الكلام في أن لبس الثوبين واجب مستقل أو شرط للإحرام 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3829


 

ــ[441]ــ

   الثالث من واجبات الإحرام : لبس الثوبين بعد التجرد عما يجب على المحرم اجتنابه ، يتّزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ، والأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقق الإحرام ، بل كونه واجباً تعبّديّا  (1) ،

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأثر يجري ، سواء كان المورد مجهول التاريخ أو معلومه ، ولا مجال للرجوع إلى البراءة بعد إمكان جريان الأصل الموضوعي .

   (1) وجوب لبس ثوبي الإحرام المسمّى أحدهما بالازار والآخر بالرداء اتفاقي بين الأصحاب ولم يخالف فيه أحد منّا بل من المسلمين كافة ، وقد جرت عليه السيرة من زمن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وزمن الأئمّة (عليهم السلام) إلى زماننا ، فلا كلام في أصل الوجوب وإنما يقع الكلام في جهات :

   الاُولى : أنّ المستفاد من الأخبار هل هو وجوب لبسهما أو استحبابه ؟ ربّما يقال بوجوب ذلك لعمل النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) وسائر المسلمين ، ولكن يردّه أن مجرد العمل لا يدل على الوجوب وإذن فلا بدّ من ذكر بعض الأخبار التي استفيد منها الوجوب ، فمنها : الأخبار الآمرة بلبس الثوبين ولو على نحو الجملة الخبرية ، بناءً على ما هو الصحيح من دلالتها على الوجوب كظهور الأمر في الوجوب ولا يرفع اليد عنه إلاّ بالقرينة ، ومجرّد الاقتران بالاُمور المستحبّة غير ضائر بدلالة الأمر على الوجوب ، لما ذكرنا في المباحث الاُصولية (1) أنّ الأمر ظاهر في الوجوب ، ففي كل مورد قامت القرينة على الاستحباب نرفع اليد عن الوجوب في ذلك المورد ويبقى الباقي على الوجوب ، فلو قال : اغتسل للجنابة والجمعة نلتزم بالوجوب لظهور الأمر فيه ، وإنما نلتزم باستحباب غسل يوم الجمعة لقيام القرينة الخارجية على عدم الوجوب .

   فمن جملة الروايات : صحيحة معاوية بن وهب في حديث ، «حتى تأتي الشجرة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 132 .

ــ[442]ــ

فتفيض عليك من الماء وتلبس ثوبيك إن شاء الله» (1) .

   ومنها : صحيحة هشام بن سالم «والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها» (2) .

   ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار «ثمّ استك واغتسل والبس ثوبيك» (3) .

   ومنها : صحيحة اُخرى له «إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثمّ البس ثوبيك وادخل المسجد» (4) وغيرها من الأخبار .

   ويؤكذ ذلك ما ورد في تجريد الصبيان من فخ (5) ، فإنّ تجريدهم من ثيابهم يكشف عن اعتبار لبس ثوبي الإحرام وإلاّ فلا موجب لتجريدهم .

   ويؤيد ذلك ما ورد في الإحرام من المسلخ من وادي العقيق وأنه عند التقيّة والخوف يؤخر لبس ثياب الإحرام إلى ذات عرق (6) ، ويعلم من ذلك أن لبس ثوبي الإحرام من الواجبات ، إلى غير ذلك من الروايات والشواهد .

   الجهة الثانية : في أن لبس ثوبي الإحرام واجب تعبدي بحيث لو تركه انعقد إحرامه وإن كان آثماً أم أنه واجب شرطي في تحقق الإحرام بحيث لا ينعقد الإحرام إلاّ به ؟ واشتراط المذكور يتصور على نحوين :

   أحدهما : أن يكون لبس الثوبين متمماً للإحرام ، فلو لبى وهو عار أو كان لابساً للمخيط وغير لابس للثوبين فلم يتحقق منه الإحرام الكامل ، والإحرام الكامل التام يحصل بعد لبس الثوبين فاللبس مقوم أي متمم للإحرام ، إلاّ أن ما أتى به من التلبية قبل اللبس صحيح ولا حاجة إلى إعادتها .

   ويرده أوّلاً : أنه لا دليل على ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 325 / أبواب الإحرام ب 7 ح 3 .

(2) الوسائل 12 : 326 / أبواب الإحرام ب 8 ح 1 .

(3) الوسائل 12 : 323 / أبواب الإحرام ب 6 ح 4 .

(4) الوسائل 12 : 408 / أبواب الإحرام ب 52 ح 1 .

(5) الوسائل 12 : 398 / أبواب الإحرام ب 47 ح 1 .

(6) الوسائل 11 : 313 / أبواب المواقيت ب 2 ح 10 .

ــ[443]ــ

   وثانياً : ينافيه صريح الروايات الدالّة على أن موجب الإحرام أحد اُمور ثلاثة : الاشعار أو التقليد أو التلبيات كما في صحيحة معاوية بن عمّار (1) .

   ثانيهما : أن يكون لبس ثوبي الإحرام شرطاً في صحّة التلبية بحيث لو لبى عارياً أو في المخيط من دون الثوبين عليه إعادة التلبية لوقوعها فاقدة للشرط فتفسد .

   ويردّه: مضافاً إلى عدم الدليل ومنافاته لصحيحة معاوية بن عمّار المتقدِّمة(2) صحيح معاوية بن عمّار وغير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل أحرم وعليه قميصه فقال : ينزعه ولا يشقه ، وإن كان لبسه بعدما أحرم شقه وأخرجه مما يلي رجليه» (3) فإنه يدل على صحّة إحرامه والاجتزاء به وإن كان عليه قميصه من دون حاجة إلى إعادة الإحرام ، وإنما ينزع القمـيص لحرمة لبس المخيط على المحرم ، ولو كان لبس الثوبين شرطاً في صحّة الإحرام يلزم عليه الإحرام ثانياً لبطلان الإحرام الأوّل .

   ولكن صاحب الحدائق(4) ذكر أن هذه الصحيحة الدالّة على صحّة الإحرام في المخيط مطلقة من حيث الجهل بالحكم والعلم به مع تعمد الإحرام في المخيط ، فتقيّد بصحيحة عبدالصمد بن بشير الدالّة على صحّة الإحرام في المخيط في صورة الجهل بالحكم ، فيحمل إطلاق صحيح معاوية بن عمّار على خبر عبدالصمد ، فتكون النتيجة صحّة الإحرام في المخيط عند الجهل بالحكم دون ما لو كان عالماً به وتعمّد الإحرام في المخيط .

   وأمّا صحيحة عبدالصمد فهي ما رواه الشيخ عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «جاء رجل يلبي حتى دخل المسجد الحرام وهو يلبي وعليه قميصه ، فوثب إليه اُناس من أصحاب أبي حنيفة وأفتوه بشق قميصه وإخراجه من رجليه وأن عليه بدنة والحج من قابل وأنّ ما حجّه في المخيط فاسد ، وذكر ذلك لأبي عبدالله (عليه السلام)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 279 / أبواب أقسام الحج ب 12 ح 20 .

(2) في ص 436 .

(3) الوسائل 12 : 488 / أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 2 .

(4) الحدائق 15 : 78 .

ــ[444]ــ

وأنه لم يسأل أحداً عن شيء ، فقال (عليه السلام) : متى لبست قميصك ؟ أبعد ما لبيت أم قبل ؟ قال : قبل أن اُلبي ، قال : فأخرجه من رأسك ، فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل ، أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه» (1) .

   والجواب : أن المقام ليس من موارد حمل المطلق على المقيّد ، وذلك لأنّ خبر عبدالصمد ليس في مقام بيان تصحيح عمله لكونه جاهلاً ، وإنما هو في مقام بيان أنه ليس عليه الكفّارة وفي مقام نفي ما أفتوا به في حقّه وأنه لا يجب عليه شيء مما ذكروه ، وقد فصّل في الرواية بين اللبس قبل التلبية أو بعدها وحكم (عليه السلام) بإخراج القميص من رأسه فيما إذا لبسه قبل التلبية وهذا حكم تعبدي كما أنه يخرجه من رجليه إذا لبسه بعدما أحرم كما في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة .

   فتحصل : أنه لا دليل على اشتراط لبس الثوبين في تحقق الإحرام بكلا المعنيين لا بمعنى المتمم ولا بمعنى دخله في صحّة التلبية ، وإنما المستفاد من الأدلّة وجوب لبس الثوبين وجوباً مستقلاً تعبديا .

   وربّما يقال : إن المستفاد من صحيحة اُخرى لمعاوية بن عمّار بطلان التلبية إن لم يكن لابساً لثوبي الإحرام ، فقد روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إن لبست ثوباً في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلبّ واعد غسلك ، وإن لبست قميصاً فشقه وأخرجه من تحت قدميك»(2) فإن الأمر باعادتها يكشف عن بطلان الإحرام الأوّل لأنه أحرم فيما لا يصلح له لبسه كالمخيط .

   وفيه : أن الصحيحة غير ناظرة إلى شرطية اللبس في تحقق الإحرام وإنما هي ناظرة إلى لبس ما لا يجوز لبسه عند الإحرام ، سواء أكان لابساً لثوبي الإحرام أم لا بل فرض فيها تحقق الإحرام منه وإنما لبس ما لا يصلح له من الثياب ، والقرينة على ذلك حكمه (عليه السلام) بشق القميص وإخراجه من تحت قدمه في ذيل الرواية ، كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 5 : 72 ح 239 ، الوسائل 12 : 488 / أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3 .

(2) الوسائل 12 : 489 / أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 5 .

ــ[445]ــ

في صحيحتي معاوية بن عمّار المتقدِّمتين(1) .

   وبالجملة : الرواية في مقام بيان التفصيل بين القميص والقباء وأن القميص يمتاز عن غيره كالقباء بشق القميص وإخراجه من تحت قدميه ، لأنه لو أخرجه من رأسه يتحقق ستر الرأس بخلاف القباء والجبة ونحوهما مما يمكن نزعه من دون أن يستر الرأس ، ومن الواضح أن كل من لبس ثوباً لا يصلح له لبسه ـ  بعد تحقق الإحرام منه  ـ يستحب له إعادة التلبية ، فلا دلالة في الرواية على بطلان التلبية مع لبس المخيط ، وإنما تدل الرواية على إعادة التلبية والغسل بعد تحقق الإحرام منه فلا بدّ أن يكون الحكم محمولاً على الاستحباب .
ـــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 488 / أبواب تروك الإحرام 45 ح 1 ، 2 ، وتقدّم في ص 436 ، 443 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net