الثاني ، ويكون العمل المستأجر عليه حاله حال الدين في عدم سقوطه إلاّ بعد أداء المال ، وكذلك في المقام لا موجب لسقوط العمل عن ذمّة المنوب عنه بمجرّد الاجارة ما لم يؤد الأجير العمل ، فإذا لم يأت النائب بالعمل فذمّة المنوب عنه مشغولة به كما أن ذمّة النائب مشغولة به أو بمال الاجارة .
والظاهر أ نّه لا خلاف فيما ذكرنا كما في الجواهر (2) ، ولم يقل أحد بالإجزاء بمجرّد الاجارة إلاّ صاحب الحدائق قال (رحمه الله) : لو مات الأجير قبل الإحرام فإن أمكن استعادة الاُجرة وجب الاستئجار بها ثانياً ، وإن لم يمكن فإنها تجزئ عن الميت ، فإنه لما أوصى بما في ذمّته من الحج انتقل الخطاب إلى الوصي ، والوصي لما نفذ الوصية واستأجر فقد قضى ما عليه وبقي الخطاب على المستأجر ، وحيث إنه لا مال له سقط الاستئجار مرّة اُخرى إلى آخر ما ذكره ، ثمّ قال : إن هذا الحكم وإن لم يوافق قواعد الأصحاب إلاّ أنه مدلول جملة من الأخبار (3) .
أقول : الأخبار التي استشهد بها قاصرة الدلالة وبعضها قاصر السند أيضاً .
فمن جملة الأخبار التي استدلّ بها مرسلة ابن أبي عمير «في رجل أخذ من رجل مالاً ولم يحج عنه ومات ولم يخلف شيئاً ، فقال : إن كان حج الأجير اُخذت حجّته ودفعت إلى صاحب المال وإن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج»(4) ، والرواية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا دلالة لتلك الأخبار على كفاية الإجارة في فراغ ذمّة المنوب عنه في الفرض .
(2) الجواهر 17 : 368 .
(3) الحدائق 14 : 257 ـ 258 .
(4) الوسائل 11 : 194 / أبواب النيابة باب 23 ح 1 .
ــ[24]ــ
ضعيفة سنداً بالارسال وإن كان المرسل ابن أبي عمير ، لما ذكرنا مراراً أنّ مراسيله كسائر المراسيل ، وأمّا ما ذكره الشـيخ من أن ابن أبي عمير لا يروي إلاّ عن ثقة(1) فلم يثبت ، بل الشـيخ بنفسه يضعف أحياناً بعض مراسـيله(2) ، وأمّا ضعف الدلالة فسنذكره بعد ذكر الأخبار .
ومنها : مرسل الصدوق «الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئاً فقال : أجزأت عن الميت وإن كان له عند الله حجة اثبتت لصاحبه» (3) ، وهي أيضاً ضعيفة بالارسال .
ومنها: معتبرة موسى بن عمّار «عن رجل أخذ دراهم رجل (ليحج عنه ـ كما في التهذيب ـ ) فأنفقها ، فلمّا حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شيء قال : يحتال ويحج عن صاحبه كما ضمن ، سئل إن لم يقدر ، قال : إن كانت له عند الله حجّة أخذها منه فجعلها للّذي أخذ منه الحجّة» (4) ، والعمدة هذه الرواية لصحّة سندها .
وأمّا ضعف دلالتها على كفاية الاجارة في فراغ ذمّة المنوب عنه فلوجوه :
أحدها : عدم دلالة الروايات على أن الحج المذكور فيها حج الإسلام وكلامنا في حج الإسلام ، بل يظهر منها أن الحج الذي ذكر فيها غير حج الإسلام ، لظهور قوله : «أخذ دراهم رجل» في كون المنوب عنه حيّاً ، والحج عن الحي لا يكون بحج الإسلام إذ لم يفرض فيه العجز والهرم .
ثانيها : لو سلمنا إطلاق الروايات من حيث حجّ الإسلام وغيره ، فنقيّدها بالروايات الدالّة على أن الحي يجهز رجلاً للحج(5) ، والتجهيز لا يتحقق إلاّ بإرسال شخص للحج ، ومجرّد التوكيل والايجار لا يوجب صدق عنوان التجهيز والارسال .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عدّة الاُصول 1 : 58 السطر 8 .
(2) التهذيب 8 : 257 .
(3) الفقيه 2 : 261 ح 1269 ، الوسائل 11 : 194 / أبواب النيابة ب 23 ح 2 .
(4) الوسائل 11 : 195 / أبواب النيابة ب 23 ح 3 ، التهذيب 5 : 461 ح 1608 .
(5) الوسائل 11 : 66 / أبواب وجوب الحج ب 25 .
ــ[25]ــ
وثالثها : أنا سنذكر أن الأجير إذا مات في الطريق قبل الإحرام لم يسقط الحج عن ذمّة المنوب عنه فكيف إذا مات قبل خروجه ، وحينئذ فنحمل هذه الروايات على الحج الاستحبابي لا محالة .
وبالجملة : الروايات المزبورة ضعيفة دلالة مضافاً إلى ضعف إسناد بعضها ، فلا حاجة في عدم الاعتماد عليها إلى التمسك بإعراض الأصحاب عنها ، هذا .
وقد يستدل لصاحب الحدائق بمعتبرة إسحاق بن عمّار «عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ، ثمّ اُعطي الدراهم غيره فقال : إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزئ عن الأوّل ، قلت : فإن ابتلي بشيء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل أيجزئ عن الأوّل ؟ قال : نعم ، قلت : لأنّ الأجير ضامن للحج ؟ قال : نعم» (1) ، فإن المستفادمنها انتقال الحج من ذمّة المنوب عنه إلى ذمّة الأجير لأنه ضامن .
وفيه : أن المعتبرة غير دالّة على الإجزاء قبل الخروج وقبل الشروع في السفر كما هو المدعى ، وإنما تدل على الإجزاء إذا مات قبل انقضاء المناسك والانتهاء من الأعمال كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في المسألة العاشرة . وأمّا ضمان الأجير للحج فلأجل إفساده الحج، فإن الأجير إذا أفسد حجّه بالجماع يجب عليه الحج ثانياً من قابل، وهذا الحج الذي يأتي به ثانياً أجنبي عن المنوب عنه ، نظير الكفّارة الثابتة على ذمّة الأجير إذا أتى بموجبها .
والحاصل : الروايات التي استدلّ بها صاحب الحدائق غير ظاهرة فيما ذهب إليه . مضافاً إلى ضعف أسانيد بعضها ، هذا كله في موت النائب في منزله وبلده قبل أن يخرج إلى الحج ، وأمّا إذا مات في الطريق قبل الإحرام أو بعده فسنتعرض إلى ذلك في المسألة العاشرة مفصّلاً فانتظر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 185 / أبواب النيابة في الحج ب 15 ح 1 .
|