ــ[287]ــ
وقيل : بالحرمة كما في الجواهر (1) واحتاط شيخنا النائيني(2) .
أمّا الجواهر : فقد استند في الحكم بالحرمة إلى إطلاق ما دلّ على حرمة الصّيد ، فقد ذكر (قدس سره)
أنّ المستفاد من غير الآية وبعض الرّوايات حرمة مطلق الصّيد والخارج منه خصوص صيد البحر ، فما
لم يعلم كونه بحرياً أو برياً يحكم عليه بالحرمة للإطلاق .
ولا يخفى أنّ ما ذكره مبني على جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وهو خلاف التحقيق ،
وإنّما يتمسّك بالإطلاق أو العام فيما إذا شكّ في أصل وجود القيد وعدمه ، وأمّا إذا ورد القيد وشكّ
في فرد أ نّه من أفراد الخاص أو من أفراد العام الباقية تحت العام فلا يتمسّك بالعام ، لتسرية حكمه إلى
الفرد المشكوك ، لعدم إحراز كونه من أفراد العام ، فيحتاج إلى أصل آخر يحرز به كونه فرداً باقياً تحت
العـام وتفصيل ذلك موكول إلى محلِّه .
بل يمكن أن يقال : إنّه لا إطلاق في البين ، بل الحكم من الأوّل مقيّد بالحيوان البرّي ، فليس في
البين إلاّ نوعان : نوع حكم عليه بالحرمة كصيد الحيوان البرِّي ونوع حكم عليه بالحلية كصيد الحيوان
البحري ، فيكون الدليل منوّعاً لا مخصّصاً فليس هنا إطلاق وتقييد حتّى يتمسّك بالإطلاق ويقتصر في
الخروج منه بالمتيقّن .
ويؤيّد ذلك : صدر الآية الكريمة ، لأنّ مقتضاه حلية البحري للمكلّفين حلالاً كانوا أو محرمين
ومقتضى قوله تعالى : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ا لْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً)(3) حرمة صيد الحيوان البرّي للمكلّفين
ما داموا محرمين ، فإنّ المراد من «عليكم» نفس ما اُريد من الصدر ، فحينئذ لو شكّ في حيوان أ نّه
بري أو بحري فهو من الشكّ في الشبهة الموضوعيّة الّتي تجري فيها أصالة البراءة قطعاً حتّى عند
الأخباري ، فيكون المقام نظير ما لو شكّ في مائع أ نّه خمر أو خل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 18 : 295 .
(2) دليل الناسك (المتن) : 144 .
(3) المائدة 5 : 96 .
ــ[288]ــ
وأمّا إذا قلنا بالإطلاق وخروج صيد البحري منه ، فيبقى صيد غير البحري تحت الإطلاق ، فإن قلنا
بأصالة العدم الأزلي وكان الخاص أمراً وجوديّاً متّصلاً كان أو منفصلاً ، فالخارج صفة وجوديّة وهي
كونه صيد البحري ، والباقي تحت عنوان العام معنون بعنوان عدمي أي عدم سلبي بمعنى كلّ ما ليس
بصيد البحر ، فموضوع الحكم بالحرمة غير صيد البحر ، وموضوع الجواز صيد البحر ، وبالأصل
العدم الأزلي نحرز الموضوع ونثبت أ نّه غير صيد البحر .
هذا كلّه بناءً على ما هو التحقيق من صحّة جريان الأصل في الأعدام الأزليّة تبعاً للمحقق صاحب
الكفاية (1) .
أمّا لو قيل بعدم الصحّة كما عن شيخنا النائيني (2) (قدس سره) فالحكم بالحرمة مبني على ما أسس
من القاعدة ، والّتي هي أنّ الحكم الإلزامي لو خرج منه حكم ترخيصي معلق على أمر وجودي فلا بدّ
من إحرازه حسب الفهم العرفي ، فالإحراز بالفهم العرفي دخيل في الحكم بالجواز ، ولا يترتب الحكم
بالجواز ما لم يحرز الموضوع فإذا قال المولى لعبده : لا تدخل عليَّ أحداً إلاّ أصدقائي لا يجوز له إدخال
أحد على مولاه إلاّ إذا اُحرز كونه صديقاً له ، وإلاّ فلا يجوز ، ورتّب على ذلك فروعاً كثيرة في
أبواب الفقه .
منها : ما لو شكّ في ماء كونه كرّاً أم لا ، فحكم بالنجاسة .
ومنها : لو شكّ في كون اليد يد ضمان أم لا ، فحكم بالضمان .
ومنها : ما لو شكّ في ماء أ نّه غسالة الاستنجاء ، أو غسالة سائر النجاسات ، فقد حكم بالنجاسة
أيضا .
وقد ذكرنا في محلِّه(3) أ نّه لا أساس لهذه القاعدة ، وإنّما يحرز الموضوع بأصالة العدم الأزلي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 223 .
(2) أجود التقريرات 1 : 464 .
(3) في المحاضرات في ا ُصول الفقه 5 : 209 وما بعدها .
|