ــ[28]ــ
ومعنى الرّاحلة هو وجود وسيلة يتمكّن بها من قطع المسافة ذهاباً وإيّاباً (1) ويلزم في الزاد والرّاحلة أن
يكونا ممّا يليق بحال المكلّف (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
نعم» (1) ونحوها صحيحة هشام(2) ومعتبرة السكوني(3) .
فالمتحصل من الرّوايات أنّ المعتبر في الحجّ ليس مجرّد القدرة العقليّة ، بل يشترط فيه قدرة خاصّة ،
ومنها أن يكون له زاد وراحلة .
(1) وإنّما يعتبر نفقة الإياب لمن يريد العود إلى وطنه ، وإلاّ فلا يعتبر التمكّن من مصارف الإياب
كما سيأتي في مسألة 22 .
(2) وإلاّ لكان حرجياً وهو منفي في الشريعة . نعم ، ربّما يظهر من بعض الرّوايات عدم العبرة
بالراحلة ولزوم تحمّل المشقّة بالمشي أو بالرّكوب على حمار أجدع أبتر .
منها : صحيح ابن مسلم في حديث قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) فإن عرض عليه الحجّ
فاسـتحيى ؟ قال : هو ممّن يستطيع الحجّ ، ولِمَ يستحيي ؟ ولو على حمار أجدع أبتر ؟ قال : فإن كان
يستطيع أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل»(4) ومثله صحيح الحلبي(5) .
والجواب عن ذلك : مضافاً إلى أ نّه لم يقل أحد بمضمونهما حتّى القائل بعدم اعتبار الرّاحلة ، أنّ
هذه الرّوايات وردت في مورد البذل وعرض الحجّ ، وأ نّه لو بذل له الحجّ واستقرّ عليه وصار
مستطيعاً بذلك فليس له الإمتناع والحياء بعد عرض الحجّ ، وإذا امتنع من القبول واستحيى يستقر عليه
الحجّ ويجب عليه إتيانه ولو كان فيه مشقّة وحرج فالحكم المذكور فيهما أجنبي عن مورد كلامنا ، وهو
حصول الاستطاعة الماليّة للمكلّف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 34 / أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 4 .
(2) الوسائل 11 : 35 / أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 7 .
(3) الوسائل 11 : 34 / أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 5 .
(4) الوسائل 11 : 39 / أبواب وجوب الحجّ ب 10 ح 1 .
(5) الوسائل 11 : 40 / أبواب وجوب الحجّ ب 10 ح 5 .
ــ[29]ــ
ومنها : صحيح معاوية بن عمّار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه
أن يحجّ ؟ قال : نعم ، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين ، ولقد كان (أكثر)
من حجّ مع النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مشاة ولقد مرّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بكراع
الغميم فشكوا إليه الجهد والعناء فقال : شدّوا أزركم واستبطنوا ، ففعلوا ذلك فذهب عنهم» (1)
فإنّه قد حكم فيه بوجوب الحجّ على من أطاق المشي ، والمراد من «أطاق» إعمال غاية الجهد والمشقّة
ومنه قوله تعالى : (... وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين ...)(2) .
ويجاب عن ذلك أوّلاً بأ نّه لم يعمل أحد من الفقهاء بمضمونه .
وثانياً : أنّ المراد بمن أطاق المشي ، القدرة على المشي في قبال المريض والمسجى الّذي لا يتمكّن من
المشي أصلاً حتّى في داره وبلده ، فمن تمكّن من المشي وأطاقه بمعنى أ نّه لم يكن مريضاً ولم يكن
مسجى ، يجب عليه الحجّ بالطرق المتعارفة لا مشياً على الأقدام .
ولو سلمنا ظهور هذه الرّوايات في عدم اعتبار الرّاحلة ، فلا ريب أنّ ظهور تلك الرّوايات الدالّة
على الإعتبار أقوى من ظهور هذه ، فترفع اليد عن ظهور هذه لأظهريّة تلك الرّوايات .
ويؤكّد ما قلناه : أنّ الحجّ لو كان واجباً على كلّ من تمكّن من المشي وإن لم يكن له راحلة لكان
وجوبه حينئذ من الواضحات الّتي لا يمكن خفاؤها لكثرة الإبتلاء بذلك .
وأمّا استشهاد الإمام (عليه السلام) بأصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلم يعلم أنّ حجّهم
كان حجّة الإسلام ويحتمل كونه حجّاً ندبيّاً وإن فرض أوّل سنتهم لإستحباب الحجّ للمتسكع ، فلا
ريب في اعتبار الزاد والرّاحلة حتّى لمن يتمكّن من المشي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 43 / أبواب وجوب الحجّ ب 11 ح 1 .
(2) البقرة 2 : 184 .
|