ــ[298]ــ
ثمّ إن أحرم في موضع الظن بالمحاذاة ولم يتبين الخلاف فلا إشكال ، وإن تبيّن بعد ذلك كونه قبل المحاذاة ولم يتجاوزه أعاد الإحرام ، وإن تبين كونه قبله وقد تجاوز أو تبيّن كونه بعده فإن أمكن العود والتجديد تعين ، وإلاّ فيكفي في الصورة الثانية ويجدِّد في الاُولى في مكانه ، والأولى التجديد مطلقاً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ميقات آخر أو ينذر الإحرام قبل الميقات ، فإنّ عدم التمكّن من العلم لا يوجب حجية ما لا حجية له .
فالأظهر أن يقال : إنه يلزم عليه تحصيل الحجة على المحاذاة من علم أو ظن معتبر أو اطمئنان ، وإن لم يتمكن من ذلك يذهب إلى ميقات آخر أو ينذر الإحرام من أوّل موضع احتمال المحاذاة ، فإن كان قبل المحاذي يصح إحرامه بالنذر ، وإن كان محاذياً واقعاً يصح ولو لم يتعلق به النذر .
ويمكن أن يحرم احتياطاً من أوّل موضع احتمال المحاذاة ويستمر في النيّة والتلبية إلى آخر مواضعه ، وبذلك يحرز وقوع الإحرام محاذياً للميقات .
ويشكل بأنه يلزم من ذلك الإحرام قبل الميقات ، لأنّ الأصل يقتضي عدم الوصول إلى المحاذي ، والإحرام قبل الميقات غير جائز .
وأجاب عنه في المتن بأن حرمة الإحرام قبل الميقات حرمة تشريعية لا حرمة ذاتيّة ، فلا مانع من الاتيان به رجاءً واحتياطاً ، لأنّ الحرمة التشريعية لا تنافي الاتيان على نحو الاحتياط والرجاء .
(1) لو أحرم في موضع قيام الحجة على المحاذاة ولم ينكشف الخلاف فلا كلام ، وإن انكشف الخلاف قبل الوصول إلى المحاذي أعاد الإحرام في موضع المحاذي ، والإحرام الأوّل باطل قطعاً ، ولا أثر لقيام الحجة عنده لارتفاع حجيتها بانكشاف الخلاف على الفرض ، من دون فرق بين كون الأمر الظاهري مجزئاً عن الأمر الواقعي أم لا ، فلا يبتني الحكم باعادة الإحرام على عدم الإجزاء في موافقة الحكم الظاهري كما توهم .
بل لو قلنا بإجزاء الأمر الظاهري عن الحكم الواقعي لا يمكن القول به في المقام ،
ــ[299]ــ
وذلك لأنّ محل البحث في الإجزاء إنما هو فيما إذا كان الأمر الواقعي موجوداً ولكن لا يعلم به ، وكان الأمر الظاهري مخالفاً له ، فيقع البحث حينئذ في أن الأمر الظاهري هل يجزئ عن الأمر الواقعي الموجود أم لا ؟ كما إذا قام الدليل على عدم اعتبار السورة في الصلاة ثمّ انكشف الخلاف وتبين وجود الدليل على لزوم السورة ، فيصح أن يقال : إن الأمر الظاهري يجزئ عن الأمر الواقعي أم لا ، وأمّا إذا فرضنا أنه لم يكن للأمر الواقعي وجود أصلاً حين الاتيان بالأمر الظاهري وإنما يحدث بعد ذلك فلا مجال ولا مورد للإجزاء ، كما إذا صلّى قبل الوقت فإنه لا أمر بالصلاة أصلاً وانما هو تخيل وتوهم لوجود الأمر .
وبالجملة : لا مورد للإجزاء في المقام أصلاً حتى على قول الأشعري القائل بالتصويب وانقلاب الواقع إلى ما أدى إليه الظاهر ، لأنّ الإجزاء ـ حتى على القول بالتصويب ـ إنما يتحقق فيما إذا كان للأمر الواقعي وجود ولكن لا يعلم به ، وأمّا إذا لم يكن موجوداً أصلاً فلا مجال للإجزاء أبداً ، نظير ما لو صام في شعبان بدلاً عن شهر رمضان .
وأمّا لو انكشف الخلاف بعد التجاوز عن المحاذي وعلم عندئذ أن إحرامه كان قبل المحاذي أو بعده ، ذكر في المتن أنه يجب عليه العود والتجديد في الموضع المحاذي في كلتا الصورتين إن أمكن ، وإلاّ ففي الصورة الاُولى ـ وهي ما إذا أحرم قبل المحاذي ـ يجدد الإحرام في مكانه ، وفي الصورة الثانية ـ وهي ما إذا أحرم بعد المحاذاة ـ يكتفي بإحرامه وإن كان الأولى التجديد مطلقا .
وما ذكره وإن كان صحيحاً إلاّ أن ما اختاره من الاكتفاء بالإحرام في الصورة الثانية على إطلاقه غير تام ، بل لا بدّ من التفصيل بين ما إذا لم يكن قادراً في وقت الإحرام من الرجوع واقعاً فكانت وظيفته الواقعية حال الإحرام عقده من هذا المكان ، لعدم قدرته على العود واقعاً ، فاحرامه صحيح وقد أتى بوظيفته ولا حاجة إلى التجديد ، وبين ما إذا كان يمكنه الرجوع حال الإحرام وإن تعذّر عليه فعلاً حين الالتفات وانكشاف الخلاف ، ففي مثله لا بدّ من تجديد الإحرام من هذا المكان ولا يكتفي بالإحرام الأوّل ، لأنّ الإحرام في غير الميقات إنما يجوز لمن لا يتمكن من
ــ[300]ــ
الرجوع والوصول إلى الميقات ، وهذا العنوان غير صادق على هذا الشخص ، لأنّ المفروض أنه كان متمكِّناً من الرجوع إلى الميقات حال الإحرام وإن تعذر عليه حال الالتفات ، فيكون إحرامه باطلاً ولابدّ من تجديده وعقده ثانياً .
|