الخامس : قاعدة (الشيء ما لم يجب لم يوجد) 

الكتاب : مجمع الرسـائل - رسـالة في الأمر بين الأمرين   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 10467


في قاعدة أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد

الخامس : في بيان معنى قول الفلاسفة(2): إنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، أو إنّ الشيء ما لم يوجد لم يجب . وهذه القاعدة قد ذكرها الفلاسفة في باب لزوم معيّة المعلول ، وهي من الاُصول الموضوعة عندهم في الفلسفة العالية وغيرها من أبواب الفلسفة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص47 .
(2) راجع الأسفار 1 : 221 ، نهاية الحكمة : 54 .

ــ[11]ــ

قال الشيخ الرئيس في كتاب الشفاء في البحث عن وجوب معيّة المعلول لعلّته ما لفظه : فلا يبعد أن يكون الشيء مهما وجد وجب بالضرورة(1).

وقال صاحب الأسفار في حاشيته على الكتاب : يريد بيان أنّ العلّة ما لم يجب كونها علّة لم تكن علّة بالحقيقة ، وأنّ المعلول ما لم يجب وجوده بالغير لم يكن موجوداً(2).

وقد صرّح بهذه القاعدة كثير منهم في مواضع عديدة ، والمهمّ لنا هو معنى القاعدة وما قصدوا بها عند استدلالاتهم ، وبيان أنّها صحيحة أو فاسدة .

الذي ظهر لنا في معنى أصل القاعدة من كلماتهم : أن تكوّن كلّ شيء وتحصّله في الأعيان أو الأذهان فرع تمامية علّته بما لها من الأجزاء والشرائط وارتفاع الموانع ، وعند ذلك يجب وجود المعلول ، فوجود كلّ شيء مسبوق بضرورة سابقة وتعيّن وجوبي في مرتبة علّته .

ولا يخفى أنّ هذا المعنى من الضروريات الأوّلية في الجملة ، إذ كلّ عاقل يحكم بضرورة عقله بأنّ المعلول لا يتحقّق في موطن وجوده بأدنى إخلال في ناحية علّته بعدم تمامية مقتضيه ، أو بعدم وجود شرطه ، أو من جهة وجود مانعه ، وإنّما الكلام في سعة هذه القاعدة وضيقها .

فنقول : لو كان المراد بوجوب الشيء قبل وجوده وجوده الاضطراري الناشئ عن استحالة تخلّف المعلول عن علّته ولزوم معيّته لها في الزمان، بحيث لا يتخلّل بين وجوديهما جزء من الزمان ، وإن كان أحدهما مترتّباً على الآخر ، ومن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشفاء (الإلهيات 1) : 165 فصل في المتقدّم والمتأخّر وفي الحدوث [ وفيه : ... وجب ضرورة أن يكون ... ] .
(2) تعليقة صدر المتألّهين على الشفاء : 156 (المقالة الرابعة من الشفاء) .

ــ[12]ــ

ثَمّ يقال : وجدت العلّة فوجد معلولها ، فهو معنى معقول مطابق للبرهان في المعاليل والمسبّبات الصادرة عن عللها وأسبابها من غير إرادة واختيار، وذلك فإنّ الشيء بعد ما فرض ممكناً احتاج في وجوده إمّا إلى إرادة فاعل مختار أو إلى بلوغه مرتبة الوجوب بالغير من جهة علّته ، وإلاّ كان وجوده مع إمكانه ترجّحاً بلا مرجّح ، وهو محال .

وإن اُريد به لزوم وجوب الشيء قبل وجوده ولو فيما كان الوجود مستنداً إلى إرادة الفاعل المختار ، ليرجع محصّل القاعدة إلى استحالة وجود كلّ ممكن اختيارياً كان أو غير اختياري ما لم يصل إلى حدّ الوجوب وضرورة الوجود ، فهو معنى يخالفه الوجدان ، ولم يقم على طبقه برهان .

وإيفاء البحث في هذا المقام بأن يقال : إنّ الممكن بما أنّه ممكن لا يقتضي في نفسه الوجود والعدم ، فهما بالإضافة إليه ككفّتي الميزان ، فلا يعقل أن يوجد في الخارج إلاّ وله موجد ، وإلاّ لزم الترجّح بلا مرجّح ، وهو باطل بضرورة العقل وقد اُشير إليه في قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)(1) فالممكن يستحيل أن يوجد من غير موجد ، كما يستحيل أن يكون هو الموجد لنفسه .

ثمّ إن كان الموجد فاعلا بالاضطرار فلابدّ في صدور الممكن منه من وصوله إلى حدّ العلّية التامّة ، الذي يستحيل معه تخلّف المعلول عنه ، إذ قبل ذلك كان الممكن باقياً على إمكانه فيستحيل وجوده ، لأنّه ترجح بلا مرجّح .

وهذا معنى أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، بمعنى أنّ الممكن الصادر من الفاعل بغير الاختيار إن لم يصل إلى حدّ الإلجاء والوجوب يستحيل وجوده ، فوجود الممكن مساوق لوجوبه ، كما أنّ عدمه مساوق لامتناعه ، فإنّه لا يكون معدوماً إلاّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطور 52 : 35 .

ــ[13]ــ

بعدم علّته التامّة ، وفي هذا الفرض كان وجوده محالا ، وإلاّ لزم الترجّح بلا مرجّح .

وبالجملة : أمر الممكن دائر بين الوجوب والامتناع الغيريّين ، فإنّه مع فرض وجود علّته التامّة واجب ومع عدمها ممتنع ، لكن مثل هذا الوجوب والامتناع لا ينافي الإمكان الذاتي الذي هو بمعنى عدم اقتضاء الماهية في نفسها للوجود والعدم وعدم إبائها لشيء منهما .

وأمّا لو كان الفاعل فاعلا بالاختيار فهو وإن كان ممّا لابدّ منه في صدور الفعل وتحقّقه ، لما عرفت من استحالة وجود الممكن بلا موجد له، إلاّ أنّه لا يعتبر فيه وصول الأمر إلى حدّ الإلجاء والاضطرار ، بل لابدّ من أن لا يكون كذلك ، وإلاّ خرج الفعل عن كونه اختيارياً ، وهو خلف .

وبالجملة : فرض كون الفعل اختيارياً يستلزم كون أمره وجوداً وعدماً بيد الفاعل وتحت سلطانه ، فلو فرض وجود جميع المقدّمات التي يتوقّف عليها وجود الفعل ، وكان شوق الإنسان إليه في غاية مرتبة القوّة والشدّة ، لم يكن الفعل مع ذلك خارجاً عن تحت قدرة الإنسان ، بل كان أمره بيده ، فله أن يعمل قدرته في وجوده الذي نعبّر عنه بالاختيار ، وله أن لا يعملها فيه .

فتحصّل : أنّ قاعدة أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد لا تجري في الأفعال الاختيارية ، ومَن أسراها إليها قد التبس عليه الأمر ، فلم يميّز بين الفاعل بالاختيار والعلّة الاضطرارية .

نعم إنّ لنا بحثاً آخر ، وهو أنّ العقل يستقلّ بقبح الترجيح بلا مرجّح فالفاعل بالاختيار إذا كان حكيماً لابدّ في فعله من مرجّح له ، وهذا بحث آخر أجنبي عمّا نحن فيه ، وسيجيء الكلام فيه عن قريب إن شاء الله(1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص39 .

ــ[14]ــ

وممّا ذكرنا بطل قول من زعم قدم العالم ، بدعوى أنّه يستحيل تخلّف المعلول عن علّته التامّة ، وأنّ المفروض أنّه لا علّة غيره تعالى ، وهو قديم ، فالعالم يلزم أن يكون قديماً .

والجواب : أن لا علّية في ذلك المقام الشامخ ولا اضطرار فيه إلى إيجاد فعل ما
وإنّما هو تحت إرادته وسلطانه ، فمتى شاء إيجاد فعل حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية أوجده ، ومتى لم يشأ لم يوجده ، ولعلّنا نتكلّم في ذلك فيما بعد مستوفى(1)، والله الهادي إلى سواء السبيل .
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net