ــ[118]ــ
الثّالث : الإيمان ، فلا عبرة بنيابة غير المؤمن وإن أتى بالعمل على طبق مذهبنا (1) .
الرّابع : أن لا يكون النائب مشغول الذمّة بحج واجب عليه في عام النيابة إذا تنجز الوجوب عليه
(2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
(1) إذا كان عمل المخالف فاقداً لما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط عندنا ـ كما هو الغالب ـ
فلا ريب في عدم صحّة نيابته وعدم الإجتزاء بعمله ، لأنّ النيابة إنّما تصح فيما إذا كان العمل في نفسه
صحيحاً وواجداً لما يعتبر فيه واقعاً ، وأمّا إذا كان العمل باطلاً لفقد جزء أو شرط أو وجود مانع فلا
تصح نيابته ، لأنّ مورد النيابة هو العمل الصحيح .
وهكذا الحال فيما لو فرضنا أ نّه أتى بالعمل صحيحاً على طبق مذهبنا وتمشى منه قصد القربة فلا
تصح نيابته أيضاً ، للأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار الإيمان في صحّة الأعمال وقبولها وعدم صحّتها
بدون الولاية (1) .
ودعوى : أنّ ذلك في العمل لنفسه دون عمل غيره ، ممنوعة بأنّ النائب يتقرّب بالأمر المتوجّه إلى
نفسه ، والعمل الصحيح الصادر منه المتقرّب به يوجب فراغ ذمّة المنوب عنه ، فإذا فرضنا أنّ العمل
الصادر منه غير مقبول ولم يكن قربيّاً حقيقة ، فلا يوجب سقوط الواجب عن المنوب عنه .
(2) لا يخفى أنّ هذا الشرط ـ كما صرّح به في ذيل المسألة ـ شرط في صحّة الإجارة لا في صحّة
حجّ النائب .
فيقع الكلام في موردين :
أحدهما : في حكم الحجّ النيابي الصادر من النائب الّذي اشتغلت ذمّته بحج آخر في عام النيـابة ،
والظاهر هو الحكم بصحّة الحجّ ، لأنّ المورد من صغريات باب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 118 / أبواب مقدّمة العبادات ب 29 .
ــ[119]ــ
ولا بأس باستنابته فيما إذا كان جاهلاً بالوجوب أو غافلاً عنه (1) . وهذا الشرط شرط في صحّة
الإجارة لا في صحّة حجّ النائب ، فلو حجّ والحال هذه برئت ذمّة المنوب عنه (2) ولكنّه لا يستحق
الاُجرة المسماة بل يستحق اُجرة المثل (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
التزاحم للتضاد بين الحجّتين ، وحيث إنّ المكلّف لا يتمكّن من الجمع بينهما في سنة واحدة فلا يؤمر
بهما معاً في عرض واحد ، ولكن يمكن أن يؤمر بهما على نحو الترتب فيؤمر أوّلاً بالحج عن نفسه ،
وعلى تقدير العصيان والترك يؤمر ثانياً بالحج عن الغير ، فيحكم بصحّة الحجّ الصادر منه على وجه
النيابة بالأمر الترتبي ، وتبرأ ذمّة المنوب عنه .
ثانيهما : في بيان حكم الإجارة ، والظاهر بطلانها ، لأنّ متعلق الإجارة إن كان الحجّ مطلقاً فالحكم
بصحّتها يؤدّي إلى الأمر بالضدّين ، لأنّ وجوب الحجّ عن نفسه مطلق ومتحقق بالفعل ، فإذا كان
الأمر الإجاري مطلقاً أيضاً فيستلزم ذلك الأمر بالضدّين .
وإن كان متعلق الإجارة مقيّداً ومعلقاً على تقدير ترك الحجّ فيبطل عقد الإجارة أيضاً للتعليق المجمع
على بطلانه ، وأمّا إمضاؤه معلّقاً على ترك الحجّ عن نفسه فهو وإن كان ممكناً في نفسه إلاّ أ نّه لم ينشأ
، فما أنشأه غير قابل للإمضاء ، وما هو قابل له لم ينشأ ، فلا يستحق الأجير الاُجرة المسمّاة ، وإنّما
يستحق اُجرة المثل ، لأنّ المقام من صغريات كلّ شيء يضمن بصحيحه يضمن بفاسده .
(1) لأنّ الأمر الواقعي لا يكون منجزاً في فرض الجهل والغفلة ، والأمر بالضدّين عرضا إنّما
يستحيل فيما إذا كان الأمران منجزين ، وأمّا إذا كان أحدهما غير منجز فلا مانع من الأمر بالضدّ
الآخر .
(2) لصحّة الحجّ الصادر من النائب بالأمر الترتبي كما عرفت .
(3) لبطلان الإجارة فيدخل المقام في كبرى كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، فالقاعدة
تقتضي ضمان اُجرة المثل .
ــ[120]ــ
مسألة 104 : يعتبر في فراغ ذمّة المنوب عنه إحراز عمل النائب والإتيان به صحيحاً ، فلا بدّ من
معرفته بأعمال الحجّ وأحكامه ، وإن كان ذلك بإرشاد غيره عند كلّ عمل (1) . كما لا بدّ من
الوثوق به وإن لم يكن عادلاً (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
(1) لأنّ ذمّة المنوب عنه لا تبرأ بمجرّد الاستئجار ، وإنّما تبرأ فيما إذا أتى النائب بالعمل ، فلا بدّ
من إحراز صدور العمل الصحيح من النائب ولو بأصالة الصحّة فاللاّزم معرفته بأعمال الحجّ وأحكامه
، وإلاّ لو كان جاهلاً بها فلا يمكن إحراز صدور العمل الصحيح منه .
نعم ، لا يعتبر معرفته بالأحكام قبل العمل ، بل تكفي معرفته بها أثناء العمل بإرشاد غيره عند كلّ
عمل ، كما أ نّه في الأصيل كذلك ، فإنّ العبرة في الصحّة بإتيان العمل واجداً لجميع ما يعتبر فيه ، ولو
بالتعرّف عليه في الأثناء بوسيلة مرشد ، أو لمراجعته للكتب المؤلفة لبيان أحكام الحجّ (المناسك) سواء
كان العمل لنفسه أو لغيره ، هذا من ناحية عمل النائب نفسه .
وأمّا من ناحية الاستئجار على العمل ، فالظاهر بطلان الإجارة للجهل بالعمل المستأجر عليه فتكون
الإجارة غرريّة .
نعم ، لا حاجة لمعرفة الأجزاء والشرائط على وجه التفصيل ، بل يكفي مقدار ما يرتفع به الغرر ولو
إجمالاً .
(2) لا إشكال في أنّ هذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة والاستئجار لا في صحّة عمله ، لأنّ
النائب إذا أتى بالعمل الصحيح يكتفى به وتبرأ ذمّة المنوب عنه ولو كان النائب فاسقاً .
وبتعتبير آخر : لا يعتبر الوثوق بالرّجل نفسه عند استئجاره واستنابته ، وإنّما يعتبر الوثوق بصدور
العمل منه ، ولو شكّ في صحّة عمله وفساده يحكم بالصحّة لأصالة الصحّة ، ولا يلزم إحرازها بأمارة
اُخرى .
ومن هنا يعلم أ نّه لا موجب لاعتبار العدالة في النائب ، لأنّ الميزان في براءة ذمّة
|