استحباب توفير الشعر لمن يريد الحج 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5792


ــ[350]ــ


فصل

في مقدّمات الإحرام

   [ 3228 ] مسألة 1 : يستحب قبل الشروع في الإحرام أُمور :

   أحدها : توفير شعر الرأس بل واللحية لإحرام الحج مطلقاً ـ لا خصوص التمتّع كما يظهر من بعضهم لإطلاق الأخبار ـ من أوّل ذي القعدة بمعنى عدم إزالة شعرهما ، لجملة من الأخبار (1) ، وهي وإن كانت ظاهرة في الوجوب إلاّ أنها محمولة على الاستحباب لجملة اُخرى من الأخبار ظاهرة فيه ، فالقول بالوجوب ـ  كما هو ظاهر جماعة  ـ ضعيف ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط ، كما لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق حيث يظهر من بعضهم وجوبه أيضاً لخبر محمول على الاستحباب ((1)) أو على ما إذا كان في حال الإحرام ويستحب التوفير للعمرة شهراً .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على كل حال حتى ولو رووا عن غير معلوم الحال ، وقد ناقش الشيخ(2) في بعض الأخبار المرسلة مع أن المرسل مثل ابن أبي عمير أو غيره من أصحاب الاجماع .

   أمّا الانجبار فلا نلتزم به كما مرّ غير مرّة ، فالصحيح أنه لا دليل على الصحّة في العمرة المفردة ولا عمرة التمتّع .

   (1) منها: صحيح ابن سنان (مسكان) عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «لاتأخذ من شعرك وأنت تريد الحج من ذي القعدة»(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخبر صحيح وظاهره وجوب الدم على الحالق رأسه بمكّة إذا كان متمتعاً وكان ذلك فيما بعد شهر شوال فهو أجنبي عن محل الكلام .

(2) التهذيب 8 : 257 / 932 .

(3) الوسائل 12 : 315 / أبواب الإحرام ب 2 ح 1 .

ــ[351]ــ

   الثاني : قص الأظفار ، والأخذ من الشارب ، وإزالة شعر الإبط والعانة بالطلي أو الحَلق أو النَتف ، والأفضل الأوّل ثمّ الثاني ، ولو كان مطلياً قبله يستحب له الإعادة وإن لم يمض خمسة عشر يوماً ، ويستحب أيضاً إزالة الأوساخ من الجسد لفحوى ما دلّ على المذكورات ، وكذا يستحب الاستياك .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومنها : صحيح ابن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «خذ من شعرك إذا أزمعت على الحج شوال كلّه إلى غرة ذي القعدة» (1) .

   وهذا ممّا لا إشكال فيه في الجملة ، وانما يقع الكلام في جهات :

   الاُولى : هل يختص توفير الشعر بحج التمتّع أو يشمل الأعم منه ومن غيره من أقسام الحج ؟ الظاهر هو التعميم لإطلاق النصوص ، ولا موجب للاختصاص بحج التمتّع .

   الثانية : هل يختص توفير الشعر بالرأس أو يشمل اللِّحية أيضاً ؟ ربّما يقال بالتعميم لإطلاق الأخبار الناهية عن أخذ الشعر .

   وفيه : أن توفير الشعر إنما هو مقدّمة للحلق ، ومن المعلوم أن الحلق إنّما يختص بالرأس ، وممّا يؤكد أن هذه الروايات لا إطلاق لها بالنسبة إلى شعر اللِّحية ، وإنّما نظرها إلى شعر الرأس خاصّة أنّ الأصحاب لم يذكروا توفير الشعر بالنسبة إلى سائر الجسد ، بل ذكروا استحباب إزالة الشعر عن بعض مواضع الجسد كابطيه .

   وقد استدلّ على التعميم بخبرين :

   أحدهما : خبر الأعرج «لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة وأراد الخروج من رأسه ولا من لحيته» (2) لكنّه ضعيف بالارسال .

   ثانيهما : خبر أبي الصباح الكناني «عن رجل يريد الحج أيأخذ شعره في أشهر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 316 / أبواب الإحرام ب 2 ح 2 .

(2) الوسائل 12 : 317 / أبواب الإحرام ب 2 ح 6 .

ــ[352]ــ

الحج ؟ فقال : لا ، ولا من لحيته» (1) وهو ضعيف بمحمّد بن الفضيل الأزدي ، وأمّا ما ذكره الأردبيلي (2) في رجاله من اتحاده مع محمّد بن القاسم بن الفضيل الثقة الذي يعبر عنه باسم جدّه كثيراً وعدم ذكر والده فغير تام ، ولا أقل من كونه مردداً بين محمّد بن الفضيل الضعيف وبين محمّد بن القاسم بن الفضيل الثقة ، ولا مميز في البين .

   نعم لا بأس بدعوى الاستحباب بناءً على التسامح في أدلّة السنن .

   ثمّ إن المصنف (رحمه الله تعالى) حمل الروايات الناهية عن أخذ الشعر أو الآمرة بالتوفير على الحلق وإزالة الشعر ، مع أن الظاهر من الروايات وفتوى الأصحاب هو توفير الشعر وتكثيره وإعفائه وعدم أخذ شيء منه .

   الثالثة : المشهور بين الأصحاب استحباب التوفير ، ونسب إلى المفيد في المقنعة (3) والشيخ في النهاية (4) والاستبصار (5) الوجوب .

   ولايخفى أن ظاهر الروايات يعطي الوجوب ، لأنّ أخذ الشعر إذا  كان منهيّاً  كما في النصوص يكون تركه واجباً ولازماً ، ولكن بإزائها ما يدل على الجواز صريحاً والجمع العرفي يقتضي حمل تلك الروايات الآمرة بالتوفير على الاستحباب ، وهو صحيح علي بن جعفر ، قال : «سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم ؟ قال : لا بأس» (6) والرواية صحيحة سنداً كما عبّر عنها في الجواهر(7) بالصحيحة ، لأنّ طريق الوسائل إلى الشيخ صحيح ، وطريق الشيخ إلى كتاب علي بن جعفر صحيح ، فلا مجال للتأمّل في صحّة السند ، ومقتضاها جواز أخذ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 302 / أبواب الإحرام ب 4 ح 4 .

(2) جامع الرواة 2 : 174 .

(3) المقنعة : 391 .

(4) النهاية : 206 .

(5) الاستبصار 2 : 160 .

(6) الوسائل 12 : 320 / أبواب الإحرام ب 4 ح 6 .

(7) الجواهر 18 : 172 .

ــ[353]ــ

الشعر إلى أن يحرم وإن كان إحرامه في الثامن من شهر ذي الحجّة ، فالعبرة بالإحرام لا بالزمان ، هذا . مضافاً إلى أنه لا يمكن الالتزام بالوجوب ، لأنّ هذا الحكم مما يكثر الابتلاء به ، ولو كان واجباً لظهر وبان مع أنه لم يقل به أحد إلاّ الشاذ النادر .

   وبنفس البيان تحمل بقيّة الاُمور المذكورة كقص الأظفار والأخذ من الشارب على الاستحباب ، إذ لا رواية تدل على الاستحباب ، وإنما الروايات اشتملت على الأمر بها ، وتحمل على الاستحباب لأجل ما ذكر .

   الرابعة : هل يجب عليه إهراق الدم بالحلق بناءً على وجوب التوفير كما عن المفيد (1) أم لا ؟ ربّما يقال بوجوب الدم لصحيح جميل ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكّة ، قال : إن كان جاهلاً فليس عليه شيء ، وإن تعمد ذلك في أوّل الشهور للحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء ، وإن تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها للحج فإن عليه دماً يهريقه» (2) .

   ويرده : أن الرواية أجنبيّة عما نحن فيه ، لأنّ المدعى إزالة الشعر وحلقه في شهر ذي القعدة قبل الإحرام ، ومورد الرواية حلق الرأس في مكّة بعد الإحرام . على أنه لو كان إهراق الدم واجباً لظهر وشاع ولا يخفى حكمه على الأصحاب لكثرة الابتلاء به ، مع أنه لم ينسب إلى أحد من الأصحاب إلاّ المفيد .

   وأمّا فقه الحديث فالمراد من قوله : «وإن تعمد ذلك في أوّل الشهور للحج بثلاثين يوماً» هو شهر شوال ، فالمعنى أنه لو حلق رأسه متعمداً في شهر شوال الذي هو أوّل أشهر الحج وإن كان في مكّة بعد أعمال التمتّع فلا بأس ، وأمّا لو تعمد ذلك بعد الثلاثين التي يوفر فيها للحج فعليه الدم ، فيقع الكلام في المراد بذلك .

   فإن كانت كلمة «التي» صفة «للثلاثين» كما تقتضيها القاعدة الأدبية فالمراد بذلك شهر ذي الحجّة ، لأنّ الثلاثين التي يوفر فيها هو شهر ذي القعدة وبعـده شهر ذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المقنعة : 391 .

(2) الوسائل 12 : 321 / أبواب الإحرام ب 5 ح 1 .

ــ[354]ــ

الحجّة ، فيكون حكم توفير الشعر في شهر ذي القعدة مسكوتاً عنه ، لأنّ المذكور في الرواية ـ بناءً على ما ذكرنا ـ حكمه بالجواز فى شهر شوال وحكمه بالمنع في شهر ذي الحجة الذي عبّر عنه ببعد الثلاثين التي يوفر فيها ، وسكت عن ذي القعدة ، وهذا بعيد في نفسه ، على أن التعبير عن ذي الحجة بذلك غير متعارف وتبعيد للمسافة ، ولو كان المقصود شهر ذي الحجة لقال (عليه السلام) : وإن تعمد ذلك في ذي الحجة فكذا .

   والظاهر أن كلمة «التي» صفة لقوله «بعد» ، وإن كان لا تساعد عليه القاعدة النحوية ، فيكون المعنى وإن كان بعد شوال فإن البعد الذي يوفر فيه الشعر إنما هو ذو القعدة ، والبعد الواقع بعد الثلاثين أي شهر شوال هو شهر ذي القعدة ، والألف واللام في الثلاثين إشارة إلى الثلاثين من أوّل شهور الحج ، فمدلول الرواية تفصيل بين شهر شوال وشهر ذي القعدة .

   فالمستفاد من الرواية أن المتمتع إذا حلق رأسه في شهر شوال فلا بأس به ، وإن حلق بعد شهر شـوّال ففيه بأس ، ولا مانع من الالتزام بذلك ، إذ لا إجماع على الخلاف ، إلاّ أن الرواية كما عرفت أجنبية عن الحلق في شهر ذي القعدة قبل التلبس بالإحرام الذي هو المدعى ، وإنما موردها الحلق في مكّة بعد الإحرام وبعد عمرة التمتّع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net