ــ[278]ــ
مسألة 200 : كما يحرم على المحرم صيد الحيوان البرّي تحرم عليه الإعانة على صيده ولو بالإشارة
، ولا فرق في حرمة الإعانة بين أن يكون الصائد محرماً أو محلاًّ (1) .
مسألة 201 : لا يجوز للمحرم إمساك الصّيد البرّي والإحتفاظ به وإن كان اصطياده له قبل إحرامه
، ولا يجوز له أكل لحم الصّيد وإن كان الصائد محلاًّ (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )(1) والرّوايات كثيرة اشتملت على الحكمين .
فمن جملة الرّوايات الدالّة على الحكم الأوّل ، صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
«لا تستحلن شيئاً من الصّيد وأنت حرام ، ولا أنت حلال في الحرم»(2) فإنّها تدل على حرمة الصّيد
في حال الإحرام وإن كانت في الحل الّذي هو مورد كلامنا ، وكذا تدل على حرمة الصّيد في الحرم
وإن كان محلاًّ ، وهذا حكم آخر نتعرّض إليه في محلِّه(3) وهو أيضاً أمر متسالم عليه ، فإنّ الحاج قد
يكون محرماً خارج الحرم وقد يكون محلاًّ وهو في الحرم ، وقد يجتمعان .
وأمّا حرمة القتل فتدل عليها جملة من النصوص ، منها : معتبرة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه
السلام) في حديث قال : «ثمّ اتق قتل الدواب كلّها إلاّ الأفعى والعقرب» (4) .
(1) هذه المسألة يظهر وجهها ممّا سيأتي .
(2) تدل على ذلك كلّه عدّة من النصوص المعتبرة :
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا تستحلنّ شيئاً من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة 5 : 95 .
(2) الوسائل 12 : 415 / أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 1 .
(3) أشار إليه في ص514 بعد المسألة 280 وقال: تعرّضنا في أوّل تروك الإحرام للنصوص الدالّة
على حرمة صيد الحرم على المحل والمحرم .
(4) الوسائل 12 : 545 / أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2 .
ــ[279]ــ
ويحرم الصّيد الّذي ذبحه المحرم على المحل أيضاً ، وكذلك ما ذبحه المحل في الحرم(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
الصّيد وأنت حرام ، ولا أنت حلال في الحرم ، ولا تدلنّ عليه محلاًّ ولا محرماً فيصطاده ، ولا تشر إليه
فيستحل من أجلك فإنّ فيه فداء لمن تعمّده» (1) .
وفي صحيحة معاوية بن عمار «لا تأكل من الصّيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل» (2) .
وهذه الأحكام ممّا لا ريب فيه ولا إشكال ، كما لا خلاف في شيء من ذلك بيننا .
(1) قد وقع الخلاف فيما لو ذبح المحرم الصّيد ، فهل يحرم أكله حرمة مطلقة حتّى على المحل فيكون
كالميتة ، أو تختص الحرمة بالمحرم ويجوز للمحل أكله ؟
المشهور شهرة عظيمة بل لعلّه من المتسالم عليه عندهم هو الأوّل ، وأنّ الذابح إذا كان محرماً حرم
على المحل والمحرم فيكون من جملة شرائط التذكية كون الذابح محلاًّ وإلاّ كان ميتة يحرم على كل أحد
أكله .
ونسب إلى جماعة من القدماء كالصدوق(3) والمفيد(4) والسيِّد المرتضى(5) وابن الجنيد(6)
اختصاص الحرمة بالمحرم وجواز أكل المحل ما ذبحه المحرم ، غاية الأمر على المحرم فداؤه ، واختار هذا
القول أو مال إليه من المتأخّرين السيِّد في المدارك (7) .
واستدلّ على التحريم المطلق بعدّة من الرّوايات :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 415 / أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 1 .
(2) الوسائل 12 : 419 / أبواب تروك الإحرام ب 2 ح 3 .
(3) الفقيه 2 : 235 .
(4) المقنعة : 438 .
(5) جمل العلم والعمل 3 : 72 .
(6) حكاه عنه في المختلف 4 : 153 .
(7) المدارك 7 : 308 .
ــ[280]ــ
منها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قلت له : المحرم يصيب الصّيد
فيفديه أيطعمه أو يطرحه؟ قال: إذن يكون عليه فداء آخر، قلت : فما يصنع به ؟ قال : يدفنه» (1)
فإن أمره بالدفن كاشف عن حرمته المطلقة وعدم الاستفادة منه بشيء كالميتة .
وفيه : أ نّها في مقام وجوب الفداء الآخر على المحرم لو أطعمه للمحل ، ولا تدل على الحرمة
المطلقة ، وأمّا أمره بالدفن لأجل الفرار عن الفداء . مضافاً إلى ضعفها سنداً بالإرسال .
ودعوى أنّ مراسيل ابن أبي عمير حجّة، مدفوعة بما ذكرنا غير مرّة بأنّ مراسيله كسائر المراسيل، إذ
لم يثبت عدم روايته إلاّ عن الثقة ، وقد عثرنا على جملة من الموارد روايته عن الضعفاء ، وقد ذكرنا
تفصيل ذلك في معجم الرّجال (2) .
ومنها : خبر وهب «إذا ذبح المحرم الصّيد لم يأكله الحلال والحرام وهو كالميتة» (3) ودلالته على
الحرمة المطلقة واضحة ولكنّه ضعيف سنداً جدّاً ، لأنّ وهب بن وهب غير موثق وقيل في حقّه إنّه من
أكذب البرية .
ومنها : معتبرة إسحاق عن جعفر (عليه السلام) «أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : «إذا ذبح
المحرم الصّيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم» (4) وهي صريحة في الحرمة المطلقة ، إلاّ أنّ
السيِّد في المدارك ناقش في التحريم المطلق للطعن في سند الخبرين (5) ، أمّا خبر وهب فواضح ، وأمّا
خبر إسحاق بن عمار فلأ نّه اعتبر كون الرّاوي عدلاً إماميّاً صحيح العقيدة ، وإسحاق فاسد العقيدة
لكونه فطحي المذهب ولذا ذكر صاحب الجواهر أنّ الخبرين منجبران بالشهرة أو بالإجماعات المحكية
(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 432 / أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 3 .
(2) معجم الرّجال 1 : 61 .
(3) الوسائل 12 : 432 / أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 4 .
(4) الوسائل 12 : 432 / أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 5 .
(5) المدارك 7 : 306 .
(6) الجواهر 18 : 289 .
ــ[281]ــ
إلاّ أنّ خبر إسحاق معتبر لكفاية كون الرّاوي ثقة وإن كان فاسد العقيدة فلا حاجة إلى دعوى
الإنجبار . نعم ، على مسلك المدارك يكون الخبر ضعيفاً ، ولكن لا عبرة بمسلكه ، بل الصحيح عندنا
كفاية كون الرّاوي ثقة ، ولو كان الرّاوي فاسد العقيدة ، فعليه لو كنّا نحن وهذه الرّوايات لالتزمنا
بالحرمة المطلقة .
ولكن هنا روايات تدل على جواز الأكل للمحل :
منها: صحيحة الحلبي قال: «المحرم إذا قتل الصّيد فعليه جزاؤه ويتصدّق بالصيد على مسكين»(1)
فإنّ التصدّق به على مسكين وإعطاءه وإطعامه يدل على جواز أكل المحل له ، وإلاّ لو كان ميتة فلا
معنى للتصدّق به على المسكين ، واحتمال كون الباء في «بالصيد» للسببيّة أي يتصدّق لفعله وذبحه له
على مسكين بعيد جدّاً ، ولعلّها أظهر الرّوايات الدالّة على جواز الأكل للمحل .
ومنها : صحيحة منصور بن حازم قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل أصاب صيداً وهو
محرم آكل منه وأنا حلال ؟ قال : أنا كنت فاعلاً ، قلت له : فرجل أصاب مالاً حراماً ؟ فقال : ليس
هذا مثل هذا يرحمك الله ، إنّ ذلك عليه» (2) .
ولا يبعد أن يكون المراد بقوله «أصاب صيداً» أ نّه قتله وذبحه بعد ما صـاده لا أ نّه مات بنفس
الرّمي والصّيد .
ومنها : صحيحة حريز «عن محرم أصاب صيداً أيأكل منه المحل ؟ فقال : ليس على المحل شيء إنّما
الفداء على المحرم» (3) والظاهر من الاصابة أ نّه وصل إليه المحرم وقتله .
ومنها : صحيحة معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أصاب صيداً
وهو محرم أيأكل منه الحلال ؟ فقال : لا بأس ، إنّما الفداء على المحرم» (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 12 : 432 / أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 6 .
(2) الوسائل 12 : 421 / أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 3 .
(3) الوسائل 12 : 421 / أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 4 .
(4) الوسائل 12 : 421 / أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 5 .
ــ[282]ــ
فتعارض هذه الطائفة الطائفة الاُولى فلا يؤخذ بإحداهما ، ويرجع إلى عمومات الحل فيكون التحريم
مختصّاً بالمحرم ويجوز الأكل للمحل .
ويدل على جواز أكل الصّيد الّذي ذبحه المحرم للمحل مضافاً إلى ما ذكـرنا ، النصوص الدالّة على
تقديم الصّيد على الميتة للمحرم المضطر إلى الأكل ، معلّلاً في بعضها بأ نّه إنّما يأكل ماله (1) ، ومن
الواضح أنّ الميتة ليست بمال ، ولو كان الأمر كما ذكره المشهور لكانت ذبيحة المحرم المصطادة ميتة
أيضاً ، فلا ترجيح في البين ، بل لا بدّ من تقديم الميتة على الصّيد ، ضرورة عدم الحرمة الصّيديّة في
الميتة ، بل حرمة الصّيد آكد لأ نّه صيد وميتة ، فتقديم الصّيد على الميتة للمحرم المضطر يكشف عن
أنّ الصّيد الّذي ذبحه المحرم ليس محكوماً بالميتة فيجوز للمحل أكله .
نعم ، ورد في بعض الرّوايات تقديم الميتة على الصّيد (2) ولكنّها محمولة على التقيّة لأنّ ذلك
مذهب العامّة (3) .
والّذي ينبغي أن يقال : إنّه إن قلنا بعدم حجية الخبر الموثّق ، واختصاص الحجيّة بالصحاح ، فالأمر
كما ذكره سيِّد المدارك ، لسقوط خبر إسحاق بن عمار عن الحجية عنده فتبقى روايات الجواز بلا
معارض ، وأمّا إذا قلنا بحجية الموثق كما هو الصحيح فلا معارضة في البين ، والوجه في ذلك :
أنّ المعارضة بين موثق إسحاق والرّوايات المجوزة تكون بالإطلاق والتقييد ، والمقيّد مقدم على المطلق ،
فاللاّزم حينئذ تعين العمل بموثق إسحاق ، لأنّ روايات الجواز تدل بإطلاقها على حلية صيد المحرم
للمحل سواء كان الذابح هو المحرم أو غيره أو مات بنفس الصّيد والرّمي ، وليس فيها ظهور في
خصوص استناد الموت إلى ذبح المحرم ، بل رواية القتل(4) أيضاً مطلقة من حيث استناد القتل إلى ذبح
المحرم ، أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 13 : 84 / أبواب كفارات الصّيد ب 43 .
(2) الوسائل 13 : 87 / أبواب كفارات الصّيد ب 43 ح 11 ، 12 .
(3) المغني 3 : 296 . والبحر الرائق 3 : 36 .
(4) الوسائل 12 : 432 / أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 6 ، والمتقدّمة في ص 281 .
ــ[283]ــ
إلى نفس الرّمي والصّيد ، كما لعلّه الغالب وليس فيها أيّ ظهور في خصوص ذبح المحرم إلاّ بالإطلاق ،
وكذلك روايات تقديم الصّيد على الميتة ليس فيها ما يدلّ على أنّ الموت مستند إلى ذبحه أو إلى موته
بالصيد ، والتعليل فيها بأ نّه إنّما يأكل ماله ظاهر في أنّ الصائد هو المحرم . وأمّا موثقة إسحاق فصريحة
في أنّ المحرم إذا ذبح الصّيد فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم ، فتقيد جميع المطلقات المتقدّمة .
فالنتيجة : أنّ الصّيد إذا ذبحه المحرم كان ميتة حراماً على المحل والمحرم ، وأمّا إذا كان موته مستنداً إلى
غير ذبح المحرم بل بنفس الرّمي أو ذبحه غيره فلا يحرم على المحل وإنّما يحرم على المحرم خاصّة .
|