ــ[262]ــ
الثانية : صحيحة الحلبي «ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة» (1) فمدلول صحيح ابن رئاب أن ذا الحليفة والشجرة اسمان لموضع واحد ، ومدلول صحيح الحلبي أن ذا الحليفة هو مسجد الشجرة ، فضم الروايات بعضها إلى بعض يقتضي كون الميقات نفس المسجد ولا داعي لحمل المطلق على المقيّد .
وهل يجب الإحرام من نفس المسجد أو يجوز من خارجه ؟ الظاهر هو الثاني ، لأنّ المسجد اُخذ مبدأ لا ظرفاً ، ومعنى المبدأ على ما صرّح به في صحيح الحلبي وغيره هو المنع من الإحرام قبل الوصول إليه أو بعده ، قال (عليه السلام): «لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها»(2).
وأمّا لزوم الإحرام من نفس المسجد فلا يستفاد من الروايات ، فلو أحرم من خارج المسجد لا قبله ولا بعده صح إحرامه ، لصدق كون مبدأ إحرامه من المسجد ، ولا يلزم الدخول في المسجد ، نظير ما يقال : ركضت من دار فلان إلى المكان الفلاني فإنه يصدق على من ابتدأ الركض من خارج الدار وما حواليها ولا يلزم الابتداء بالركض من داخل الدار ، هذا ولا يبعد أن يكون مسجد الشجرة اسماً لمنطقة فيها المسجد ، كما هو كذلك في بلدة مسجد سليمان لا اسماً لنفس المسجد ، فمجموع المضاف والمضاف إليه اسم لهذه البقعة من الأرض ، فهذه البقعة لها اسمان أحدهما ذو الحليفة والآخر مسجد الشجرة ، هذا كلّه بالنسبة إلى أهل المدينة .
وأمّا المار بذي الحليفة فحكمه حكم أهل المدينة ، بمعنى أن ذا الحليفة ميقات لأهل المدينة ولكل من يمر على طريقهم وإن لم يكن من أهل المدينة ، فلا يختص ذو الحليفة بأهل المدينة ، وتدل على ذلك طائفتان من الروايات :
الاُولى : الروايات العامّة (3) الدالّة على تعيين المواقيت وأنه ليس لأحد أن يمر عنها ويتجاوزها بلا إحرام ، فإن المستفاد منها أن هذه المواقيت مواقيت لكل حاج يكون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 308 / أبواب المواقيت ب 1 ح 3 .
(2) الوسائل 11 : 308 / أبواب المواقيت ب 1 ح 3 .
(3) الوسائل 11 : 307 / أبواب المواقيت ب 1 .
ــ[263]ــ
طريقه عليها ، إذ من الواضح عدم اختصاص وجوب الحج بأهالي هذه البلاد من الشام والعراق واليمن والطائف وأهل المدينة ، بل الحج واجب على جميع المسلمين فطبعاً تكون هذه المواضع مواقيت لأهالي هذه البلاد ولغيرهم من الحجاج إذا تجاوزوا ومروا عليها . ففي صحيح الحلبي «لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها ، ثمّ قال (عليه السلام) : ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) » (1) .
وفي صحيح علي بن جعفر بعدما ذكر المواقيت قال (عليه السلام) : «فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلى غيرها» (2) ، فإنهما يدلان بوضوح على أنه ليس لأحد أن يحرم من غير هذه المواقيت ، بل لا بدّ من الإحرام منها وإن لم يكن من أهل هذه البلاد .
الطائفة الثانية : النصوص الخاصّة ، منها : صحيحة صفوان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : «كتبت إليه : أن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق وليس بذلك الموضع ماء ولا منزل وعليهم في ذلك مؤونة شديدة فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقة بهم وخفة عليهم ؟ فكتب : أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها» (3) .
ومنها : صحيح ابن جعفر بعدما سأله عن إحرام أهل الكوفة وغيرها قال (عليه السلام) : «وأهل السند من البصرة ، يعني من ميقات أهل البصرة» (4) فيعلم من ذلك أن ميقات أهل البصرة لا يختص بأهل البصرة بل يعم من يمر عنه ولو كان من أهل السند .
ومنها : معتبرة إبراهيم بن عبدالحميد «عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 308 / أبواب المواقيت ب 1 ح 3 .
(2) الوسائل 11 : 310 / أبواب المواقيت ب 1 ح 9 .
(3) الوسائل 11 : 331 / أبواب المواقيت ب 15 ح 1 .
(4) الوسائل 11 : 309 / أبواب المواقيت ب 1 ح 5 .
|