ــ[86]ــ
مسألة 71 : إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر لا تجب عليه إعادة الحجّ (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
والمراد من عدم قبول توبته إنّما هو بالنسبة إلى اُمور ثلاثة ، قتله وتقسيم أمواله ومفارقة زوجته ،
فهو مؤمن وربّما تقبل توبته ولكن لا تنفع توبته في خصوص هذه الأحكام الثلاثة .
(1) كما هو المشهور عند أصحابنا ، وحكي عن ابن الجنيد (1) وابن البراج (2) وجوب الإعادة
. والصحيح ما ذهب إليه المشهور والرّوايات بذلك متظافرة ، ومدلولها صحّة الصلاة والصّيام والحجّ
إلاّ الزكاة لأ نّه وضعها في غير مواضعها .
منها : صحيحة بريد العجلي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «كل عمل عمله وهو
في حال نصبه وضلالته ثمّ منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزّكاة ، لأ نّه يضعها في غير
مواضعها ، لأ نّها لأهل الولاية ، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء» (3) كما أنّ صدرها
أيضاً يصرّح بالإجزاء وعدم لزوم الإعادة ، نعم تدل على استحباب الإعادة .
ولكن بإزائها أخبار تدل على وجوب الإعادة إذا استبصر وعمدتها روايتان .
الاُولى : خبر علي بن مهزيار قال «كتب إبراهيم بن محمّد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر (عليه
السلام) إنّي حججت وأنا مخالف وكنت صرورة فدخلت متمتعاً بالعمرة إلى الحجّ ، قال : فكتب إليه
أعد حجّك» (4) .
الثّانية : خبر أبي بصير في حديث قال : «وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحجّ وإن كان قد
حج»(5).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقله عنه في المختلف 4 : 46 .
(2) المهذّب 1 : 268 .
(3) الوسائل 9 : 216 / أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1 .
(4) ، (5) الوسائل 11 : 62 / أبواب وجوب الحجّ ب 23 ح 6 ، 5 .
ــ[87]ــ
إذا كان ما أتى به صحيحاً في مذهبه ، وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
والجواب : أنّ الخبرين ضعيفا السند ، الأوّل بسهل بن زياد والثّاني بعلي بن أبي حمزة البطائني .
مضافاً إلى إمكان حملهما على الاستحباب بقرينة بقيّة النصوص المعتبرة المصرّحة بالاستحباب ، منها
صحيحة عمر بن اُذنية «عن رجل حجّ ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر ثمّ منّ الله عليه بمعرفته والدينونة
به ، أعليه حجّة الإسلام ؟ قال : قد قضى فريضة الله ، والحجّ أحب إليّ» (1) .
(1) قد عرفت أ نّه لا ينبغي الإشكال في أنّ المخالف إذا استبصر لا تجب عليه إعادة عباداته من
الحجّ والصّلاة والصّيام للنصوص الكثيرة ، وإنّما وقع الكلام في أنّ موضوع الحكم بالإجزاء هل هو
العمل الصحيح عنده وعندنا ، أو الصحيح في مذهبه والفاسد في مذهبنا ، أو الفاسد عند الجميع ، أو
الصحيح في مذهبنا والفاسد عنده .
فمحتملات المسألة أربعة :
الأوّل : أن يكون العمل الّذي أتى به المخالف مطابقاً لمذهبه ومذهبنا جميعاً ، ففي مثله يحكم
بالإجزاء بدعوى أنّ الأخبار ناظرة إلى تصحيح عمله من جهة فقدان الولاية ، وأمّا بالنسبة إلى سائر
الشرائط فلا بدّ أن يكون واجداً لها ، فإذا كان العمل فاسداً من غير جهة الولاية فلا تشمله النصوص
.
ويرد على ذلك أ نّه يستلزم حمل النصوص الكثيرة على الفرد النادر جدّاً أو على ما لا يتّفق في
الخارج أصلاً ، إذ من المستبعد جدّاً أن يأتي المخالف بعمل صحيح يطابق مذهبه ومذهبنا معاً ، ولا أقل
من اختلاف وضوئه لوضوئنا .
الثّاني : أن يكون مورد النصوص العمل الصحيح عنده والفاسد عندنا ، وهذا هو القدر المتيقن من
الرّوايات الدالّة على الإجزاء .
الثّالث : أن يكون العمل الصادر من المخالف فاسداً عند الجميع ، كما لو طاف ستّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 61 / أبواب وجوب الحجّ ب 23 ح 2 .
ــ[88]ــ
مسألة 72 : إذا وجب الحجّ وأهمل المكلّف في أدائه حتّى زالت الاستطاعة وجب الإتيان به بأيّ
وجه تمكّن ولو متسكِّعاً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
أشواط أو لم يقف في المشعر أصلاً ونحو ذلك ، فربّما يقال بشمول الأخبار لذلك ، لأنّ الحكم
بالإجزاء منة من الله تعالى ، ومقتضى الإمتنان تصحيح عمله وإلغاء وجوب القضاء بعد الإستبصار .
ويشكل بأنّ الظاهر من الرّوايات كون العمل الصادر منه صحيحاً ، وإنّما كان الشخص فاقداً
للولاية ، فالسؤال ناظر إلى الإعادة من جهة فساد العقيدة ، وإلاّ فالمخالف لا يرى فساد عمله لولا
الإستبصار ، فلو كان عمله فاسداً عنده فهو لم يصل ولم يحجّ على مذهبه ، مع أنّ المفروض أ نّه يسأل
عن حجّه وعن صلاته .
الرّابع : أن يكون العمل صحيحاً عندنا وفاسداً في مذهبـه ، فإن لم يتمش منه القربة فلا ريب في
بطلان عمله لأجل فقدان قصد القربة ، وقد عرفت أنّ النصوص لا تشمل العمل الفاسد في نفسه مع
قطع النظر عن فساد العقيدة وإن تمشى منه قصد القربة ، فلا يبعد شمول النصوص لذلك والحكم
بالإجزاء ، إذ لا يلزم في الحكم بالإجزاء أن يكون العمل فاسداً عندنا ، بل لا نحتمل اختصاص الحكم
بالإجزاء بالفاسد الواقعي .
(1) لا يخفى أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة زوال الوجوب بزوال الاستطاعة ولو بالإهمال والتسويف ،
لزوال الحكم بزوال موضوعه نظير المسافر والحاضر بالنسبة إلى وجوب القصر والتمام . نعم ، يكون
آثماً في ترك الحجّ بالإهمال والتسويف ، فإن تاب بعد عصيانه ربّما يتوب الله عليه كما هو الحال في
سائر المعاصي .
وإنّما نلتزم بالوجوب بعد زوال الاستطاعة بأيّ وجه تمكن ولو متسكعاً ، لأدلّة خاصّة تدل على
إيجاب الإتيان بالحج ولو متسكعاً على من استقرّ عليه الحجّ وأهمل وسوّف حتّى زالت استطاعته ،
وتلك الأدلّة هي النصوص الدالّة على أن من استطاع ولم يحجّ ومات، مات يهوديّاً أو نصرانيّاً، كما في
صحيحة ذريح المحاربي عن أبي عبدالله
ــ[89]ــ
ما لم يبلغ حدّ العسر والحرج (1) . وإذا مات وجب القضاء من تركته (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
(عليه السلام) قال : «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا
يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً» ونحوها غيرها (1) فإنّ المستفاد من هذه
الرّوايات أ نّه يجب على المكلّف القيام بالحج الّذي سوّف وأهمل في امتثاله لئلاّ يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً
.
وبعبارة اُخرى : المستفاد من هذه الرّوايات أن من استطاع للحج واستقرّ عليه ثمّ تركه مات يهوديّاً
أو نصرانيّاً ، ويصدق ذلك حتّى على من استقرّ عليه الحجّ وزالت استطاعته ، فيجب عليه الإتيان
بالحج حتّى يموت مسلماً ولا يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً .
هذا كلّه مضافاً إلى تسالم الأصحاب وعدم الخلاف بل الإجماع بقسميه كما في الجواهر (2) .
(1) قد عرفت أنّ وجوب الإتيان بالحج ولو متسكعاً على من استقرّ عليه الحجّ إنّما استفيد من
الرّوايات الخاصّة ، فهو في الحقيقة وجوب جديد وتكليف جديد فحاله حال بقيّة التكاليف الشرعيّة
الّتي ترتفع إذا لزم منها الحرج ، فالتكليف بالحج عليه ساقط بالفعل إذا استلزم الحرج وإن كان عاصياً
في ترك الحجّ في أيّام استطاعته فالالتزام بوجوب الإتيان بالحج حتّى إذا كان حرجيّاً لا موجب له ، بل
مقتضى أدلّة نفي الحرج عدم الوجوب إذا كان الإتيان به حرجيّاً .
(2) من أصل تركته كسائر الديون لا من الثلث ، لجملة من النصوص منها : موثقة سماعة قال :
«سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرّجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يوص بها وهو موسر ،
فقال : يحجّ عنه من صلب ماله ، لا يجوز غير ذلك» (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 30 / أبواب وجوب الحجّ ب 7 ح 1 وغيره .
(2) الجواهر 17 : 313 .
(3) الوسائل 13 : 72 / أبواب وجوب الحجّ ب 28 ح 4 .
ــ[90]ــ
ويصحّ التبرّع عنه بعد موته من دون اُجرة (1) . ــــــــــــــــــ
ــــــ
(1) لأنّ العبرة بتفريغ ذمّة الميّت وإتيان الحجّ عنه ولو بالتبرّع ولا نحتمل خصوصيّة للاستئجار ، ولا
إشكال في جواز التبرّع عن الميّت وبراءة ذمّته بذلك كما في النصوص(1) . ــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 77 / أبواب وجوب الحجّ ب 31 .
|