ــ[356]ــ
الثالث : الغسل للإحرام في الميقات (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعم يذكر في الجواب حكماً كلياً للمتمتع لا كلياً له ولغيره ممن يقصد الحج ولم يتلبس بعد بشيء من الأعمال ، ولا إشكال في أن هذا الحكم غير ثابت لجميع المكلفين وإنّما يختص بطائفة خاصّة ، هذا كلّه قبل الدخول في الإحرام .
وأمّا إذا أحرم وأتى بالأعمال وفرغ من أعمال عمرة التمتّع وحلق ، هل عليه التكفير بشاة أم لا ؟ ذكر بعضهم لزوم الكفّارة ، لإطلاق الصحيحة من حيث صدور الحلق بعد الفراغ من الأعمال أو قبلها .
لكن لا يبعد عدم الوجوب ، لعدم صدق المتمتع بالفعل على من فرغ من أعماله لأنّ المشتق ظاهر في المتلبس في الحال ، كالمعتمر فإنه يصدق على من كان مشتغلاً بإتيان العمرة ، فإذا أحلّ لا يصدق عليه المتمتِّع ولا المعتمر ، وإنما كان متمتِّعاً وقد مضت متعته ، ولا قرينة على إرادة الأعم من المتلبس وممن انقضى عنه المبدأ ، نعم الحلق في نفسه بعد أعمال عمرة المتمتع غير جائز ، ولا بدّ من التحفظ على شعره ليحلقه في منى كما هو المستفاد من صحيح جميل ، إلاّ في شهر شوال ، فإنه يجوز الحلق فيه ولو بعد الفراغ من أعمال عمرة التمتّع .
فالمتحصل : أنّ المكلّف إذا أتى بعمرة التمتّع في شهر شوال جاز له الحلق إلى مضي ثلاثين يوماً من يوم عيد الفطر ، وأمّا بعده فلا يجوز بل يتحفّظ على شعره إلى يوم عيد الأضحى .
(1) لا ريب في أن من جملة المسـتحبات المؤكدة غسل الإحرام ، والاخبار به مستفيضة (1) بل كادت تكون متواترة ، وظاهر جملة منها بل صريح بعضها وإن كان هو الوجوب كما في موثقة سماعة (2) لإطلاق الواجب عليه ، ولكن لا بدّ من رفع اليد عن ذلك وحملها على الاستحباب وتأكده ، إذ لا يمكن الالتزام بالوجوب مع تصريح
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 322 / أبواب الإحرام ب 6 ، 8 .
(2) الوسائل 3 : 303 / أبواب الاغسال المسنونة ب 1 ح 3 .
ــ[357]ــ
ومع العذر عنه التيمّم (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأصحاب بالاستحباب وتسالمهم عليه ، ولو كان واجباً لكان من جملة الواضحات لكثرة الابتلاء به في كل سنة لكثير من المسلمين ، وكيف يخفى الوجوب عليهم ، ولم ينقل القول بالوجوب إلاّ من ابن أبي عقيل(1) وابن الجنيد(2) ولا يعبأ بخلافهما ، لقيام السيرة القطعية المستمرّة بين المسلمين على الخلاف، فلا ينبغي الشك في عدم الوجوب.
هذا مع إمكان حمل الواجب في موثق سماعة على معناه اللّغوي وهو الثابت ، وقد تقدّم الكلام مفصّلاً في باب الاغسال المسنونة من كتاب الطّهارة(3) ، وذكرنا هناك وجهاً آخر لعدم إمكان القول بالوجوب أصلاً لا النفسي ولا الغيري .
(1) هل يقوم التيمم مقام الغسل مع العذر عنه أم لا ؟ قولان ، والصحيح هو الأوّل كما هو الحال في جميع الأغسال المستحبة ، لإطلاق ما دلّ على بدلية التراب عن الماء(4) في الطّهورية ، فكل مورد ثبت كون الغسل مشروعاً وطهوراً وتعذّر منه يقوم التيمّم مقامه ، ولا حاجة إلى نص خاص .
وتوقف بعضهم في ذلك لعدم النص الخاص ، ولأنّ الغرض من الغسل تنظيف البدن وإزالة الأوساخ عنه ، ولا يترتّب ذلك على التيمم . ولكن يضعف ذلك ، لأنّ الغسل عبادة مستقلّة في نفسها وهو طهور ، وقد اُطلق الطهور على التيمّم أيضاً وأنّ التيمّم أحد الطّهورين ، وذلك يكفي في قيام التيمّم مقام الغسل . نعم ، إجزاء الغسل عن الوضوء يختص بالمبدل عنه وهو الغسل ، ولا يجري في البدل أي التيمّم ، لقصور دليل البدلية عن إثبات ذلك حتى في التيمم بدل الأغسال الواجبة غير الجنابة ، فلو تيمّم عن غسل المس مثلاً عليه أن يتوضّأ وإن كان نفس الغسل مجزئاً عن الوضوء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المختلف 4 : 76 المسألة 37 .
(2) المختلف 4 : 77 المسألة 40 .
(3) بعد المسألة [ 1051 ] فصل في الاغسال الفعليّة .
(4) الوسائل 3 : 385 / أبواب التيمم ب 23 .
|