ــ[80]ــ
مسألة 67: يكفي في الاستنابة الاستنابة من الميقات ولا تجب الاستنابة من البلد(1).
مسألة 68 : من استقرّ عليه الحجّ إذا مات بعد الإحرام في الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
مقتضى إطلاق الأدلّة كقوله : «فليجهز رجلاً» ونحو ذلك وجوب الاستنابة عليه سواء تبرّع عنه آخر
أولاً .
(1) لأنّ المذكور في النصوص هو لزوم تجهيز رجل وبعثه إلى الحجّ ولم يؤخذ فيها الابتداء من مكان
خاص ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بالنظر إلى الأماكن حيث يصدق إنّه جهّز رجلاً ليحج عنه .
نعم ، ورد في صحيحة محمّد بن مسلم «ليبعثه مكانه» (1) فربما يستفاد من ذلك الاختصاص ببلد
المنوب عنه ، ولكن قد عرفت أنّ هذه الصحيحة أجنبيّة عن المقام لاختصاصها بالحج التطوّعي . مضافاً
إلى أنّ البعث لا يختص ببلده بل يصدق البعث والإرسال من أيّ بلد شاء ، فلو كان من أهالي النجف
الأشرف وأرسل شخصاً من المدينة المنوّرة للحج يصدق إنّه بعث رجلاً للحج عنه مكانه .
(2) بلا خلاف بين العلماء ، بل ادّعي عليه الإجماع لجملة من النصوص ، منها : صحيح ضريس
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «في رجل خرج حاجاً حجّة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن
مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام»
(2) .
وبإزائها صحيح زرارة «إذا اُحصر الرّجل بعث بهديه ـ إلى أن قال ـ قلت : فإن مات وهو محرم
قبل أن ينتهي إلى مكّة ، قال : يحجّ عنه إن كان حجّة الإسلام ويعتمر إنّما هو شيء عليه» (3) فإنّ
مدلوله المطابقي عدم الإجزاء لو مات المحرم قبل الدخول إلى مكّة ، ومفهومه الإجزاء لو دخل مكّة
محرماً فلا عبرة بالدخول في الحرم وعدمه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 64 / أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 5 .
(2) الوسائل 11 : 68 / أبواب وجوب الحجّ ب 26 ح 1 .
(3) الوسائل 11 : 69 / أبواب وجوب الحجّ ب 26 ح 3 .
ــ[81]ــ
سواء في ذلك حج التمتّع والقِران والإفراد (1) . وإذا كان موته في أثناء عمرة التمتّع أجزأ عن حجّه
أيضاً ولا يجب القضاء عنه(2) وإن مات قبل ذلك وجب القضاء حتّى إذا كان موته بعد الإحرام وقبل
دخول الحرم ، أو بعد الدخول في الحرم بدون إحرام(3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
والجواب عن ذلك : أ نّه لا بدّ من رفع اليد عن دلالة صحيح زرارة ، لأن دلالته على الإجزاء في
صورة الدخول إلى مكّة بالظهور ، لأنّ الدلالة على ذلك بالمفهوم، وأمّا الأخبار المتقدّمة الدالّة على
الإجزاء بالدخول في الحرم بالصراحة فيرفع اليد عن ظهور صحيح زرارة بصراحة تلك الأخبار .
مضافاً إلى إمكان إرادة الحرم من مكّة بإعتبار شمولها لتوابعها وضواحيها ، مع العلم بأنّ الفصل بين
الحرم ومكّة قليل جدّاً .
(1) لأنّ الميزان بكون الحجّ حجّة الإسلام ، فلا فرق بين أقسام الحجّ لإطلاق الأدلّة .
(2) لأنّ حجّ التمتّع عمل واحد مركّب من العمرة والحجّ فيكون مشمولاً للروايات.
(3) لأنّ الظاهر من الرّوايات أنّ الموجب للسقوط والإجزاء كونه محرماً ودخل الحرم ، ولا دليل
على الاكتفاء بأحدهما ، والنص إنّما دلّ على الإجزاء فيما لو مات بعد الإحرام والحرم .
خلافاً لما عن الشيخ(1) وابن إدريس(2) فقالا بالإجزاء بالإحرام وإن لم يدخل الحرم ، ولا دليل
لهما سوى إشعار بعض الأخبار ، كقوله في صحيح بريد العجلي «وإن كان مات وهو صرورة قبل أن
يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّـة الإسلام»(3) فإن مفهومه الإجزاء إذا مات بعد
الإحرام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ النهاية : 284 ، المبسوط 1 : 306 ، الخلاف 2 : 390 .
(2) السرائر 1 : 649 .
(3) الوسائل 11 : 68 / أبواب وجوب الحجّ ب 26 ح 2 .
ــ[82]ــ
والظاهر اختصاص الحكم بحجّة الإسلام فلا يجري في الحجّ الواجب بالنذر أو الإفساد (1) . بل لا
يجري في العمرة المفردة أيضاً (2) فلا يحكم بالإجزاء في شيء من ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
وفيه أوّلاً : أنّ إطلاقه معارض بمفهوم صدره الّذي يدل على عدم الإجزاء إذا كان الموت قبل
الدخول في الحرم .
وثانياً : أنّ مفهومه الدال على الإجزاء إذا مات بعد الإحرام يعارضه منطـوق صحيح زرارة
المتقدِّم(1) الدال على الإجزاء في صورة الدخول إلى مكّة ، فيرفع اليد عن المفهوم بمنطوق خبر زرارة
.
وثالثاً : أنّ أقصى ما يدل عليه صحيح بريد أ نّه لو مات قبل الإحرام وفي أثناء الطريق يصرف ما
معه من الأموال في حجّة الإسلام ويقضى عنه ، وأمّا لو مات بعد الإحرام فلا يجعل زاده وجمله ونفقته
في حجّة الإسلام ، وأمّا أن عمله يجزئ أم لا فالرواية ساكتة عنه ولم ينعقد لها إطلاق من هذه الجهة .
(1) لأنّ مورد الأخبار الدالّة على الإجزاء إنّما هو حجّة الإسلام ولا إطلاق لها يشمل غيرها ، فإنّ
الحجّ النذري أو الإفسادي ليس بحج الإسلام ، بناءً على أنّ حج الإسلام في مورد الحجّ الإفسادي هو
الحجّ الأوّل ، والثّاني إنّما يجب من باب العقوبة كما في النص(2) .
(2) حتّى في العمرة المفردة الّتي يجب الإتيان بها في حجّ القِران أو الإفراد ، لأنّ الإجزاء على خلاف
القاعدة ويحتاج إلى دليل ، وموضوع الدليل إنّما هو الحجّ ولا يشمل العمرة المفردة ، فلو مات في أثناء
حجّ القِران أو الإفراد يجزئ عن حجّه كما عرفت ولا يجزئ عن عمرته ، لأنّ الحجّ والعمرة في هذين
الموردين عملان مستقلاّن وإجزاء أحدهما عن الآخر ممّا لا دليل عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 80 .
(2) الوسائل 13 : 112 / أبواب كفارات الإستمتاع ب 3 ح 9 .
ــ[83]ــ
ومن مات بعد الإحرام مع عدم استقرار الحجّ عليه ، فإن كان موته بعد دخوله الحرم فلا إشكال في
إجزائه عن حجّة الإسلام ، وأمّا إذا كان قبل ذلك فالظاهر وجوب القضاء عنه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
(1) اختلف الفقهاء ، في هذه المسألة إلى قولين :
أحدهما : إجراء التفصيل المذكور في مورد الإستقرار إلى مسألتنا هذه ، وهي ما لو مات مع عدم
استقرار الحجّ عليه .
ثانيهما : اختصاص التفصيل المتقدّم بمن استقرّ عليه الحجّ ، بدعوى أ نّه لا وجه لوجوب القضاء
عمّن لم يستقر عليه الحجّ ، لأنّ موته يكشف عن عدم الاستطاعة الزمانيّة ، ولذا لا يجب إذا مات في
البلد قبل الذهاب .
والصحيح هو الأوّل ، لإطلاق الأخبار في التفصيل المذكور ، حيث يستفاد من ذلك أن من لم يستقر
عليه الحجّ إذا مات في عام الاستطاعة بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ولا يجب
القضاء عنه ، وإذا مات قبل ذلك يقضى عنه .
ولا نرى مانعاً من الالتزام بوجوب القضاء عنه إن لم يستقر عليه الحجّ ، إلاّ ما يقال من أنّ موته
يكشف عن عدم الاستطاعة الزمانيّة ، نظير ما لو مات في بلده في عام الاستطاعة فلا موضوع لوجوب
القضاء عنه .
ويرد عليه : أنّ الموت في عام الاستطاعة ولو في الطريق أو بعروض مانع آخر عن الإتيان بالحج وإن
كان يكشف عن عدم ثبوت الاستطاعة واقعاً ، ولكن لا منافاة في وجوب القضاء عمّن مات في
الطريق بعد التلبس بالإحرام وقبل الدخول في الحرم وإن لم يستقر عليه الحجّ ، فإنّ الأحكام الشرعيّة
أحكام تعبديّة تابعة لما تقتضيه الأدلّة ، والمفروض أنّ إطلاق الأخبار لا قصور في شموله لمن لم يستقر عليه
الحجّ ولعل ذكر الصرورة في صحيح بريد العجلي شاهد على ما ذكرنا ، لأن أكثر من يخرج إلى الحجّ
لا سيما في الأزمنة السابقة هو ممّن حصلت له الاستطاعة في نفس السنة ، ولم يكن قد استقرّ عليه الحجّ
في السنين السابقة ، فلا وجه لاختصاص الأخبار بمن استقرّ
|