ــ[231]ــ
التّاسع : محاذاة مسجد الشجرة ، فإن من أقام بالمدينة شهراً أو نحوه وهو يريد الحجّ ، ثمّ بدا له أن
يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا سار ستّة أميال كان محاذياً للمسجد ، ويحرم من محل المحاذاة ، وفي
التعدّي عن محاذاة مسجد الشجرة إلى محاذاة غيره من المواقيت ، بل عن خصوص المورد المذكور
إشكال ، بل الظاهر عدم التعدّي إذا كان الفصل كثيراً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
حنين والفتح» (1) .
وربما يورد على الاستدلال به بأنّ مورده المجاور بمكّة ، وكلامنا في المتوطن ومن كان من أهلها ،
والمجاور غير صادق على أهالي مكّة .
والجواب : أنّ المجاورة عنوان يشمل المتوطن والمقيم مدّة كثيرة وإن لم يقصد التوطن ، ولا يختص
بالإقامة الموقتة ، وقد استعمل في الذِّكر الحكيم في غير الموقت كقوله تعالى : (وَفِي ا لاَْرْضِ قِطَعٌ
مُتَجَاوِرَاتٌ ...)(2) .
نعم ، لا يصدق المجاور على من ولد في بلد واستمرّ في سكونته وإقامته فيه .
ولكن الظاهر أنّ حكمه لا يختلف عن المجاور بقصد الاستيطان .
الثّاني : صحيح عبدالرّحمن بن الحجاج قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي اُريد الجوار
بمكّة فكيف أصنع ؟ فقال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجّة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج» ثمّ
ساق الخبر (3) والخبر طويل ، بل يظهر من الرّوايتين أنّ حكم أهالي مكّة كذلك وإنّما المجاور يلحق
بهم .
(1) المشهور بين الأصحاب أنّ من سلك طريقاً لا يمرّ بشيء من المواقيت يحرم من محاذاة أحد
المواقيت المتقدّمة الخمسة ، واستدلّوا بصحيح ابن سنان بكلا طريقيه .
الأوّل : ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 268 / أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 6 .
(2) الرّعد 13 : 4 .
(3) الوسائل 11 : 267 / أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 5 .
ــ[232]ــ
(عليه السلام) قال : «من أقام بالمدينة شهراً وهو يريد الحجّ ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق أهل
المدينة الّذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال ، فيكون حذاء الشجرة من البيداء» (1) .
الثّاني : ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «
من أقام بالمدينة وهو يريد الحجّ شهراً أو نحوه ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء
الشجرة والبيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها» (2) .
ولا يعارضهما معتبرة إبراهيم بن عبدالحميد المتقدّمة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : «
سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيّام يعني الإحرام من الشجرة ، وأرادوا أن
يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها ، فقال : لا ، وهو مغضب ، من دخل المدينة فليس له أن
يحرم إلاّ من المدينة» (3) لأنّ مفاد خبر إبراهيم هو المنع عن العدول من الشجرة إلى ميقات آخر بعدما
دخل المدينة ، ولا يدل على المنع من الإحرام حذاء أحد المواقيت رأساً .
ومورد الصحيحتين وإن كان حذاء مسجد الشجرة ولكن ذكروا أنّ ذلك من باب المثال ، ولذا
تعدّوا من مسجد الشجرة إلى سائر المواقيت والتزموا بعدم الفصل .
ولكن الظاهر هو الاقتصار على مورد الصحيحين ، وذلك لأ نّه لا ريب في أنّ الحكم المذكور فيهما
على خلاف القاعدة ، وقد اشتملت الصحيحتان على قيود متعدّدة مذكورة في كلام الإمام (عليه
السلام) فاللاّزم الاقتصار على موردهما ، ولا نتمكّن من إلغاء هذه القيود المأخوذة في كلام الإمام (
عليه السلام) والّتي اُخذت على نحو القضيّة الحقيقيّة الشرطيّة وحملهما على مجرّد المثال كما ذكروه بعيد
جدّاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 4 : 321 / 9 ، التهذيب 5 : 57 / 178 (رواها إلى قوله : ستّة أميال) ، الوسائل
11 : 317 / أبواب المواقيت ب 7 ح1 .
(2) الفقيه 2 : 200 / 913 ، الوسائل 11 : 318 / أبواب المواقيت ب 7 ح 3 .
(3) الوسائل 11 : 318 / أبواب المواقيت ب 8 ح 1 .
ــ[233]ــ
العاشر : أدنى الحل ، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القِران أو الإفراد ، بل لكلّ عمرة مفردة
لمن كان بمكّة وأراد الإتيان بها، والأفضل أن يكون من الحديبيّة أو الجعرانة، أو التنعيم(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
نعم ، لو كانت القيود مذكورة في كلام السائل أمكن دعوى فهم المثاليّة من الرّواية .
بل يمكن أن يقال بأنّ حذاء مسجد الشجرة له خصوصيّة وهي : أنّ السنّة في الإحرام منه أن يفرض
الحجّ في المسجد ويؤخّر التلبية إلى البيداء ، وهذه الخصوصيّة غير ثابتة لسائر المواقيت ، فلا يبعد أن
يكون الاكتفاء بالمحـاذاة إنّما هو لخصوصيّة لمسجد الشجرة ، فلا يمكن التعدّي إلى غيره ، بل ولا إلى
غير الخصوصيّات المذكورة في النص حتّى في مورد مسجد الشـجرة ، بل اللاّزم الاقتصار على
مسجد الشجرة وعلى الخصوصيّات المذكورة في النص .
نعم ، لا يلزم الاقتصار بستّة أميال ، ويمكن التعدّي إلى سبعة أميال أو ثمانية ونحو ذلك ممّا يمكن
للشخص رؤية المحاذي له ، وأمّا إذا كانت المسافة بعيدة كعشرين فرسخاً أو أكثر فلا عبرة بالمحاذاة .
(1) يدلّ على كونه ميقاتاً للعمرة المفردة بعد حجّ الإفراد أو القِران صحيح جميل قال «سألت أبا
عبدالله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية قال : تمضي كما هي إلى عرفات
فتجعلها حجّة ثمّ تقيم حتّى تطهر ، فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة ، قال ابن أبي عمير : كما
صنعت عائشة» (1) .
والتنعيم من مصاديق أدنى الحل ، وذكره بالخصوص لكونه أقرب الأماكن من حدود الحرم .
ويدل على كونه ميقاتاً لكلّ عمرة مفردة لمن كان بمكّة وأراد الإتيان بها إطلاق صحيح عمر بن يزيد
عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «من أراد أن يخرج من مكّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 : 296 / أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 2 .
|