الفرع الخامس : قد ذكرنا سابقاً (1) أنّ ما يذبحه المحرم يحرم على المحل والمحرم وكذا ما يذبح في
الحرم يحرم على المحل والمحرم فيكون المذبوح ميتة ، وقد ذكرنا أيضاً أ نّه لا عبرة بكلام سيِّد المدارك
من الأكل للمحل ، لأنّ موثقة إسحاق المتقدّمة (2) صريحة في حرمة مذبوح المحل والمحرم ، فنقيّد
إطلاق ما دلّ على حلية صيد المحرم للمحل ، فمن حيث حرمة الأكل لا كلام .
وإنّما الكلام في ترتيب سائر آثار الميتة كالنجاسة وعدم جواز الصلاة في جلده وسائر أجزائه ، وقد
احتاط شيخنا النائيني في الصلاة في جلده ، ولم يعرف وجه الاختصاص بالجلد ، والأولى أن يقال :
ويحرم الصلاة في أجزائه ، لأنّ المفروض كونه ميتة .
وكيف كان : يقع الكلام تارة فيما يذبحه المحرم أو المحل في الحرم ، واُخرى فيما يذبحه المحرم خارج
الحرم .
أمّا الأوّل : فالصحيح أ نّه محكوم بالميتة من حيث عدم الصلاة فيه ، سواء قلنا بأنّ التنزيل بلحاظ
كونه ميتة أو بلحاظ حرمة الأكل ، لعدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وإن كان عدم
الأكل بالعرض كالجلل والموطوءة ، وأمّا من حيث النجاسة فتتوقف على عموم التنزيل ، فإن قلنا بأ نّه
ميتة على الإطلاق فهو ، وإلاّ فإن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 283 .
(2) في ص 280 .
ــ[300]ــ
قلنا بأنّ التنزيل بلحاظ أظهر الآثار وأبرزها فالتنزيل يشمل الأثر الظاهر البارز كما في نظائره كقوله (
عليه السلام) في العصير : «خمر لا تشربه»(1) والحكم البارز هناك حرمة الشرب ، ولذا لم نقل
بنجاسة العصير ، وهكذا المقام ، فإنّ الأثر البارز هو حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة فيه لا النجاسة .
وبالجملة : مذبوح الحرم يعد من محرم الأكل ، لأ نّه لو ذبحه المحرم أو المحل يحكم بحرمته على كل
تقدير ، فلا يجوز أكله ولا الصلاة فيه .
وأمّا الثّاني : فهو ما يذبحه المحرم في الحل ، فلا يعد الحيوان المذبوح من الحيوان المحرم الأكل في
نفسه ، وإنّما يحرم أكله من جهة حرمة ذبحه من المحرم نظير حرمة الحيوان من جهة فقد بعض شرائط
التذكية ، كما إذا كان الذابح كافراً أو ذبح بغير الحديد أو إلى غير القبلة ، فالحيوان في نفسه ليس
محرم الأكل فإنّه قابل لوقوع التذكية عليه إذا ذبحه المحل نظير ما إذا ذبحه المسلم بالحديد ، فعدم الصلاة
فيه والحكم بنجاسته مبنيان على عموم التنزيل ، فيفرق الحال بين ما ذبحه المحرم في الحل وبين ما ذبح في
الحرم فإنّ الثّاني محرم الأكل على كل تقدير ويعد من الحيوانات المحرمة الأكل ولو بالعرض ، بخلاف
الأوّل فإنّه يحرم أكله لأجل فقد بعض شرائط التذكية ، وهو كون الذابح محلاًّ .
وهذا كلّه من باب مسايرة القوم فيما ذهبوا إليه ، ولكن جميع ما ذكر ممّا لا أساس له ، فإنّ ذلك
يتوقف على كون إطلاق الميتة من باب التنزيل ، والظاهر أ نّه لا موجب للالتزام بذلك ، لأنّ إطلاق
الميتة عليه كما في النص(2) حكم شرعي تعبّدي ، ولا قرينة على تنزيله وتشبيهه بالميتة .
نعم ، قامت القرينة على تنزيل العصير منزلة الخمر ، لأنّ العصير ليس مصداقاً للخمر جزماً ، فإنّ
الخمر ما خامر به العقل ونحو ذلك من المعاني الّتي لا تنطبق على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم ترد هذه الجملة في العصير وإنّما ورد نحوها في الفقاع ، راجع الوسائل 25 : 361 / أبواب
الأشربة المحرمة ب 27 ح 8 .
(2) وهو معتبرة إسحاق المتقدّمة في ص 280 .
|