ــ[71]ــ
مسألة 60 : لا يشترط في وجوب الحجّ على المرأة وجود المحرم لها إذا كانت مأمونة على نفسها
(1) ومع عدم الأمن لزمها استصحاب محرم لها ولو باُجرة إذا تمكّنت من ذلك ، وإلاّ لم يجب الحجّ
عليها .
مسألة 61 : إذا نذر أن يزور الحسين (عليه السلام) في كلّ يوم عرفة مثلاً واستطاع بعد ذلك
وجب عليه الحجّ وانحلّ نذره ، وكذلك كلّ نذر يزاحم الحجّ(2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
الرّابعة : تدل على أنّ المطلّقة الرجعيّة تحج في عدّتها بإذن الزّوج كما في صحيحة معاوية بن عمار «
المطلّقة تحج في عدّتها إن طابت نفس زوجها» (1) ، ومقتضى الجمع بين هذه الطوائف حمل إطلاق ما
دلّ على أ نّها لا تحجّ إلاّ مع الإذن على غير حجّ الإسلام ، وحمل ما دلّ على أ نّها تحجّ مطلقاً على
حجّة الإسلام ، فالنتيجة أنّ المطلّقة الرجعيّة لا تستأذن في حجّة الإسلام وتستأذن في غيرها .
(1) لإطلاق أدلّة وجوب الحجّ عليها ، مضافاً إلى النصوص الخاصّة منها : صحيح سليمان بن خالد
«في المرأة تريد الحجّ ليس معها محرم هل يصلح لها الحجّ ؟ فقال : نعم إذا كانت مأمونة» (2) وليعلم
أنّ استصحاب المحرم لا خصوصيّة له ، وإنّما الميزان استصحاب من تثق به سواء أكان محرماً أم غيره ،
فذكر المحرم بخصوصه كما في المتن فيه مسامحة .
(2) اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، فقد نسب إلى المشهور ومنهم صاحب الجواهر(3) والسيِّد في
العروة(4) تقديم النذر على الحجّ لانتفاء الاستطاعة حينئذ ، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي فإن وجوب
الوفاء بالنذر يزيل الاستطاعة فلا يكون مستطيعاً للحج أبداً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 22 : 219 / أبواب العدد ب 22 ح 2 .
(2) الوسائل 11 : 153 / أبواب وجوب الحجّ ب 58 ح 2 .
(3) الجواهر 17 : 347 .
(4) العروة الوثقى 2 : 242 / 3029 .
ــ[72]ــ
وبعبارة اُخرى : ذكروا أنّ وجوب الوفاء بالنذر مقيّد بالقدرة العقليّة كبقيّة الواجبات ، ووجوب
الحجّ مشروط بالقدرة الشرعيّة ، فإذا كان بقاؤه في كربلاء يوم عرفة مثلاً واجباً لزيارة الحسين (عليه
السلام) فقد صار عاجزاً عن الإتيان بالحج والقيام به ، فإنّ العجز الشرعي كالعجز العقلي فيكون
معذوراً في ترك الحجّ .
وذهب جماعة من المحققين كالشيخ النائيني ومنهم السيِّد الاُستاذ (دام ظله) إلى تقديم الحجّ وانحلال
نذره ، وهذا هو الصحيح . توضيح ذلك :
إنّ المشهور إنّما التزموا بتقديم النذر على الحجّ لالتزامهم بأخذ القدرة الشرعيّة في موضوع الحجّ ،
ولازم ذلك أن كلّ واجب يزاحم الحجّ يزيل موضوع الحجّ وهو الاستطاعة ، ولا يكون المكلّف حينئذ
قادراً على الحجّ ويصبح عاجزاً عن الإتيان به . وبعبارة أوضح : اُخذ في موضوع الحجّ أن لا يزاحمه
واجب آخر ، فإذا وجب على المكلّف شيء في أوان الحجّ وزاحمه بحيث لا يتمكّن من الجمع بينهما
يسقط وجوب الحجّ لعدم القدرة عليه شرعاً .
ولكن الظاهر أ نّه لا دليل على ما ذكروه أصلاً ، وقد ذكرنا في بعض المباحث السابقة (1) أنّ الحجّ
ليس مشروطاً بالقدرة الشرعيّة المصطلحة وإنّما الحجّ كسائر الواجبات الإلهيّة مشروط بالقدرة العقليّة
.
نعم ، فسّرت القدرة المأخوذة في الحجّ في الرّوايات بقدرة خاصّة ، وهي واجديته للزاد والرّاحلة
وصحّة البدن وتخلية السرب ولا يؤول ذلك إلى أخذ القدرة الشرعيّة بحيث يزاحمه أيّ واجب من
الواجبات الشرعيّة ، فوجوب الحجّ حاله حال سائر التكاليف الإلهيّة في كونه مشروطاً بالقدرة العقليّة ،
فعند مزاحمته لواجب آخر يلاحظ الأهم منهما كبقيّة الواجبات المتزاحمة ، هذا كلّه بحسب الكبرى .
إلاّ أ نّه في خصوص المقام وهو ما لو نذر زيارة الحسين (عليه السلام) في كلّ عرفة وغير ذلك من
النظائر لا يصل الأمر إلى التزاحم ، والوجه فيه أنّ وجوب الوفاء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 25 .
ــ[73]ــ
بالنذر ليس واجباً ابتدائيّاً مجعولاً من قبل الشريعة المقدّسة على المكلّفين نظير وجوب الصلاة والصيام
وأمثالهما ، وإنّما هو واجب إمضائي ، بمعنى أ نّه إلزام من الله تعالى بما التزم المكلّف على نفسه بالقيام
بشيء لله تعالى ، نظير باب العقود فإنّ البائع يلتزم على نفسه تمليك ماله للمشتري والشارع المقدّس
يمضي التزامه ويلزمه بالوفاء بإلتزامه ، فالعمل الّذي يلتزم به الناذر لله تعالى لا بدّ أن يكون قابلاً
للإضافة إليه سبحانه ومرتبطاً به نحو ارتباط ، ومن هنا اعتبروا الرّجحان في متعلّق النذر ، وإلاّ لو كان
خالياً عن الرّجحان لم يكن قابلاً للإضافة إليه تعالى ، كنذر المباحات الأصليّة الّتي لا رجحان فيها ولا
ترتبط به جلّ اسمه ، ولذا عبّر بعضهم عن ذلك بأن لا يكون النذر محلّلاً للحرام وبالعكس ، مع أنّ
هذا لم يرد في النذر وإنّما ورد في الشرط . والحاصل : لا بدّ أن يكون العمل المنذور الملتزم به على
نفسه راجحاً في نفسه وقابلاً للإضافة إليه تعالى ، وإلاّ فلا ينعقد النذر .
والنتيجة : أنّ كلّ عمل استلزم ترك واجب أو فعل محرم ، لا يمكن إستناده وإضافته إلى الله تعالى ،
فلا تشمله أدلّة وجوب الوفاء بالنذر ، لقصور دليل الإمضاء لمثل هذه الموارد فينحل النذر فيها ، فلا
يصل الأمر إلى التزاحم فضلاً عن أن يرفع النذر موضوع الاستطاعة .
فظهر ممّا ذكرنا أنّ وجوب الحجّ مطلق غير مشروط بشيء سوى الاستطاعة المفسّرة في النصوص
باُمور خاصّة ، وأمّا القدرة الشرعيّة المصطلحة فغير مأخوذة فيه ، بخلاف النذر فإنّه مشروط بأن لا
يكون محلّلاً للحرام ومحرماً للحلال ومستلزماً لترك واجب أو إتيان محرم ، وعليه فلا يقع التزاحم بين
النذر والحجّ أصلاً .
ويؤكّد ما ذكرناه : أ نّه لو صحّ النذر وتقدّم على الحجّ لأمكن الإحتيال لسقوط الحجّ وتفويته بنذر
أيّ أمر راجح يستلزم ترك الحجّ ، ولو بنذر إتيان ركعتين من الصلاة في مسجد بلده يوم عرفة أو
قراءة سورة معيّنة في المسجد الفلاني في يوم عرفة ونحو ذلك ، وهذا مقطوع البطلان فإنّ الحجّ ممّا بني
عليه الإسلام فكيف يمكن الإلتزام بسقوطه بأمثال هذه الاُمور .
|