ــ[153]ــ
وإن كان لا يبعد القول بإجراء حكم الخارج عليه فيجب عليه التمتّع ، لأنّ غيره معلق على عنوان الحاضر وهو مشكوك ، فيكون المقام نظير ما لو شكّ في أن المسافة ثمانية فراسخ أو لا ، فإنه يصلي تماماً لأنّ القصر معلق على السفر وهو مشكوك .
أقول : ما ذكره أخيراً من وجوب التمتّع عليه وعدم وجوب الفحص هو الصحيح لإحراز موضوع التمتّع وهو عدم كونه حاضراً ، بالأصل ولو بالعدم الأزلي بناءً على ما اخترناه في محلّه (1) من إمكان جريان الأصل في الأعدام الأزلية ، لأنّ كل شيء مسبوق بالعدم ولو أزلاً فلا مانع حينئذ من إجراء أصل العدم ، نظير أصالة عدم القرشية التي تثبت عدم كون المرأة متصفة بالقرشية وإن لم تثبت الانتساب إلى غير قريش ، وتفصيل الكلام موكول إلى محله ، وعليه فلا موجب للفحص ، لإحراز الموضوع بالأصل ، على أنه لا دليل على الفحص في الشبهات الموضوعية .
هذا مع أنه يمكن إحراز الموضوع بالأصل النعتي وتقريبه : أن صفة الحضور والوطنية للشخص قد تتحقّق باتخاذ نفسه بلداً وطناً له ، وقد تتحقّق بمرور زمان على سكناه في بلد كما إذا سكن فيه مدّة خمسين سنة فإن البلد يكون وطناً له قهراً ، وقد تتحقق باتخاذ متبوعه التوطن في البلد الفلاني كوالده أو جدّه أو مولاه ، فليست الوطنية من الصفات الذاتيّة كالقرشية وإنما هي من الصفات العرضية ، بمعنى أن الشيء يوجد أوّلاً ثمّ يعرض عليه صفة الوطنية ، وهذا بخلاف القرشية فإن الشخص يوجد أوّلاً إما قرشياً أو غير قرشي وليست عارضة بالمعنى المتقدّم ، فالوطنية تنشأ إما باختيار نفسه أو باختيار متبوعه وتكون من الصفات العارضة المسبوقة بالعدم فنقول : إن الحد المتقدّم لم يكن وطناً له باتخاذ نفسه ولا بتبع أبيه أو مولاه في زمان والآن كذلك ، فلا موجب للفحص بعد إحراز الموضوع بأصل العدم الأزلي أو النعتي نعم لو فرضنا عدم جريان الأصل أصلاً يجب الفحص للعلم الاجمالي ، فإن تبيّن الأمر وتعينت الوظيفة فهو وإلاّ فالاحتياط .
وقد وقع الكلام في المقام في إمكان الاحتياط ، وربّما قيل بعدم إمكانه لأنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 207 .
ــ[154]ــ
الوجوب فوري ولا يمكن الجمع بين المحتملين ـ التمتّع والإفراد ـ في سنة واحدة .
وقد ذكر سيّدنا الاُستاذ (دام ظلّه الشّريف) طرقاً للاحتياط :
الأوّل : أن يحرم من الميقات قاصداً للجامع بين العمرة والحج فيدخل مكّة ويأتي بأعمال العمرة ثمّ يحرم للحج احتياطاً ، فإن كان حجّه التمتّع فقد أتى بأعماله ، وإن كان حجّه الإفراد فقد أتى بالإحرام الأوّل ويكون الإحرام الثاني للحج ملغى ، ثمّ يأتي بعمرة مفردة بعد الحج ، فحينئذ تفرغ ذمّته سواء كان عليه التمتّع أو الإفراد .
يبقى الكلام في التقصير لعدم جوازه له بناءً على الإفراد ووجوبه عليه بناءً على التمتّع ، فالتقصير أمره دائر بين المحذورين لأنه إمّا واجب أو حرام ، والحكم فيه التخيير ولكن لأجل الاحتياط في المقام يختار التقصير ، فلو كان حجّه تمتّعاً فقد أتى بما وجب عليه وإن كان إفراداً فلا يترتب على تقصيره سوى الكفّارة لا فساد الحج .
الطريق الثاني : أن ينوي باحرامه من الميقات عمرة التمتّع التي تتقدّم على الحج فيأتي بأعمال العمرة وبعد الفراغ يحرم لحج التمتّع من مكّة ثمّ يخرج من مكّة إلى أحد المواقيت ، فإن الخروج من مكّة وإن لم يكن جائزاً لأنه محتبس ومرتهن بالحج لكن يجوز له الخروج لحاجة ، ولا ريب أن الخروج لأجل تحصيل الجزم بالاتيان وتفريغ الذمّة على وجه اليقين من أوضح الحاجات ، فيحرم ثانياً للحج ، فإن كانت وظيفته التمتّع فقد أتى بجميع ما يعتبر فيه ويكون الإحرام الثاني للحج ملغى ، وإن كانت الإفراد فقد أتى بالإحرام الثاني للحج وتكون عمرته للتمتّع لغواً ثمّ يأتي بعمرة مفردة ، وبذلك يحصل الجزم بالفراغ ، وهذا الوجه أوجه من الأوّل ولعله متعيّن .
الطريق الثالث : أ نّه بناءً على جواز تقديم العمرة على الحج حتى في الحج الإفرادي يمكن الاحتياط بوجه آخر ، وهو أن يأتي بالعمرة أوّلاً بقصد الجامع بين عمرة التمتّع والإفراد ، ويأتي بطواف النساء بعد أعمال العمرة لاحتمال كون عمرته عمرة مفردة ثمّ يأتي بإحرام الحج ، فإن كانت وظيفته التمتّع فقد أتى بأعماله من العمرة والحج ، وإن كانت وظيفته الإفراد فقد أتى بعمرة مفردة وطواف النساء وبأعمال الحج لأنّ المفروض جواز تقديم العمرة على الحج الإفرادي، فلا حاجة إلى إتيان العمرة المفردة بعد الفراغ
|